مثلت أهداف ومبادئ وأنماط تسجيل الناخبين إلى جانب معايير الأهلية من التضمين إلى النزاهة، إضافة إلى ضمان الاستمرارية والتكلفة المعقولة للتسجيل الناجح ومن ثمة التساؤل عن المسؤولية المشتركة بين الهيئات الانتخابية والجهات الحكومية في هذه المرحلة "العمود" في العملية الانتخابية اضافة الى الخيارات التكنولوجية لتحقيق ذلك، أهم محاور المؤتمر شبه الإقليمي الرفيع المستوى الذي افتتحت أشغاله أمس - وتتواصل اليوم - حول موضوع " تسجيل الناخبين: منظور دولي مقارن لمصر وليبيا وتونس" نظمه برنامج الاممالمتحدة الإنمائي بالتعاون مع المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية. من المسائل البديهية والمعلومة أن كل من تونس، مصر وليبيا تواجه أولويات مشتركة وتحديات كبرى بخصوص اعتماد نموذج لتسجيل الناخبين يرتكز على مقاربة طويلة المدى تضمن استدامة السجلات فيما بعد الانتخابات القادمة، غير ان تفعيل هذه المسألة وفق مقاربات ومعايير دولية يبقى ضمن التحديات المطروحة على هذه الدول الثلاث للاستعداد إلى الانتخابات المقبلة تضمن من خلالها نتائج ذات مصداقية وشفافية وحيادية أكبر تتجاوز أخطاء الماضي وتسد الثغرات التي سجلها مراقبون وملاحظون على مستوى محلي ودولي. التحلي بالمسؤولية اعتبر عبد الرزاق الكيلاني الوزير المكلف بالعلاقة مع المجلس الوطني التأسيسي أن الوقوف عند هذه السلبيات من أهم تحديات المرحلة الانتقالية في تونس بالرغم من النجاح الذي حققته انتخابات 23 أكتوبر 2011، غير ان الانتخابات المقبلة تعد لحظة مفصلية فارقة مليئة بالتحديات تستوجب التفكير الجدي في أعداد مشروع القانون الانتخابي الذي يستدعي بدوره المعرفة والخبرة والأرضية السياسية المناسبة التي يمكن بموجبها تشكيل نهج جديد في صياغة القوانين يستند الى الفعل التشاركي الضامن للوفاق الوطني وبالتالي " لابد للطبقة السياسية ان تتحلى بالمسؤولية اللازمة ووضع روزنامة انتخابية وخارطة عمل واضحة". واضاف لدى افتتاحه للمؤتمر الإقليمي أن " النية متوجهة نحو تكوين فريق عمل لإعداد مشروع قانون انتخابي وتنظيم استشارة وطنية واسعة لمناقشته قبل عرضه على المجلس الوطني التأسيسي" وما يجب ان لا يغيب عن الأذهان في وضع القانون الانتخابي الجديد هو جملة الاشكاليات التي تعرضت إليها الهيئة الوطنية للانتخابات خاصة في ما يتعلق بعملية تسجيل الناخبين. فالوقوف عند هذه الاشكاليات والثغرات تمحورت حولها أشغال اليوم الاول لهذا المؤتمر الشبه إقليمي الغاية منه على حد قول السيد محمد بلحسين - منسق الاممالمتحدة والممثل المقيم لبرنامج الاممالمتحدة الانمائي في تونس - تقديم مقاربة دولية حول تسجيل الناخبين والذي يمثل تحديا كبيرا بالنسبة للسلط التشريعية بالبدء بعمليات التسجيل وإعداد القائمات الانتخابية وفق المعايير الدولية باعتبارها من العناصر الأساسية في إنجاح العملية الانتخابية بصفة خاصة ومسار الانتقال الديمقراطي بصفة عامة. هذا الإعداد للقائمات ولتسجيل الناخبين يستند الى تحديد الأهداف من هذه الخطوة وأنماطها ووظيفتها الأساسية وهو ما قدمه كارلوس فلنزويلا المستشار الفني الأول لبرنامج الاممالمتحدة للدعم الانتخابي في تونس ومصر وليبيا حيث اكد ان الوظيفة الأساسية من " سجل الناخبين هو التحقق من أهلية الاقتراع قبل يوم الانتخابات بما يسمح بإدخال التعديلات وإجراء التصويب، أما الوظيفة الأساسية فمرتبطة بكون سجل الناخبين يعد أداة رئيسية في التخطيط من طرف الإدارة الانتخابية التي ستتمكن من توزيع الناخبين عبر مراكز الاقتراع ومعرفة أعدادهم وبالتالي ضمان التوزيع الرشيد للموارد المادية والبشرية" حلول أكثر ديمومة أما الوظيفة الثالثة التي ذكرها كارلوس فلنزويلا هو تفادي الاقتراع المتكرر وبالتالي زيادة مصداقية الانتخابات ذلك ان سجل الناخبين سيمثل الرابط بين الناخب ودائرته الانتخابية وبين الناخبين وممثليهم المنتخبين. كما ان التركيز الواعي بأهمية أحكام أعداد سجل الناخبين سيرفع من الوعي والاهتمام بالانتخابات كما سيمكن من الإعداد المسبق لموظفي الهيئة الانتخابية وإتاحة المجال أمام معالجة أية إشكالات بشكل مسبق. ومن أجل المضي قدما وبناء على التجارب الانتخابية الفارطة ببلدان الربيع العربي تونس، مصر وليبيا فانه من الضروري وعلى حد قول كارلوس فلنزويلا