- تتالي الأحداث السياسية والاجتماعية في بلادنا هذه الأيام وهذا التتالي في الزمن الكرونولوجي لتشابك القضايا والمسائل حيث يجد المتأمل لذلك صعوبات عديدة في تفكيك هذا الواقع في بلادنا نظرا لترابط العديد من المجريات ولكن ليكون المتابع أكثر واقعية واتزانا دون طوباوية ومثالية ومصارحة لمختلف الأطراف والمجتمع ككل، فمن الضروري أن نبين جملة من المعوقات التي تقف عائلا أمام البناء السليم للمجتمع والبلاد ككل وإذا كان الفضاء لا يسمح بذكر جميع المعوقات فإننا سنحاول أن نبين البعض من ذلك. أول هذه المعوقات هو الوضع السياسي المتوتر بين مختلف الأطياف والقوى السياسية من حيث الرؤية والتصور لهذه المرحلة ودرجة التطاحن وتبادل التهم والسب والشتم والمناورات وما من متابع لوسائل الاعلام المختلفة ليلاحظ ذلك، دون أن نتجاهل ما يوجد في الأحزاب داخل الهياكل المؤسساتية (المجلس الوطني التأسيسي على سبيل المثال) من مظاهر التوتر لذلك وهي أمور غير طبيعية من المفروض في بلد مليء بالأحزاب والمنظمات والمجتمع المدني والنخب والحوارات والندوات التي تكاد تكون يومية والمكاسب المختلفة التي حصلت عليها بعض القوى الاجتماعية والسياسية من خلال الأموال الطائلة التي صرفت عليهم من المجموعة الوطنية وعلى حسابها وعلى قوى اجتماعية وسياسية أخرى في ظل حراك اجتماعي قواعد اللعبة فيه غير واضحة ولا تأخذ فيها مبدأ تكافؤ الفرص إضافة إلى مراهنة الدولة التونسية منذ القدم على التعليم والثقافة. المعوق الثاني البارز هو منظومة القيم السائدة في المجتمع وهي قيم قائمة على ممارسات هدامة للبناء الفعلي والتأسيسي(1) مثل "ما نخيبش نفسي" و"أخطى رأسي وأضرب" و"إن شاء الله ترداس" و"خلي بلاه يأتي على غير يدي" وهي عبارات موجودة في المنطوق اليومي التونسي وانعكست على الواقع بمختلف مستوياته مما أفرز ظواهر سوسيولوجية مثل"الانفلات والتسيب وعدم تحمل المسؤولية والتطاول والتمرد"... هذه العقلية والثقافة والممارسة تمثل عائقا ابستيمولوجيا حسب استعمال قاستون باشلار تعرقل عملية البناء الاجتماعي الشامل وعلى قواعد جديدة. في النهاية وجب على مختلف الأطراف في المجتمع أن تدرك أن بلادنا تحتاج إلى عقليات وممارسات وهي لا تتطلب وقتا كما يوهمنا البعض بل إصرار وعزيمة كما أن الاعتقاد بأن على سبيل المثال في نبذ العنف والحوار والتوافق الذي لم نسمع به في أعرق الديمقراطية... إلا في سياق الخطاب هي التي ستغير بلادنا نحو الدول المتقدمة فهذا وهم لفظي وعملي مندرجة في الدعاية رغم حسن النوايا. إن ما وجب التفكير فيه فعلا هو ماذا نريد بالتحديد من تونس هذا البلد الذي يحتضن الجميع على اختلاف مشاربهم هل نريد الديمقراطية المرتبطة بالمتابعة والمراقبة والمحاسبة؟ هل نريد الإصلاح؟ هل نريد تنمية وتشغيلا واستثمارا؟... هل جميع الأطراف جدية في هذه المطالب وفيما بعد تأتي الأولويات لنتفاءل في ما بعد بتحسين واقع بلادنا. ....................... 1- لمزيد التعمق في ذلك أسعفتنا صحيفة "الصباح" المؤقرة في تناول بعض القضايا من خلال المقالات التالية: - الوشاية في مؤسسات العمل، الأربعاء 15/06/2011 ص 19. - معوقات نشر مؤسسة تربوية ديمقراطية متحررة في بلادنا، الجمعة 01/07/ 2011 ص 23 - التملق الاجتماعي واقع وجب الحد منه حتى لا يلحق غبنا بالآخرين، الجمعة 05/08/ 2011 ص 21 - العدالة الاجتماعية، السبت 08/27/ 2011 ص 7 - الانتهازية: معوق راديكالي لبناء اجتماعي سليم ومتوازن، الخميس 29/09/ 2011 ص 10. - حرية الرأي والتعبير: تعريفها، بدايتها، شروط تحققها، الأحد 10/16/ 2011 ص 18(الجزء 1) - حرية الرأي والتعبير: تعريفها، بدايتها، شروط تحققها، الثلاثاء10/18/ 2011 ص 18(الجزء 2) - مبررات ظاهرة غض الطرف داخل المجتمع التونسي، الخميس 11/17/ 2011 ص 18. - مظاهر من سلوكات اجتماعية لافتة للانتباه داخل المجتمع التونسي، الأحد 03/04/ 2012 ص 9. - الخوف من اتخاذ القرارات في الإدارة، السبت 14/12/2012 ص 8. - شروط تحقق الحلول في المؤسسات والمجتمع، الخميس 05/24/ 2012 ص 18. - ما عندك ما تعمل؟ السبت 12/01/ 2013 ص 10. * باحث في علم الاجتماع