مازالت الأزمة السياسية ترمي بثقلها على كافة أوجه الحياة، ومازالت الحكومة تتخبط في مستنقع سياساتها التي أدت بها إلى هذا الوضع. ففي وقت احتد فيه الصراع حول تشكيل الحكومة الجديدة وتباينت المواقف حول ما إذا ستكون حكومة تكنوقراط أو ستخضع كالعادة إلى محاصصة بين الأحزاب، ظهر الخلاف على أشده وشق أطراف الترويكا من ناحية ثم بدا تأييد المعارضة واضحا لتوجه رئيس الحكومة الذي اقترحه كحل للأزمة الدائرة. هذا الواقع السياسي الذي رمى بثقله على الجميع، مازال يتطور ويحتد ويؤثر على مجريات الأحداث السياسية التي انحسرت لحد الساعة في بوتقة ضيقة جدا قد لا يمكن الخروج منها إلا بتنازلات ضرورية تقوم على مراعاة الصالح العام للبلاد. لكن هذا الجانب يبدو أنه مازال بعيد المنال في ظل تمسك كل طرف سياسي بمواقفه باعتماد حسابات ضيقة بخصوص الفوز بكراس في الحكومة وتأمين موقعه استعدادا للتطورات التي يمكن أن تحصل في قادم المرحلة القريبة القادمة. وجملة التطورات السياسية والأحداث الحاصلة داخل أطراف الحكومة أو في المعارضة باتت تؤسس لواقع جديد قد يتبلور في قادم الأيام، لكن هذا الواقع تربطه كل الأطراف بشروط وتؤكد اليوم على أنها شروط أساسية لا يمكن تجاوز الأوضاع دون اعتمادها كحلول اقتصادية واجتماعية وسياسية تؤمن المرحلة القادمة من واقع المؤقت الذي تعيشه البلاد. وبعيدا عن الصراع السياسي الدائر في العاصمة على وجه الخصوص تبقى الجهات الداخلية بسكانها ومدنها وقراها تراقب الوضع عن بعد، وتنتظر حلحلة الأوضاع السياسية التي بتعقيدها تعطلت كل أوجه الحياة فيها والتي تنتظر حلولا لمشاغلها ومشاكلها التنموية التي تعطل جميعها طوال هذه المدة. والثابت اليوم أن الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد ما عاد يحتملها المواطن العادي، في ظل ما يجري من إهمال كامل للواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي نتج عنه ارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية وتدهور للمقدرة الشرائية، ومزيد لاستفحال البطالة وتعطل التنمية والاستثمار. هذا الواقع الصعب الذي ألم بسكان المدن والأرياف قد يمثل الخطر الحقيقي الداهم الذي تصعب معالجته في قادم الأيام وصار يمثل بالفعل زلزالا لمقومات البلاد على اختلاف مشاربها وهو ما لا نتمنى أن يحصل.