أثناء محاكمته سئل قاتل فرج فودة «لماذا اغتلت فرج فودة»، أجاب القاتل ببرودة دم «لأنه كافر» فسأله القاضي «من أي كتبه عرفت أنه كافر»، فأكّد القاتل «أنا لم أقرأ كتبه» وأضاف في إجابة عن سؤال القاضي «كيف؟» أمام ذهول الحاضرين «أنا لا أقرأ ولا أكتب». وقاتل فرج فوده هو سباك سبق له دخول السجن عدة مرات بتهمة النشل والسرقة والتحرش بالنساء وقد برر جريمته بقوله «احتسبت لله»، بعد أن سمع شريطا «دعويا» لأحد شيوخ الفقه في نجد يتهم الدكتور فرج فودة بالردة والطعن في الأحاديث النبوية وسب الصالحين. نبهت الأحداث المؤسفة التي جدّت أمام سفارة الولاياتالمتحدة، إلى خطورة ما يحدّق بالبلاد من مخاطر قد تجرّنا إلى تطاحن داخلي وربما يصل حدّ التصفية الجسدية أو حوادث اغتيال لشخصيات سياسية او فكرية أو اجتماعية معروفة وهذا «غريب» عن قيم التسامح التونسية الأصيلة.. ولعلّ التفكير في اغتيال الوزير الأول السابق كما أعلن عنه بعض قياديي نداء تونس يضعنا أمام نقطة استفهام كبيرة..
لا يخلو تاريخ البلاد الحديث من جانب دموي خفي ما زال لم يبح لنا التاريخ بكل أسراره وبقيت نقاط سوداء في تاريخنا ورغم ذلك فان عمليات التصفية الجسدية ثابتة وغير قابلة للدحض ومنها ما نفّذ بطريقة مباشرة كحادثتي اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد واغتيال الزعيم الوطني صالح بن يوسف.. او في ظل أساليب القمع التي انتهجت في الحقبة البورقيبية وحقبة حكم المخلوع اللتين شهدتا عمليات للتصفية الجسدية لعل أشهرها تصفية اليوسفيين، ومقتل العشرات من الإسلاميين في غياهب السجون تحت وطأة التعذيب بالإضافة إلى حادثة الطائرة العسكرية والتي كانت تحمل كوادر رفيعة المستوى في المؤسسة العسكرية والتي ما زال يبدو حادثا ملتبسا يسوّق له على كونه عملية اغتيال أمر بها الرئيس المخلوع بن علي.. اليوم مع «تفجّر» ينابيع الحرية في مهد الثورات العربية جعلت الأمور تنفلت بشكل ينذر أحيانا بالخوف ويثير الهلع والذعر في النفوس..
الدم المهدور !!!
في منتصف أكتوبر الماضي وقبيل انتخابات المجلس التأسيسي بأيام أوردت تقارير اعلامية أن أحد الأيمة بجهة سوسة أطلق دعوة لسفك دماء العلمانيين والشيوعيين وتقريبا كانت هذه أوّل دعوة صريحة في سياق خطاب تكفيري يدعو الى القتل وتلتها بعد ذلك الأزمة التي أثارها الفيلم الايراني المدبلج «برسيبوليس» والذي أثارت حفيظة المجموعات السلفية خاصّة وبلغ حدّ الدعوة الى هدر دم نبيل القروي مالك قناة نسمة وتقديم شكوى قضائية ضدّه وقد كانت جلسات هذه المحاكمة مسرحا لأحداث عنف متتالية شهدها باب بنات وكان من أبرز ضحاياها بعض الاعلاميين.. كذلك أكّد جوهر بن مبارك مؤسس شبكة دستورنا تعرّضه للتهديد بالعنف والقتل أكثر من مرة. ولعل أكثر دعوة استفزت الرأي العام واعتبرته انتهاكا مباشرا لدولة القانون والمؤسسات هي تلك الدعوة التي عقبت وقفة احتجاجية شهدها شارع الحبيب بورقيبة للمطالبة بجعل الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا ووحيدا للدستور التونسي.. اذ صرّح أحد