يبدو أن الاستجابة للأصوات المتعالية التي أطلقها ثلة من أهل الثقافة والفكر والفنون الداعية إلى تكوين جبهة ثقافية ضد العنف والرداءة والظلامية المهددة للواقع التونسي وذلك بتكثيف الأنشطة والأعمال في مختلف الضروب الفنية والثقافية قد وجدت الصدى الطيب والسريع في الأوساط التونسية المعنية. ويمكن أن ندرج العروض المبرمجة للمسرحية الجديدة للطفي عاشور وفريق "حب ستوري" "ماكبث ليلى وبن علي" في هذا السياق. فقد تم ضبط مواعيد لعرض هذا العمل المسرحي المقتبس عن "ماكبث شكسبير" تنطلق يوم 19 فيفري في تونس. وقد تم تغيير الجزء الثاني من عنوان المسرحية من "تاريخ دموي" إلى "الدم يجبد". علما أن هذا العمل المسرحي التونسي الذي أخرجه لطفي عاشور وشارك في انجازه كل من أنيسة داود في تجسيد دور "ليلى" وجوهر الباسطي في وضع الموسيقى والغناء قد نال استحسان النقاد وأهل الميدان على مستوى عالمي بعد المشاركة الناجحة والمتميزة في "أولمبياد الثقافة" في إطار "مهرجان شكسبير" الذي انتظمت دورته الأخيرة خلال شهر جويلية الماضي بلندن مثلما افادت بذلك بطلة المسرحية الممثلة التونسية أنيسة داود. وبيّنت في حديث لنا بالمناسبة أنه بعد أن تقررتأجيل العرض بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد اخترنا التراجع عن ذلك لأن مقاومة الإرهاب والتطرف لا تتم بالتوقف عن الإبداع وإنما تتم بالإصرار على العمل وعلى الفن. مع العلم وأن مسرحية "حب ستوري" حققت نجاحا كبيرا وقام أصحابها بماروطون من العروض داخل تونس تجاوزت السبعين عرضا في كامل جهات الجمهورية إضافة إلى العروض الدولية بعديد البلدان الأوروبية ومجددا وجد الفريق المنجز للمسرحية نفسه في دائرة النشاط والعروض من خلال مسرحيتهم الجديدة. وقالت أنيسة داود أن الحادثة الأليمة التي عاشتها تونس بعد اغتيال الشهيد المناضل شكري بلعيد جعلت الإصرار أكبر على طرح قضية الخيال السياسي في تونس. وأوضحت أن المسرحية مفتوحة لقراءات في سياقات تاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية مختلفة. لأنها ترى أن منظومة الفساد والمحسوبية والديكتاتورية التي انبى عليها نظام المخلوع لم تقطع معها سياسة أول حكومة منتخبة بعد الثورة بل نزّلت عملية اغتيال الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد على أنها تأكيد على سعي هذه الحكومة والتيارات الحزبية التي تتألف منها لتكريس ذلك. وقالت في ذات السياق:" قررنا مواصلة عرض المسرحية لأن اغتيال شكري بلعيد يعني اسكات صوت الحق المطالب بتحقيق أهداف الثورة ومراعاة حق الشعب التونسي بمختلف أطيافه في العيش الكريم بحرية." تغييب المشاكل الحقيقية وتجدر الإشارة إلى مسرحية "ماكبث: ليلى وبن علي.. الدم يجبد" تجمع مشاهدها بين التمثيل والموسيقى والغناء فضلا عن توظيف تقنية الأفلام الوثائقية. وهي تعتمد مقاربة تاريخية في الجمع بين شخصيات متشابهة من حيث الأهداف وطرق الوصول إليها ومختلفة من حيث تموضعهما في التاريخ والحضارة والثقافة وهما شخصيتي "ماكبث" الذي عاش منذ قرون بأوروبا