قد لا يعير المارّ من نهج الزنايدية بالمدينة العتيقة ببنزرت أهمية كبرى للدّكاكين المفتوحة على جانب هذا النهج الذي كان في ما مضى سوقا لبيع البنادق وإصلاحها ومن بين هذه الدّكاكين ثلاثة منها غطيت حيطانها بلوحات زيتية ورسوم وأطر من الخشب إنّها دكاكين أصحابها فنّانون وتحديدا رسّامون جعلوا الرّسم حرفة ومورد رزق وهم يقدّمون خدماتهم للحرفاء في كلّ ما له علاقة بالرّسم للصّور الشّخصية وللوحات الزيتية التي هي من إبداعهم أو من إبداع غيرهم من الرّسامين المعروفين في الجهة وفي كامل البلاد. ويحدّثنا السيّد حمّادي وهو أحد المنتصبين في نهج الفنون فيلحّ على تكوينه العصامي وارتياده لمعارض أشهر الرسّامين في قاعة الأخبار في تونس مثل علي عيسى وزبير التركي وغيرهما وذلك منذ أن كان في سنّ الثانية عشرة عندما اختار أن يسلك طريق هواية الرّسم رغم نصائح أبيه بالعمل معه في دكّان بيع الأكلات الخفيفة لأنّه يحقق له كسب الرّزق على عكس الرّسم ويسرّ لنا السيّد حمادي أنّ الرّسم أصبح عنده مهنة يتكسّب منها ليوفر حاجات أسرته ولذلك فهو لاتهمّه الشّهرة ولا المعارض ولا يبالي بخط إمضائه على رسومه التي يرسمها حسب الطلب مقابل سعر مناسب كثيرا ما استهجنه زملاؤه من الرسّامين المشهورين الذين يبيعون لوحاتهم بالملايين وهو لا يخفي ما يمرّ به أحيانا من صعوبات في ترويج رسومه رغم أنّ طلب رسم البورتريهات مازال يلقى إقبالا من الحرفاء ورغم أنّ بعض الأجانب من السوّاح يتعجّلون اقتناء رسومه ويلحّون عليه في إمضاء توقيعه عليها ويقدّمون له مقابلا ماليّا أكثر ممّا طلب ويعترف هؤلاء الرّسامون في نهج الزنايدية ببنزرت بأنّ البحث عن كسب القوت وترويج الإنتاج ولد بينهم لحمة وتعاونا وهكذا يعيش الرسّامون في مراسمهم في نهج الزنايدية ببنزرت.. معادلة صعبة هي الوفاء لفنهم وهوايتهم من جهة وضمان لقمة العيش من جهة أخرى.