تلقّى التونسيون خبر مقتل الزعيم السياسي والأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد شكري بلعيد صباح أمس بالعاصمة ضربا بالرصاص في وضح النهار بمشاعر هي خليط من الحزن والأسف والحيرة والإستغراب والخوف. الخوف من أن نتحول في هذا البلد المسالم إلى مستنقع تقع فيه تصفية الحسابات بالسلاح وعلى قارعة الطريق. الخوف من أن يكون مقتل شكري بلعيد ايذانا بتفشي منطق التصفية الجسدية ولغة العنف في المجتمع لأننا في بلادنا ومهما ارتفعت درجة الإختلاف بين التونسييّن لم نكن نتوقع أننا سنبلغ هذه المرحلة من الإحتقان التي تجعل زعيما سياسيا تونسيّا مهما كان انتماءه ومهما كنا نختلف معه في وجهات النظر وفي الإيديولوجيا وفي الرأي يصفّى في الطريق العام بدم بارد وبوحشية كاملة. وإن كان مقتل شكري بلعيد حدثا مأساويا لعائلته وللمناضلين السياسيين في حزبه فهو كذلك خسارة لكل التونسيين ولعله إيذانا بدخول بلادنا في مرحلة خطيرة مرحلة تتراجع فيها مؤسسات الدولة وتتفشى فيها الميليشيات المسلحة والتصفيات الجسدية. ولأن كل من سبقنا نبه من أن العنف يولد العنف وأن الدم إذا سال من الصعب أن نوقفه فإننا نحمّل الحكومة التونسية بكل أجهزتها المسؤولية كاملة في وضع حد لهذا الخطر الذي يهدد البلاد. صحيح علينا أن نحكّم العقل وأن لا ننساق وراء العواطف حتى وإن كان من حقنا أن نعبر عن الحزن العميق وخيبة الأمل وعن المرارة وعن كثير من الأشياء التي نعجز حتى عن إيجاد الوصف الملائم لها ذلك أن الفاجعة كبيرة فإنه لزام علينا ومن منطلق الخوف من أن يصبح العنف سيّد الموقف في بلادنا أن نحمّل الحكومة المسؤوليّة كاملة في هذه الجريمة لأنّها مسؤولة عن أمن المواطن وهي بعجزها عن توفير الأمن للمواطن تهدّد بهدم أركان الدولة لأن المواطن إذا فقد الثقة في الدولة إلى من يلتجئ وأي حل يختار ؟ نحن في تونس دعاة سلام. التونسيون حتى ولما خرجوا إلى الشوارع ضد الديكتاتورية فإنهم لم يحملوا سلاحا. كان صوتهم سلاحهم وحتى لما رد النظام السابق بالرصاص الحي فإنهم حافظوا على سلمية التحركات. ووحدها عزيمة التونسيين من اسقطت الديكتاتورية لكن هناك من طلع علينا اليوم يريد فرض منطق جديد منطق العنف والعنف الممنهج ومنطق الجريمة المنظمة والإغتيال السياسي. إننا وإن كنا نعي أننا في مرحلة صعبة وخطيرة فإننا نعلن أن تونس لم تكن ولن تكون حرثا للمجرمين وأصحاب عقليات القتل والتشفي. إنهم يبشروننا بثقافة جديدة ثقافة تعتمد على العنف اللفظي والمادي, ثقافة فرض الأمر الواقع, ثقافة الدم وثقافة القتل, ثقافة تطويع البلاد كرها للدّجالين ولدعاة الفتنة والقتل. ثقافة من نصبوا للبلاد شراكا لتقع في فخ الإقتتال. فبأي ثقافة تبشرون؟