فرنسا: اعتقال رجل طعن معلماً وتلميذاً في مدرسة أنتيب...علاش؟    توخّر في فطور الصباح؟ دراسة جديدة تحذّر كبار السن من العواقب الصحية    رئيسة الحكومة تصل إلى مطار القاهرة الدولي    الشبيبة القيروانية: اتفاق مبدئي مع ريان الحمروني لتعزيز صفوف الفريق في شكل اعارة    من الخميس للأحد: جدول كامل للمباريات والفرق اللي باش تتواجه مع الأربعة متع العشية    عاجل: دعوة لتفعيل خطايا بأكثر من 40 دينار للمخالفين لقانون السرعة قدّام المدارس    جلسة عمل في وزارة الصحة حول المخبر الوطني للجينوم البشري    عاجل/ وفاة عامل بناء في حادث مأساوي    المركز الوطني لفن العرائس يستقبل تلاميذ المدارس الخاصة والعمومية في اطار "مدارس وعرائس"    ترتيب الفيفا: المنتخب الوطني يرتقي في التصنيف العالمي الجديد    بطولة كرة اليد: تعديل في برنامج الجولة الخامسة لبطولة كرة اليد    صفاقس: مسيرة سلمية لمختلف أسلاك التربية للدفاع عن الحق النقابي    عاجل/ تقلبات جوية والحماية المدنية تحذّر المتساكنين بهذه الولاية..    صفاقس: إمكانية حصول إضطراب على مواعيد سفرات اللود بين صفاقس وقرقنة    بعد الظهر اليوم: أمطار غزيرة قي المناطق هذه ورياح شديدة تتجاوز 80 كلم/س    أزمة بيئية خطيرة: ماذا يحدث في المنطقة الصناعية بغنّوش؟    مدينة دوز تحتضن الدورة ال57 للمهرجان الدولي للصحراء من 25 الى 28 ديسمبر المقبل    بورصة تونس تتوج بجائزة افضل بورصة افريقية في نشر الثقافة المالية    اليوم: مسافرين لفرنسا حضروا رواحكم... اضطرابات في الرحلات    هدفنا العودة الى مصاف النخبة رغم قلة التحضيرات ونقص الموارد المالية (الناطق الرسمي لاتحاد تطاوين)    إنتقالات: النجم الساحلي يتعاقد مع مدافع دولي كيني    تصفيات مونديال 2026 : منتخب مصر يتعادل سلبيا مع بوركينا فاسو    مبابي يتألق في انتصار فرنسا على أيسلندا بتصفيات كأس العالم    "لنغلق كل شيء".. ايقافات واستنفار أمني في فرنسا    عاجل/ خبير أمني يفجرها ويكشف طريقة استهداف سفينتي أسطول الصمود..    الزهروني : محاصرة مجرم خطير محل 33 منشور تفتيش ومحكوم ب60 سنة سجنا    الديوان التونسي للتجارة يُوفّر كميّات من مادة القهوة الخضراء    قرار وزاري: منع صنع أو توريد أو خزن أو ترويج منتجات فرد الشعر تحتوي على هذه المادة    إصدار قرار بالرائد الرسمي يمنع صنع أو توريد أو خزن أو ترويج منتجات فرد الشعر المحتوية على حامض الج&65276;يوكسيليك    رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان يصل إلى الدوحة    بداية من اليوم: إعادة استغلال خط المترو رقم 3    بشرى سارة للتونسيين: انخفاض الحرارة يفرّح سكان المرتفعات والشمال    عاجل: اليقظة الصفراء في كل الولايات باستثناء ولاية القصرين    الزهروني: شاب يفقد عينه في معركة بين مجموعة شبان    عاجل/ أول تصريح لوزير الدفاع الاسرائيلي على هجوم الدوحة.. وهذه شروط إنهاء حرب غزة..    تونس تدين الاعتداء الغادر على قطر    وزير الخارجية الإيراني في زيارة عمل إلى تونس    وصفوه ب"هتلر عصرنا".. مؤيدون لفلسطين يقاطعون عشاء ترمب في واشنطن    بعد اندلاع النيران في سفينة ضمن أسطول الصمود.. الحرس البحري يتدخل    أولا وأخيرا...