رغم أن طرح مسرحية "باي باي جيلو" لمسرح الحارة القائم في بيت جالا (فلسطين) لا يحيلنا مباشرة إلى الحالة الفلسطينية بما تحمله من هموم الوطن الضائع إلا أن طرحه لقضايا إنسانية تعيده غصبا وضرورة لواقعه الفلسطيني.. فمن أقدر من الفلسطيني المهجر في وطنه أو خارجه على محاكاة ألام "جيلو" الشاب المغربي المهاجر غير الشرعي في بلد أوروبي يرى العرب بشرا من درجة ثانية.. من هنا انطلقت حكاية "باي باي جيلو" الفلسطينية المغربية في عرضها الأول بفضاء التياترو ليلة أول أمس ضمن تظاهرة النص المسرحي العربي المعاصر بفضاء الثنائي توفيق الجبالي وزينب فرحات. مضمون "باي باي جيلو" للكاتب المغربي عدنان طه اختصر معاناة المهاجرين غير الشرعيين في حكاية قليلة الأحداث عميقة القراءات عن شاب عربي تقاذفته أمواج الحياة بحثا عن معنى لوجود لم يحظ به في وطنه الأم وتوهمه في أرض الغربة(بلجيكا).. فالجيلالي فقد هويته بعد هجرته وحاول إيجاد هوية جديدة تبعده عن أصوله العربية حتى يحظى بقبول الغرب وثقتهم وفي هذا السياق يتوجه بطل العمل للغرب بنفس كوميدي ساخر بكلمات تقول:"أَلَمْ يتكبّد أسلافُكم مشقة القدوم لاستعمارنا؟ أسلافي لفرط غبائهم طردوهم.. كان مجرَّد سوءِ فهمٍ تاريخي.. وهاأنذا جئتُ معتذرًا.. جئتُكم صاغرًا من تلقاء ذُلّي، فاستعمِروني. أنا راضٍ بذلك. أدمجوني فيكم. غيِّروا اسمي. لم يُعْجِبْكُم جيلو، خلّوه جاك أو جيلبير أو جان ماري. يا سيدي سمّوني ماري لا مشكل لديّ. فقط حوّلوني إلى بطاقةِ هويةٍ تنعم بالضوء عوض هذه العتمة.." هذه الموندراما، التي حولها المخرج الفلسطيني بشار مرقص إلى عمل مسرحي يجمع ثلاثة ممثلين هم عطا ناصر وعيد عزيز ونقولا زرينة لم تفقد طابعها المونولوجي وأدت الشخصيات الثلاث الدور ذاته لكن في أوجه مختلفة تلتقي أحيانا وتتصارع في أحيان أخرى لتقدم ذات واحدة تعاني وتحلم فتعبر من جهة عن كرهها لوضعها ومحاولتها تغيير هذا الواقع فيما تحن من جهة أخرى لأرضها الأولى مبررة أسباب محاولاتها تغيير جلدها من خلال توهمها لعشق فتاة أوروبية ويقول أحد أبطال العمل في وصفه لحبيبته:" اليزبيت.. حقيقتي المخجلة. الحقيقة التي يعرفها الجميع إلاّي.. والمشكلة أنني أحببتُها. بل ولأنّي أحببتُها لم أعد أرى شمس الحقيقة الساطعة. الحبُّ والحقيقةُ أمران متناقضان تمامًا. من أجل الحبّ، تلزمُك جرعةٌ كبيرةٌ من الوهم. يبدو أنني أعيش هذا الوهم وأستطيبُ مرارته." ورغم أداء الثلاث ممثلين لشخصية واحدة إلا أن كل منهم قدم أداء مختلفا يجعل من المتفرج لا يمل متابعة هذا العمل بل بالعكس يغوص أكثر مع بطل العرض وهو يشاهده في أكثر من وجه وحالة أمّا صاحب سينوغرافيا "باي باي جيلو" رامي عارضة الذي حاول عكس العالم المتحول والوجود المتقلب للبطل من خلال استخدام ديكور ضخم من حيث الشكل والعدد ملأ الركح وافتقد لعنصر الإبهار والجمالية الهادئة لتدعم الإضاءة المعتمدة طرحه السينوغرافي المقتحم والمعبر عن تقلبات الحياة مع "جيلو" ولئن لم تستسغ بعض الجماهير هذه الرؤية إلا أنها حققت التفرد بخياراتها وبحثها عن فعل التجديد في المسرح وهي صفة ليست بغريبة عن خصوصيات مسرح الحارة الفلسطيني. تجدر الإشارة إلى أن موندراما "باي باي جيلو" لعدنان طه الكاتب المغربي المقيم بروكسال توجت بجائزة المسابقة الدولية لنصوص المونودراما بالفجيرة بالإمارات العربية.