وبن علي الذي عاش في التاريخ المعاصر وما حف بكل منهما من عنف وقمع وقتل من أجل الوصل إلى الحكم فضلا عن الدور الكبير الذي لعبته زوجة كل منهما بكل ما في ذلك من تراجيديا ودراما. ويعتمد العمل المسرحي على أغاني وضع لها الموسيقى وكتب كلماتها جوهر الباسطي ويغنيها على المزج بين "الروك" والإيقاع الصالحي التونسي كل من وليد سلطان ورياض عروس. أو التوظيف الوثائقي فبيّنت أنيسة داود أنه يطرح في العروض الجديدة للمسرحية العائدة إلى الساحة مسألة الخيال السياسي كما تراه شخصيات من رجالات الفكر والسياسة من ممثلين لمختلف التيارات الحزبية والسياسية على غرار أبو يعرب المرزوقي ويوسف الصديق وعبد الجليل التميمي وفتحي بالحاج يحي وغيرهم. وعبرت الممثلة التونسية عن اعتزازها بالدور الذي اضطلعت به في هذه المسرحية على اعتبار أنه فرصة لها كامرأة أن تساهم في طرح القضايا الحارقة في تونس اليوم كبلد عربي مسلم. وتقول في ذات الإطار:" حب الوصول إلى الحكم وحرق الأخضر واليابس من أجل إدراك هذه الغاية حتى وإن تعلق الأمر بقتل كل من يشكل عقبة في الطرق المؤدية إلى ذلك لم تكن في مستوى القصص التاريخية النادرة بل أن شعب تونس من شمالها إلى جنوبها شاهد على حقيقة تمكنه من اللاهثين وراء الكراسي في بلادنا اليوم." واعتبرت عودة فريق المسرحية بقيادة لطفي عاشور إلى النشاط من خلال برمجة عدد من العروض بالمسرح البلدي بالعاصمة أيام 19و20 و21 من الشهر الجاري بمثابة ردة فعل عملية من هذه المجموعة متحدين الصعوبات والظروف غير الملائمة بالمرة لممارسة الفعل الثقافي والمسرحي بصفة خاصة. ليكون العرض الرابع يوم 24 من نفس الشهر بالكاف لتكون العودة إلى عروض متواصلة من غرة مارس القادم إلى غاية 10 منه بالمسرح بالبلدي بالعاصمة. وانتقدت أنيسة داود سياسة سلطة الإشراف التي وصفتها بالمكبلة للفنانين والمبدعين على حد السواء. واستدلت على ذلك قائلة:" يكفي ان أقول أننا مضطرون لدفع معلوم كراء المسرح الوطني من أجل القيام بالتحضيرات في حين أن على الدولة أن توفر البنية التحتية من أجل تمهيد الطريق للفعل الثقافي والإبداع والتشجيع عليه." وضع مشروع ثقافي تونسي من جهة أخرى عبرت أنيسة داود عن اعجابها بالمبادرات الشبابية خاصة التي تحدت الظروف الصعبة والتهميش الذي تعيشها القطاعات الثقافية اليوم وذلك بالقيام بأنشطة مختلفة داخل الجهات والأحياء وغيرها من الفضاءات المتاحة على غرار ما تم في إطار الفن التشكيلي أو بعض مغنيي الراب وغيرهم. كما عبرت عن إصرارها على تحقيق أهدافها في هذا المجال والمتمثلة بالأساس جعل كل التونسيين يستمتعون بثقافتهم مقابل مقاومة كل الثقافات والواردة والغريبة على مجتمعنا. وحملت مسؤولية العمل على التصدي لهذه الظواهر والمبادرات المدمرة للشخصية والخصوصية التونسية إلى أهل الفكر والثقافة والفنون في بلادنا. ودعت الجميع إلى ضرورة ووضع مشروع ثقافي تونسي هادف يعكس مدى انفتاح هذا البلد على الثقافات وحضارات مختلفة وكفيل بالمساهمة في تحقيق التنمية من جهة دون المراهنة على الأشخاص.