برك الجمل بما حمل    مسرحية «رجوم» صيحة فزع طفولية لإنقاذ البيئة    نحو سيادة صحية رقمية: مشروع المخبر الوطني للجينوم البشري في تونس يدخل حيّز المتابعة    المسرحي التونسي معز العاشوري يتحصل على جائزة أفضل مخرج في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    عاجل/ اضطرابات في رحلات "تونيسار" من وإلى فرنسا    طقس الليلة: سحب رعدية مع أمطار أحيانا غزيرة بالشمال    رعاة سمّامة في مسرح الحمراء    بداية من الغد: عودة جولان خط المترو رقم 3    عاجل/ متابعة للوضع الجوي خلال الساعات القادمة..    تونس في الواجهة: محمود عباس يكرّم كوثر بن هنية عن فيلم "صوت هند رجب"    بالفيديو: شاهد كيف سيبدو كسوف الشمس الكلي في تونس سنة 2027    ال '' Climatiseur'' تحت الاختبار! نصائح لضبطه مع سخانة ورطوبة طقس تونس اليوم    تظاهرة علمية مفتوحة للجميع يوم 20 سبتمبر بمدينة العلوم بمناسبة اليوم العالمي لمرض الزهايمر    بيكين تستضيف المنتدى الدولي حول دعم التعاون في مجال الانتقال الطاقي    مدرستنا بين آفة الدروس الخصوصية وضياع البوصلة الأخلاقية والمجتمعية...مقارنات دولية من أجل إصلاح جذري    شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا: اختتام فعاليات تظاهرة 'سينما الحنايا' بباردو    الخسوف الكلي يبدأ عند 18:35... إليك التفاصيل    ''الخسوف الدموي'' للقمر يعود بعد سنوات...شوف شنيا أصلو في مخيلة التونسي    خسوف كلي للقمر في معظم الدول العربية بداية من ليلة الأحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تدني مستوى الخطاب السياسي جزء من الأزمة التي تمر بها البلاد
فتحي جراي الخبير في التنمية البشرية ل الصباح :
نشر في الصباح يوم 23 - 02 - 2013

هناك أزمة في السلوك الاتصالي لدى نخبنا ولدى عامة الناس
التخاطب بين التونسيين قائم على الإرسال لا على التلقي
أوضح الأستاذ في العلوم الإجتماعية فتحي جراي في حوار خصّ به "الصباح" إنعدام أسس وفنيات التواصل الصحيح بين جميع مكونات المجتمع التونسي،
وأكد على وجود أزمة في السلوك الإتصالي وأرجعها إلى التخاطب القائم على الإرسال لا على التلقي مشددا على ما وصل إليه الخطاب السياسي من تدنّ لامس اللامعيارية، وأوضح أن الخطاب السياسي ظاهرة جديدة في تونس بعد الثورة لذلك يتطلب موقفا ودربة. وبين أن التونسي عاطفي بطبعه وقصير الذاكرة وطيب لذلك فهو سهل الإختراق، وقال إن الخطاب السياسي في تونس هو جزء من الأزمة الحالية، ودعا إلى الارتقاء به إلى مستوى أبجديات التعامل الأخلاقي بين الخصوم. ولاحظ أن إغتيال الشهيد شكري بالعيد ليس نتيجة مباشرة للخطاب السياسي بل يحتمل أن يكون وراءه مخابرات داخلية وخارجية، مشيرا إلى أن بث البلبلة يضر بمكانة تونس ويخدم أطرافا أجنبية تعمل على إفشال الثورة.
والأستاذ فتحي جراي هو خبير في التنمية البشرية وأستاذ العلوم الإجتماعية بجامعة قرطاج، له عدة دلائل تكوينية في الإتصال وفي العلاقات البشرية، اشتغل مع بعض المنظمات الأممية على غرار اليونيساف وصندوق الأمم المتحدة للسكان وصندوق الأمم المتحدة للتنمية
فيما يلي نص الحوار:
ما سبب تدني الخطاب السّياسي في تونس؟
- لم يكن ثمّة خطاب سياسيّ في تونس قبل الثورة، بل كانت هناك لغة خشبية. أمّا الآن في ظل الحرية فنلاحظ نوعا من الخطاب المنفلت من كل قيد بما في ذلك القيود القيميّة إلى حدّ أنه لامس اللامعيارية وهذا يعني وجود أزمة في مستوى السلوك الاتصالي، ليس فقط لدى عامّة الناس وإنما أيضا لدى النخبة.
فخطاب النخبة السّياسيّة مثلا لا يرقى إلى مستوى أبجديات التعامل الأخلاقي بين الخصوم والفرقاء، حيث نلاحظ فيه كثيرا من التهجّم والعبارات السوقية مما جعله خطابا ممجوجا من قبل الجمهور.