وعاظ وزارة الشؤون الدينية حبيب بو صرصار على الملإ وفي خضمّ موجة من التكبير يتخللها ترديد «لا اله الاّ الله والسبسي عدو الله»، قائلا «الموت للسبسي.. الموت لعصابة السبسي ولعصابة الحبيب بورقيبة رئيس تونس الراحل الذين يحلمون به الآن..» ورغم تتبّع مطلق هذه الدعوة من قبل الوزير الأول الأسبق الباجي قائد السبسي فانه منذ أيام فوجئنا بتصريح لزهر العكرمي القيادي في حركة «نداء تونس» بأن أجهزة استخباراتية كشفت بما لا يدعو مجالا للشكّ تورّط أحد أعضاء الحكومة في الاعداد لتنفيذ محاولة اغتيال ضدّ قائد السبسي ورغم نفي الحكومة وتلويحها بتتبّع العكرمي قضائيا لترويجه لأخبار كاذبة.. فإن فريق الباجي قائد السبسي بدا مقتنعا بما يقوله ولا يخشى التتبعات العدلية. بالاضافة الى الباجي قائد السبسي فان زعيم الحزب الجمهوري نجيب الشابي كان له بدوره نصيب من فتاوى الدم المهدور حيث هدّد أكثر من مرة وعلى أكثر من منبر بالقتل.. والى جانب دعوات القتل الصريحة هناك دعوات صريحة كذلك للتعنيف صدرت من أعلى مستوى كتطبيق حدّ الحرابة الذي نادى به عضو المجلس التأسيسي الصادق شورو من تحت قبة المجلس التأسيسي ضدّ المعتصمين.. والدعوة مؤخرا إلى ضرب الصحفيين والتي تبناها الحبيب اللوز وذلك لعدم «تفانيهم» في إبراز انجازات الحكومة.
تحذيرات رسمية.. وأسلحة «طليقة»
لم يتوان علي لعريض وزير الداخلية في جلسة مساءلته أمام نواب المجلس التأسيسي عن القول بأنه -وعلى إثر ما وقع أمام سفارة أمريكا- «ما زلنا في ساحة العمليات وفي «المعمعة» وفي إطار احتجاجات مستمرة فيها الكثير من العنف وفيها محاولات حرق وتدمير أو اعتداء بالليل والنهار..» وفي نفس السياق أكّد رؤوف العيادي رئيس كتلة وفاء أن بعض الأطراف تدفع بالبلاد إلى حرب أهلية.. وبعد أحداث سفارة أمريكا صرّح أبو عياض زعيم السلفية الجهادية في تونس أن الجماعات السلفية لا تمارس العنف، وان الحكومة تسوّق هذا العنف لتجاوز مأزق الشرعية في 23 أكتوبر القادم، بل وفي فيديو لاحق حذر القيادي السلفي من هجمات قد تستهدف المدنيين وتلصق تهمة ارتكابها بالسلفيين. ومنذ أحداث بئر علي بن خليفة التي دوّى فيها الرصاص ورفع السلاح في وجه الجيش الوطني باتت هناك خشية عامة من تسرّب السلاح الى البلاد التونسية خاصّة وأن الجبهة الليبية لا تبدو مؤمّنة وهي تشهد ثورة دموية وانفلاتا غير مسبوق للأسلحة، وهذا ما لاحظناه مع أحداث الروحية والهجمات المسلحة على حدودنا.. استعراض كل هذه الأمثلة ليس من باب إثارة الفزع والهلع في النفوس بقدر ما قد يخفي سيناريو يجب الانتباه الجيّد له والحذر منه والتحلي بمزيد الحرص واليقظة، لأن هذه العملية تتحمّلها مختلف الأطراف بما فيها اليسار الذي قد يكون مستهدفا بالعنف لكنه أيضا محرّض عليه، خاصّة لا يجب أن ننسى الناشط النقابي والسياسي عدنان الحاجي الذي دعا ذات يوم الى قتل أبناء النهضة وهو ما أثار استياء كبيرا وشحنا للأجواء.. البلاد لا تحتمل اليوم المزيد من العنف أو تجاهله لأن أيّة خطوة تصعيدية قد تجرّنا الى طريق اللاعودة.