وضع القضايا العاجلة على طاولة الحوار من أجل المعالجة من ذلك توضيح مسؤوليات كافة المؤسسات وأدوارها واختيار الحلول الأكثر ديمومة للانتخابات المقبلة الى جانب ضمان الاستمرارية من خلال رقمنة السجلات الانتخابية وتأمين العلاقة مع قواعد البيانات الأخرى والاعتماد على خيارات واضحة متعلقة بالمنظومات الإعلامية التي يقع اللجوء إليها وتطوير مصادر المعلومات بالتحيين والتحديث وحذف المعلومات المتقادمة. كل هذه الآليات وغيرها من شأنها أن تضمن مصداقية الانتخابات وشفافيتها بالاستناد الى عامل الشمولية والدقة وهو ما أكد عليه بيل سويني رئيس ومدير المنظمة الدولية للنظم الانتخابية الذي اعتبر ان تسجيل الناخبين يعد من العناصر الأساسية في مسار الانتقال الديمقراطي. فنجاح العملية الانتخابية، يبدأ من أعداد القائمات التي يجب ان تكون بصفة دقيقة وحديثة وشاملة حتى تمر الانتخابات بطريقة سليمة ويمارس كل مواطن حقه في الاقتراع، وخلاف كل ذلك ستكون النتائج مشكوكا فيها وتخلق طوابير الانتظار يوم الاقتراع وهو ما سينتج عنه بالضرورة المخالفات والخلافات. التعبئة والتشجيع لكن هل يمكن اعتبار المسائل التقنية البحتة من اهم العناصر والأساسيات لإنجاح عملية تسجيل الناخبين، الا يمكن ايضا اعتبار إعادة النظر ومحاولة معالجة ظاهرة الإقصاء والتهميش من الآليات الأساسية في التأسيس لسجلات انتخابية أكثر نجاعة؟ هذه الاشكاليات وقع طرحها امس خلال الجلسة الثانية حول " معايير الأهلية من التضمين الى النزاهة" ومن ضمنها " التعامل مع الإقصاء في بلدان الانتقال الديمقراطي" و" التضمين من منظور النوع الاجتماعي" حيث أكد رفائيل لوبيز بينتور - دكتور في القانون والعلوم السياسية ومستشار دولي - على " ضرورة معالجة قضية الإقصاء والتفكير في الأشخاص الذين يشكون الهشاشة وقد يبلغ عددهم 50 بالمائة ومن بينهم الفقراء والنساء ومتساكني المناطق الداخلية الى جانب الشباب من الطبقة الوسطى والفقيرة" وهذا يستوجب التفكير في طرق التسجيل هل سيكون تسجيلا آليا أم تسجيلا دوريا وفي كلتا الحالتين يجب وضع مسألة الإقصاء صوب العينين لضمان انتخابات شفافة ودقيقة. وهذا يتطلب- على حد قول بينتور- في خطة العمل التي ستوضع والتي تأخذ في الحسبان استقطاب هؤلاء الأشخاص للاقدام على التسجيل وهذا يستدعي التجنيد والتشجيع والتعبئة دون ان " ننسى الأشخاص ذوي الحاجيات الخصوصية". وهنا طرح اشكالية حول مبدأ الشمولية من منظور النوع الاجتماعي - ما يعبر عنه بالجندرة- فسجل الناخبين - كما بينت ذلك رباب بادو، مستشارة في المشاركة السياسية للمرأة وفريق دعم المسار الانتخابي لبرنامج الاممالمتحدة الإنمائي بتونس - " يجب ان يشمل جميع الأشخاص المؤهلين من جميع الفئات وهي الشباب والنساء والفئات المحرومة والمعوقين والبدو بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الطبقة أو المنطقة التي ينتمون إليها". المرأة والجندرة في كثير من البلدان " يكون التغلب على العقبات الحائلة دون تسجيل الناخبين أكثر صعوبة على المرأة أكثر منه على الرجل" وذلك لأسباب عدة على حد قول المستشارة بلدو متمثلة في " المستوى التعليمي ومحدودية الوصول الى الموارد وصعوبة السفر والحصول على المعلومة الى جانب ان فرصة الحصول على الوثائق المطلوبة أقل" غير انه من اجل " ضمان شمولية سجل الناخبين على السلطات المسؤولة عن السجل أن تكون أكثر استباقا في تصميم الغاية بحيث يسهل إشراك المرأة وذلك بتوفير المعلومات المناسبة ومراكز آمنة يسهل الوصول إليها" أي الحد " من العقبات التي تحول دون مشاركة المرأة في عمليات التثبت مثل تعليق القائمات وما يعترضه من تحديات الى جانب تمكين الناخبة من المعلومات التي تخص عملية التسجيل وتوضيح الإجراءات وتقديم المعلومات في شكل رسالات واضحة وسهلة الفهم وإشراك مجموعات المجتمع المدني في حملات التثقيف الانتخابي والتعبئة" الجدير بالذكر ان أشغال المؤتمر متواصلة الى اليوم حيث سيقع التطرق الى " ضمان الشمولية: تحدي تسجيل الناخبين للمقترعين خارج البلاد" من خلال طرح الاشكاليات والحلول الى جانب " التفكير في الحلول التكنولوجية لتسجيل الناخبين : الدروس المستفادة" بحضور خبراء دوليين من تونس ومصر وليبيا والمكسيك وإسبانيا وغيرهم من مكونات المجتمع المدني وممثلين برلمانيين.