سيكون من قبيل ضيق النّظر السياسي حتى لا نقول من الغباء السياسي التعاطي مع جريمة سياسية خطيرة في حجم جريمة اغتيال المناضل شكري بلعيد من منظور حزبي ضيّق كأن تعتبرها بعض "الأطراف" مثلا فرصة ل"الانقضاض" على الخصم السياسي وحشره في الزّاوية شعبيا وحتى لم لا الإطاحة به إن أمكن !!! نقول هذا لا فقط لأن دعوات غريبة ومشبوهة أطلقت ساعات قليلة فقط بعد وقوع الجريمة تطالب باستقالة الحكومة وبحل المجلس الوطني التأسيسي !!! وإنما أيضا لأن بعض ردود الأفعال السياسية على مبادرة السيد حمادي الجبالي بالدعوة إلى تشكيل «حكومة تكنوقراط» غير متحزبة تضطلع بإدارة شؤون البلاد فيما تبقى من عمر المرحلة الانتقالية بدت بدورها وكأنها ذات بعد ايديولوجي مصلحي ضيق حتى لا نقول انتهازي .. دعنا من الخوض في فحوى المبادرة ذاتها وفي مدى «منطقيتها» سياسيا وثوريا فهذا ليس ما نروم تناوله من خلال هذه الورقة.. الذي نريده تحديدا هو الوقوف على بعض أوجه القصور السياسي في مواقف بعض «الأطراف» من هذه المبادرة... ربما بدا للوهلة الأولى أن «موقف» الجبهة الشعبية المعلن يمثل النموذج الأوضح على التعاطي الحزبي المصلحي الضيق مع مبادرة رئيس الحكومة... فالناطق الرسمي باسمها أعلن في ندوة صحفية أن «الجبهة» ترفض مبادرة الجبالي وأنها تقترح بالمقابل عقد مؤتمر انقاذ تنبثق عنه حكومة كفاءات وطنية.. بما يعنيه ذلك من تهميش لحركة النهضة «الحاكمة» وتعسّف على حقيقة وزنها السياسي ومحاولة لسحب البساط من تحت أقدامها... غير أن موقف «الجبهة الشعبية» ربما بدا «معقولا» ومتناسقا مع «ذاته» ومع طبيعة توجّهاتها السياسية والايديولوجية مقارنة مع موقف المركزية النقابية مثلا من نفس المبادرة.. فأن يعلن الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان مشترك مع كل من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين «مساندته المبدئيةّ «لفكرة حكومة «التكنوقراط» التي يقترحها السيد حمادي الجبالي ثم يجعل هذه «المساندة» مشروطة بحل رابطات حماية الثورة وحل ما أسماه «الميليشيات المسلحة» وتحييد الإدارة والتراجع عن التعيينات الحزبية التي تمت في الأشهر الأخيرة.. فهذا قد يكون يحيل على تفكير ضيّق ورغبة في «انتهاز» «الفرصة» لتصفية بعض الحسابات «القديمة». لا نريد أن نتحامل على طرف بعينه ولا أن تنتصر لمبادرة بعينها ولكننا نقول أن فكرة حكومة «التكنوقراط» التي طرحها رئيس الحكومة السيد الجبالي غداة اغتيال المناضل شكري بلعيد تبدو صالحة على الأقل للحد من التداعيات السلبية لهذه الجريمة السياسية البشعة ولوقف مسار التدهور الأمني والسياسي الخطير الذي دخلته البلاد بفعلها... لذلك وجب التعاطي معها من منظور المصلحة الوطنية قبل أي مصلحة أخرى.