الساعات القليلة المقبلة ستكون حاسمة بلا شك بالنسبة لمستقبل البلاد التي تشهد أصعب أزمة سياسية منذ الثورة التي أطاحت بحكم المخلوع بن علي، حيث من المتوقع أن يعلن رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي قراره النهائي فيما يتعلق بمسعاه لتشكيل حكومة جديدة بتركيبة تقطع مع أسلوب المحاصصة الحزبية الذي اعتمد حتى الآن والذي أثبت فشله في معالجة الأوضاع السيئة - الموروثة بلا شك من النظام البائد - وفي تلبية متطلبات التحول الديموقراطي الذي يطمح إليه كل التونسيين. هذا القرار الذي نتطلع إليه جميعا سوف ينحصر في أحد أمرين لا ثالث لهما طبقا لما تعهد به رئيس الحكومة: فإما إعلان تشكيلة حكومية نابعة من توافق توصل إليه في أعقاب مشاوراته مع عدد من الأحزاب الوطنية بما فيها المنتمية إلى المعارضة، وإما إعلان الفشل في تحقيق إجماع حول مبادرته وبالتالي تقديم استقالته لرئيس الجمهورية المنصف المرزوقي. وفي كلتا الحالتين سوف لن تعود الأمور كما كانت عليه إلى حد الآن وستكون تونس قد دخلت مرحلة جديدة مختلفة عما شهدناه... مرحلة مفتوحة لسيناريوهات مختلفة طبقا لما سينجم عن إعلان السيد الجبالي اليوم من ردود أفعال وبخاصة من جانب حزبه "حركة النهضة" الذي يبدو أنه مازال لم يقتنع بارتكابه أخطاء خلال فترة إدارته للسلطة وإلى حد الآن وضرورة استخلاص العبرة منها ويصر على أحقيته بالاستمرار في المسك بدواليب الدولة المختلفة باعتباره الحزب المنتخب بأغلبية كبيرة من الأصوات خلال انتخابات حرة ونزيهة، حتى انتهاء الفترة الانتقالية بمعزل عن الحصيلة السلبية لهذا الحكم في أغلب المجالات، وعلى الرغم من أن الانتقادات لأدائه لم تعد منحصرة في قيادات الأحزاب المعارضة له بل اتسعت لتشمل حتى بعض قياداته التاريخية وآخرها الشيخ عبد الفتاح مورو نائب زعيم "النهضة" بالذات. لهذا الحزب وشركائه في السلطة نقول أن الاعتراف بالخطإ فضيلة وأن المصلحة العليا للوطن هي التي ينبغي أن تقود خطواتنا وقراراتنا سواء كنا أفرادا أم أحزابا سياسية وهو الأمر الذي كان - كما يبدو - المحرك الرئيس لمبادرة رئيس الحكومة - وهو الأمين العام أيضا لحركة النهضة - الأخيرة بعدما توصل إلى قناعة بأن استمرار الأوضاع على ماهي عليه من تجاذبات وانفلات سياسي وأمني واقتصادي واجتماعي قد بات يشكل خطرا أكيدا على مستقبل السلم والأمن والتعايش في هذه البلاد. فاليوم غالبية كبيرة من التونسيين، إن لم يكن معظمهم، يتطلعون لمرحلة جديدة يكون شعارها محاولة إصلاح ما أفسدته السياسة السابقة التي فشلت في التعاطي مع المشكلات والقضايا الكبرى التي شكلت عنوان ثورة 14 جانفي 2011 نتيجة التركيز المفرط على حسابات المصالح الحزبية الضيقة والخلافات الهامشية، مرحلة يكون التوافق فيها سيد الموقف من أجل استكمال الفترة الانتقالية بأخف الأضرار ودون هزات كبرى. ولا بد من التنبيه إلى أن ركوب موجة التصلب ورفض الانصياع للواقع والاستماع إلى نبض الشارع من شأنه أن يدفع بالبلاد والعباد نحو مجهول قد لا تحمد عقباه، وهو ما لا يتمناه عاقل ووطني غيور ولا يرضاه.