الأصوات المطالبة بكشف الحقيقة كاملة في جريمة اغتيال شكري بلعيد شهيد الكلمة وأحد أبرز الوجوه السياسية المعارضة في البلاد لن تتراجع ولن تخفت قبل كشف الحقيقة كاملة والتي بدونها لا يمكن لازمة الثقة الحاصلة بين الطبقة السياسية الحاكمة والشعب أن تزول، ولا للأزمة السياسية الراهنة أيضا أن تجد طريقها للانفراج قريبا. لقد بدأ وقع الصدمة التي أصابت التونسيين جراء الجريمة النكراء التي استهدفت أحد أبناء تونس الوطنيين تتحول إلى مطالبة صريحة وعاجلة بكشف ملابسات الجريمة التي توشك أن تدفع البلاد الى الهاوية، وهي بالتأكيد مطالب مشروعة ولا مجال لتجاهلها تحت أي ذريعة كانت، وكما أن من حق عائلة الشهيد معرفة الحقيقة كاملة، فإنه من حق كل التونسيين الوقوف أيضا على ملابسات ودوافع الجريمة والمطالبة بمحاسبة كل الاطراف المعنية بالضلوع في التخطيط والتمويل والتنفيذ، وبدون ذلك فلا مجال لمنع تكرار ما حدث. وبالعودة الى جريمة اغتيال شكري بلعيد فقد كان واضحا أن أسلوب منفذي العملية لا يختلف في شيء عن أساليب المافيا والمرتزقة المتاجرين بدم البشر، إذ لم تستمر العملية أكثر من دقائق وكانت على درجة من الدقة في اختيارتوقيتها ومكانها. فقد تم استهداف الضحية بهدف التصفية وليس لمجرد ترهيبه أو الايذاء وهو ما يعني أن الجناة على درجة من التدريب والدراية بتنقلات الرجل ومواعيده... رسالتان أساسيتان رددهما التونسيون علنا دون خوف وهم يشيّعون الفقيد، وأولاهما أن الشعب التونسي أعظم وأكبر من الفخ الذي يراد له السقوط فيه من خلال تلك الجريمة التي زادت التونسيين وحدة وإصرارا على استكمال المرحلة الانتقالية وإحياء أهداف الثورة في الحرية والعدالة والكرامة. وأما الثانية - وهي بالتأكيد الأهم - فهي أن يد الاجرام الغادرة التي كانت تعتقد أن الرصاص الغادر سيزيل الى الأبد شكري بلعيد قد أفاقت على حقيقة أن في تونس آلاف، بل ملايين بلعيد الذين يشتركون معه في حلمه بأن تكون تونس أرضا لكل أبنائها شعارها المواطنة والحرية والكرامة للجميع. صحيح أن ظاهرة الاغتيالات السياسية ليست بالأمر الجديد في عالم السياسة القديم أو الحديث عندما يسود منطق المكائد والدسائس ويتفوق على كل منافسة نزيهة بين المتصارعين على السلطة، بل ان الكثيرين دفعوا حياتهم ثمنا لمبادئهم وقناعاتهم وهو ما يعني أن شكري بلعيد لم يكن أول اغتيال سياسي يحدث ولن يكون حتما الأخير وتاريخ الشعوب يكاد لا يخلو من هذه الظاهرة التي يمكن أن تتحوّل الى داء ينخر المجتمعات اذا كان لها بداية ولم يكن لها نهاية، و لعل الساحة اللبنانية لا تزال شاهدا على ذلك بعد نحو سبع سنوات على اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري... لقد قال التونسيون بصوت واحد لا للارهاب والفتنة وإهدار الدم التونسي وبقي على السلطات الأمنية أن تخرج عن صمتها وتؤكد التزامها ومسؤوليتها بكشف الحقيقة كاملة بعيدا عن كل الابتزازات والمراوغات تجنبا للوصول الى المطالب بفتح تحقيق دولي في جريمة اغتيال شكري بلعيد وهو مطلب قد لا يتأخر طويلا بالنظر الى مختلف الشكوك والغموض الذي لا يزال يحيط باستقلالية القضاء والعدالة الانتقالية.