- كثيرة هي الأسئلة التي تطرح نفسها اليوم في الشارع العربي ، وقليلة هي الإجابات ، وما يصدرمن إجابات يحتاج إلى أسئلة لتوضيحها لأنها إجابات مبهمة لا معنى لها سوى سد فراغ ليس إلا . لا أحد يجرؤ ويقوإننا نعيش منذ نصف قرن من الزمن حالة جمود سياسي في تطويرنظم الحكم في المنطقة العربية، ولا أحد يريد أن يربط بين الجمود السياسي وما ينتج عنه من جمود في جوانب أخرى أهما بالتأكيد الاقتصاد والثقافة والانفتاح على الآخر . والجمود السياسي الذي حصل في عالمنا العربي كان سببا في صناعة نظم استبدادية تمكنت منا ومن مواردنا وسخرت كل طاقاتنا لخدمتها ومن يعارض فمصيره معروف للجميع . وهذا الاستبداد للأسف الشديد لم يبن دولا بقدرما سعى لتأسيس سلطة تحكم بالقوة ، هذه السلطة التي عادة ما تكون ذات حزب واحد ، وتحولت تدريجيا لشخص واحد يمتلك كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية أيضا، وهذا يعني أن هنالك تآكل سريع في بنية الدولة العربية على حساب السلطة ومؤسسة الحزب الحاكم ،أي بمعنى أدق فقدنا الدولة كمؤسسات وبرزت للواجهة مؤسسات السلطة التي عادة ما تنهاربانهيارها كما حدث لدينا في العراق في افريل 2003 حيث تبين لنا أننا لم نكن دولة بقدرما كانت لدينا مجموعة أجهزة قمعية (تبخرت في لحظة (. لهذا نجد أن آخرقلاع المركزية مازالت في نظمنا العربية الحاكمة، المركزية في كل شيء حتى في (الشعارات ) ودائما كنا نسمع أن ( هذه شعارات مركزية )، والمركزية في المفهوم السياسي العربي تعني ( نفذ ولا تناقش ) رغم أن مرحلة من المراحل الأولى كانت فيها بعض المرونة (نفذ ثم ناقش) وتم استبدالها (مركزيا) بحذف (ثم) ووضع (لا) وتبريرات هذا بأننا نعيش حالة ( استثنائية(. والسؤال هنا: لماذا لا نعيش أوضاعا طبيعية؟ نحن في العراق منذ عام 1958 نعيش ظرفا استثنائيا. في مصر منذ جويلية 1952 وحتى اليوم ظرف استثنائي وحالة طوارىء ، وهكذا بقية بلدان العرب ، فيما نجد الشعوب والدول الأخرى تعيش ظرفا طبيعيا وتنتج وتبدع وتطور اقتصادها. بلد مثل الصين تعداده سدس سكان العالم ،( مليار و400 مليون نسمة) وليس هنالك بطالة ولا هجرة خارج الصين ! والسبب يكمن في أن نظم الحكم العربية ليست ذات خلفيات سياسية ولا تمتلك رؤية واقعية ولا يمكنها أن تحدث ثمة تحولات في مجتمعها وأن تواكب العالم،لأنها نظم قائمة على إقصاء الآخرمهما كان وإقصاء الآخريعني فيما يعني الانزواء وعدم النظرللأخطاء ومعالجتها أوحتى عدم تكرارها. هذه الأخطاء تبرزبوضوح في النظم الديمقراطية. فالمعارضة تأخذ دورها كالمرآة العاكسة للصورة، بينما عالمنا العربي لا مرآة فيه ؛وبالتالي لا أخطاء ظاهرة وإن ظهرت فإنها تبررعلى أن البلد يعيش حالة (استثنائية). هذا هو الجمود الذي نتحدث عنه، جمود في الفكرالسياسي، وحقبة طويلة أدت إلى تغييب الفرد العربي عن معترك السياسة، بدل لغة المشاركة السياسية، ما جعل من هذا الفرد يتمرد على كل السلطات الآنية وينفرمنها. وهنالك قطيعة كبيرة بين الحاكم والمحكوم، كانت تحت السيطرة في القرن الماضي، لكن الآن لا يمكن السيطرة عليها، لأن هذه القطيعة وصلت إلى درجة الغليان الكبير؛ هذا الغليان الذي هو نتيجة تراكمات نصف قرن من أخطاء الحاكم وكبت الشعب، فولدت أجيالا جديدة امتلكت ناصية التكنولوجيا ولم تعد تتحمل الأوضاع المأساوية التي تعيشها ، خاصة أنها تريد وضعا طبيعيا للحياة وليس استثنائيا. الوضع الطبيعي هوأن أزيل ما يجعلني أعيش ظرفا استثنائيا ! هذه فلسفة الشباب العربي الآن ، هذه النظرة مفادها أن أبي ظل طول عمره يعيش حالة ( استثنائية ) لأنه لم يتخذ قرارا بإزالة مسببات الاستثناء هذه وما ت ليورثها لي. ما يحدث في مصرهو ثورة على أسباب تجعل الشعب دائما يعيش حالة استثنائية. رفض أن يورثني أبي استكانته وصمته وقبوله للأمر الواقع ولا أريد أن أورث أبنائي هذا ، هذا الكلام سمعته من شاب مصري من شاشات الفضائيات . ومشكلة النظام السياسي العربي أنه يتعامل مع الحداثة والتطور والتكنولوجيا والثقافة من باب ( التخوين ) لأنه يدرك بأن ولوج هذه الميادين واستثمارها يؤدي إلى تهاوي هذه النظم الاستبدادية لأنها تفتح آفاقا كبيرة أمام الشعب لأن يرى الشعوب الأخرى كيف تعيش ظروفا طبيعية وتنتج وتترفّه وتضحك ، وتتظاهروتحتج ، لهذا كان البث الفضائي ممنوعا في العراق قبل 2003 ، وهومقنن الآن في الكثير من الدول العربية ، وحرام في بعضها . نحن إذن نعيش عصرانهيار المركزية بوصفها وسيلة للقمع ، نشهد تهاوي صروح الحزب الواحد، والرجل الواحد ، وولادة عصرجديد يمكننا أن نسميه "عصرالشعوب". كاتب وباحث عراقي