طغى حوار الصمّ على جميع الحوارات بين المسؤولين السياسيّين والمعارضة والمجتمع المدني، فما سبب ذلك؟
- حوار الصم كان القاسم المشترك بين كل هذه الأطراف على اعتبار أننا إزاء خطاب قائم على الإرسال أكثر ممّا هو قائم على التلقي والتفاعل. وهذا في ظل غياب روح التعايش والإيمان بالاختلاف.
إذن فالعلاقة بين هذه الأطراف تبدو في مجملها موسومة بالتماحك والتماعن والصّراع على المواقع.
بدا الشارع التونسي سريع الهيجان والتأثر أمام الخطب السياسية فما السبب؟
- هذا راجع إلى ملمح شخصية التونسي الأساسيّة، فهو عاطفي ومستنفر وقصير الذاكرة وطيّب عموما. وهذه سمات تجعله سهل الاختراق سيكولوجيّا من قبل كل التيارات التي تملأ المشهد الوطني ليس فقط على المستوى السياسي وإنما أيضا وخاصة على المستوى الإعلامي والاتصالي واقعيا وافتراضيا.
كيف يمكن للتونسي حاكما ومحكوما، الارتقاء بخطابه إلى مستوى الخطاب البنّاء؟
- يحتاج الارتقاء بالخطاب إلى أمرين أساسيّين: موقف ودربة. فأمّا الموقف فهو على وجه التحديد الموقف الإيجابي الذي نحتاج جميعا إلى أن نقفه من الآخر المختلف عنّا حتى نستطيع أن نثمّن ما يتوفر عليه من إيجابيات.
وأمّا الدّربة فتتصل بما يجب أن نوطن عليه أنفسنا من ثقافة الحوار المفتوح وفنيات الاتصال التفاعلي.
وهذا أمر لا يتحقق إلا بكثير من الصّبر والمداومة والحرص لأنه يرقى إلى مستوى ثقافة التعايش السلمي بين الناس بغض النظر عن خلفياتهم ومرجعياتهم.
عرفت تونس فترة الاستعمارالأجنبي العديد من الخطباء نذكر من بينهم الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف وفرحات حشاد وعلي البلهوان. وقد نجح هؤلاء في تزعّم التونسيين. فهل أفرزت الثورة من يضاهيهم في الموقف الرّيادي؟
- أعتقد أنه ليس من رهانات الثورة التونسية أن تنتج خطباء، فنحن بحاجة إلى زعماء رأي مشبعين بروح الوطنية ومفعمين بالصّدق والنزاهة وليس لهم ولاء إلا للوطن. فإذا كانوا خطباء مفوّهين فيا حبّذا وإن لم يكونوا كذلك فحسبهم أن يكونوا وطنيّين.
استعمل راشد الغنوشي في خطابه الأخير خلال مظاهرة دعم الشرعيّة شعارات استفزازية ناعتا الإعلام بالبنفسجي ومؤجّجا مشاعر أنصاره ضدّ الإعلاميّين. فكيف تفسّر هذا الاستفزاز الصّادر عن رئيس حزب حاكم وشيخ فقيه؟
- يجب أن نفهم هذا الخطاب التعبويّ في سياقه حتى لا نجامل صاحبه ولا نتحامل عليه. فالظرف الذي ألقي فيه هذا الخطاب كان مفعما بالمشاعر الجياشة والشعارات النارية والهبّة العاطفية العارمة لأنصار النهضة، ممّا جعل الشيخ راشد الغنوشي يدفع بخطابه إلى مدى أبعد ممّا يحتمله المشهد السّياسي العام وكأنما هو يوجّه خطابه إلى البيت الداخلي وعصبة الأنصار أكثر ممّا يوجّهه إلى الفضاء العام.
فقد عهدنا الشيخ الغنوشي أكثر هدوءا وأكثر انتقاء لعباراته حينما يكون في وضع بعيد عن الحماس الجماهيري واندفاع الجموع كما حصل في الشارع الكبير يوم السبت الماضي. ولا أظنه أراد استفزاز الخصوم بقدر ما أراد أن يقول بقوّة نحن ما نزال هنا.
انتقلنا من الثلب والقذف والدّعوة إلى القتل في الخطابات بالمساجد وفي منابر الحوار إلى العنف الممنهج الذي تجسّم في اغتيال الشهيد شكري بالعيد. فما الذي أدّى بالبلاد إلى هذه الدرجة من التأزم؟
- من الواضح أن هذه المرحلة في منتهى الحساسيّة. ولا يصحّ الرّبط الآليّ بين الخطابات السلفية في المساجد وحادثة الاغتيال الغادر الذي راح ضحيته المناضل شكري بالعيد.
