قد يفاجأ من يرتاد بعض المقاهي الشّعبية بالمدينة العتيقة ببنزرت بطاولة منزوية يجلس حولها حريف وهو منهمك في الرسوم على ورقة مقوّاة متوسّطة الحجم أو كبيرة قد وضعها على الطّاولة وهو يوزّع نظره بشكل متكرّر وسريع بين صورة صغيرة يمسكها بيده اليسرى لأحد الأشخاص واللّوحة التّي أمامه يرسم عليها نظيرا مكبّرا لتلك الصّورة، لقد كان كل تركيزه على رسم بورتريه لسيّدة شابّة قال إنّ زوجها يريد أن يهديه لها في عيد ميلادها. المصور عادل قليل الكلام؛ شديد التّركيز على نقل ملامح الصورة الصّغيرة على لوحته. وعندما تكلم قال: إنّ هذا الفنّ تعلّمه بطريقة عصاميّة منذ صغره واقتصر عليه دون غيره من أنواع الرّسم المعروفة؛ وأوضح لنا ان طريقة رسم البروتريه تعتمد على الوفاء للصّورة الأصل قدر الإمكان لأنّ غاية الحريف هي أن يكون رسم البورتريه وفيّا للواقع والحقيقة على مستوى الوجه والملامح العامّة المحيطة به دون أن يمنع ذلك من إضافة بعض"الرّتوش" الكفيلة بإيضاح بعض الجوانب أو إبراز بعض الجزئيّات. وقال إنّ هذا الرّسم يعتمد أساسا على الأقلام بمختلف ألوانها ولذلك فإنّ الصّندوق الذّي يحمله معه يعجّ بالأقلام بمختلف أشكالها وكذلك بأكثر من ممحاة وأكثر من مبراة لأنّ القلم يجب أن يكون في حال جيّدة من النّحافة ليكون دقيقا في رسمه للملامح. وحول مدى إقبال النّاس على هذا الرّسم بيّن أنّ الطّلبات تأتيه دائما وخاصّة من العاصمة مبرزا أنّ أكثر الطّلبات تكون لأشخاص لا يملك أفراد عائلاتهم صورا حديثة لهم أو فارقوا الحياة حديثا أو منذ سنوات كثيرة. وفي سؤالنا له عن اختياره للمقاهي لممارسة هذا الصّنف من الرّسم قال إنّ ذلك لا يشعره بالملل ويجعل ما يرسمه جزءا من الحقيقة والواقع المحيط به ولعلّ لهذا الاختيار في رأينا علاقة بالبعد المادّي لعمل عادل باعتبار أنّ بعض الطّلبات قد تأتيه من المرتادين لهذه المقاهي عندما يكتشفون رسمه "للبورتريهات" لأنّ هذا الرّسّام يعتبر فنّه كسب للقوت قبل كلّ شيء؛ فهو ليس له اي مورد للرزق غيره ولذلك فإنّ رسّام البورتريه (عادل) يعتبر أسعاره عادلة ومقبولة:عشرون دينارا للصورة بدون ألوان وثلاثون للصّورة التّي يريدها الحريف بالألوان. ورغم القيمة الفنّية للعمل الذّي يقوم به هذا الرّسّام فإنّ مسحة واضحة من الإحساس بالتّجاهل وقلّة التّقدير لفنّه تتجلّى لنا خاصّة عند ردّه على ملاحظتنا بمحاولة الحديث عنه في الصّحافة بقوله: وهل سيغيّر ذلك شيئا؟..