بعد تعرضه للتهديد بالقتل أكثر من مرة شكري بلعيد: «العنف والاغتيالات تسهل قيام الدكتاتورية»
أكثر من مرة اعلن شكري بلعيد أمين عام التيار الوطني الديمقراطي الموحد أنه تلقى تهديدا بالقتل والتصفية الجسدية.. «الصباح الأسبوعي» اتصلت به لمعرفة رأيه حول جدية هذه التهديدات والى أي مدى يمكن ان نأخذها بعين الاعتبار ونتوقى منها، فأكد أن تهديدات جدية خاصة بعد التشجيع على العنف من أرفع مستوى وحتى من رحاب المجلس التأسيسي الذي دعا أحد أعضائه الى تطبيق حدّ الحرابة.. كذلك يضيف إننا اليوم بتنا نخشى مقايضة أمننا بالعنف. في البداية يقول شكري بلعيد: «هذه المسألة وجب أن تؤخذ بالجدية اللازمة لاعتبار أن هناك مؤشرات سيئة تؤكدها، فالعنف الذي استمر أشهرا طويلة دون عقاب أو مساءلة قضائية وبتواطؤ من الحكومة وصمتها وبتحريض واسع النطاق من رموز سياسية لحزب الحكومة، وبخطاب تكفيري اعتمد على دور العبادة بل ومنابر التلفزة.. وحتى المجلس التأسيسي فقد حرّض على العنف..»»
سياسة الأرض المستباحة
والعامل الثاني هو أن حكومة الالتفاف على الثورة والحزب الذي يقودها تنكل وخان تعهداته ورفض الالتزام بجدولة زمنية محددة مما سهل حالة اللااستقرار وتنامي الاحتقان والتوتر بالاضافة الى الاعلان عن رغبة في تحويل المؤقت الى دائم والتمسك المريض بالكرسي وهو ما يدفع لتنامي عزلة هذا الحزب سياسيا وتنامي الرفض الشعبي له ويقابله استعداد غريب لترك الحبل على الغارب وانتشار الفوضى والعنف، ذلك أن العنف لا يخدم الا قوى الثورة المضادة وحكومة الالتفاف على الثورة كما أن خلق حالة من العنف تصل حد التصفية الجسدية والاغتيالات تسهل قيام دكتاتورية وتمنع بناء دولة ديمقراطية. ولعل ما شهدناه أخيرا يؤشر على ذلك كما يمكن التأثير على الاختراقات التي تعيشها الجماعات السلفية وهي اختراقات متعددة لأطراف مخابراتية أجنبية وداخلية كذلك هذه الجماعات مخترقة من طرف أجنحة متشددة في حركة النهضة وهو ما يجعل تفجير الوضع سهلا، ألم يتوعد الصحبي عتيق وعلى الهواء مباشرة بعد أن أرعد وأزبد وقال انهم قادرون على الانتقام وبكل الوسائل. نتساءل ما هي هذه الوسائل إن لم يكن العنف؟».. لكن نحن نعول على رفض ووعي التونسيين والتونسيات للتصدي الى هذه السيناريوهات المرعبة كما أن وعي الاحزاب والنخب بذلك يشكل سدا منيعا امام دعاة الفتنة والقتل والعنف. سألت محدثي في الختام اذا ما كان هناك عمل مخابراتي أجنبي مكثف في بلادنا بعد هجمة السفارة فأكد «أن تونس اصبحت أرضا مستباحة تنشط فيها كل انواع المخابرات نتيجة هشاشة الوضع الأمني وهو ما يسهل عمليات التجنيد والاختراق والعبث باستقرار وأمن تونس وشعبها.. فقوى عديدة لا تريد للمسار الديمقراطي أن ينجح..»