ولأن ملابسات هذا الاغتيال ما تزال غامضة، فقد تكون وراءه أطراف متآمرة متعدّدة استغلت هشاشة الوضع الأمني في تونس. في كل الأحوال، ما حصل يوم 6 فيفري 2013 لم يكن تونسيّا بكل المقاييس وصدم كل التونسيين بمختلف حساسياتهم وكان مدعاة للتعاطف مع الفقيد حتى من قبل خصومه.
وعموما، نؤكد بكثير من الاطمئنان العلمي أن الضمير الجمعي التونسي مثلما يرفض الجريمة السّياسيّة قطعيّا، يستهجن أيّ خطاب يدعو بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى الكره والإقصاء والاستئصال ويشق صف الوحدة الوطنية التي تجلت في أبهى مظاهرها يوم 14 جانفي 2011.
كل التونسيّين مسلمون بالفطرة ولا يحق لأحد أن يزايد عليهم في دينهم وهويتهم العربيّة الإسلاميّة تماما مثلما لا يحق لأيّ كان أن يصادرعليهم رموز نخوتهم وعزتهم وانتماءهم الحضاري لصفوة الأمم أو أن يصنفهم تصنيفا معياريا سواء استخدم مرجعية الأصالة أو مرجعيّة الحداثة. فالتونسيون شعب واحد موحّد وإن بدوا متفرّقين بسبب الانتماءات والحساسيات السياسية الفسيفسائية التي برزت بعد الثورة.
من المستفيد ومن المتضرر من البلبلة الناتجة عن الخطابات السياسية المتشنجة؟
- أعتقد أن المستفيد من هذه البلبلة السّياسية ليس جهة محدّدة بذاتها وإنما كل طرف يهمّه أن تفشل ثورة تونس وألا تكون نموذجا لبقية الدول العربية وللعالم بأسره في سلميتها وفي رقيها وفي ألقها.
أمّا المتضرّرون فهم كثر وأوّلهم الوطن الذي يعيش حالة من الاستنزاف السياسي والاقتصادي والاجتماعي ستجعل تركة الحكم أثقل فأثقل بتمدّد مرحلة الانتقال الديمقراطي. وهذا يعني أن من يحكمون الآن متضرّرون وأن من سيحكمون غدا سيكونون أكثر تضرّرا لأنهم سيرثون وضعيّة سديميّة إذا ما استمرّ الوضع المتأزم أصلا يراوح مكانه وخاصة على مستوى التجاذبات السّياسيّة.
هل يمكن للخطاب السياسي أن يساهم في حلحلة الأزمة الراهنة؟
- في الحقيقة هذا الخطاب السياسيّ الذي انطبع في الآونة الأخيرة بالتشنج والاستنفار هو جزء من الأزمة. ولكن لا شيء يمنع من أن يصبح الخطاب السياسيّ مصدرا للتفاؤل والاطمئنان إذا غلّب السياسيون مصلحة الوطن العليا وربوا بأنفسهم عن المهاترات والحسابات الانتخابية الضيقة وتصرّفوا كرجال دولة لا كزعماء فصائل.
هل من بوادر لانفراج الأزمة؟
- بدءا نقول ما قاله الشاعر "اشتدّي أزمة تنفرجي.. قد آذن صبحك بالبلج". فمنطق الأشياء يقول إن الشيء إذا بلغ حدّه، انقلب إلى ضدّه. ومعنى ذلك، في هذا السياق بالذات، أن لا شيء ينتظر بعد أوج التأزم إلا الانفراج. وقد لاحت بعض بوادر ذلك الانفراج إثر المشاورات المكثفة التي حصلت في الأيّام الماضية بين معظم الكيانات السّياسيّة الفاعلة برعاية من مؤسّستي رئاسة الحكومة ورئاسة الدّولة.
لكن يظل لزاما على كل زعماء الرأي في البلد أن يستخلصوا الدرس وأن يركزوا على المسائل الحيوية وفي مقدمتها التعجيل بإنهاء كتابة الدستور والاتفاق على خارطة طريق لما تبقى من المرحلة الانتقاليّة من أجل تحصين البلاد ضد كل المنزلقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والسّير بها نحو تحقيق أهداف الثورة بما في ذلك تفكيك بنى الاستبداد وإحلال المؤسّسات الدستورية والآليات الديمقراطيّة محلها حتى تكون تونس جديرة بمكانتها المتقدّمة في المنطقة العربيّة وفي العالم بأسره كدولة نموذجية في مسلكها الديمقراطي وفي مؤسّساتها الوطنيّة التي يفترض أن يسيّرها القانون دون سواه في المستقبل القريب في ظل إدارة احترافيّة محايدة وأمن جمهوري وقضاء مستقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.