لم يعد المشهد التونسي يتحمل المزيد من الهزات والتجاذبات والصراعات على حد قول عدد من المحللين السياسيين والمراقبين، فالخروج من الأزمة السياسية الحالية وما أفرزته من تداعيات انسحبت على كل مجالات الحياة خاصة منها الإقتصادية والإجتماعية جعلت الأصوات ترتفع داعية إلى الحوار والأهم من ذلك ضرورة البحث عن الوفاق والتوافق بين جميع المكونات والقوى الفاعلة في البلاد من أحزاب ومجتمع مدني حول كبريات القضايا. ومن أهم عناوين التوافق التعجيل في كتابة الدستور وتحديد النظام السياسي وضبط خارطة طريق واضحة تستند إلى برنامج تنموي واقتصادي واجتماعي وسياسي يحقق أهداف الثورة فتسير كل هذه المكونات على خطاه. فالبحث عن هذا التوافق وتحديد آليات الوفاق ومنهجه كان من أهم النقاط التي أثيرت خلال "مؤتمر الحوار الوطني حول الدستور" الذي نظمه أمس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية شارك فيه ممثلو الأحزاب الوطنية وممثلو المنظمات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني. وعرض رضوان المصمودي رئيس مركز دراسة الاسلام والديمقراطية الاشغال التي سبقت مؤتمر الحوار الوطني حول الدستور الذى انطلق منذ شهر جويلية في شكل ورشات عمل، وقال ان الموتمر يعد تتويجا لمسار حواري وافاد ان الورشات التي جمعت عددا من نشطاء المجتمع المدني والاحزاب والتيارات لمناقشة وجهات النظر وتعميق الحوار قصد الحسم في النقاط الخلافية في مسودة الدستور القادم والوصول الى توافق يعد حسب تقديره ضروريا للنجاح في تاسيس ديمقراطية فعلية. التعايش السلمي وأجمع المشاركون في المؤتمر على أن يكون هذا الوفاق حول التعجيل بكتابة الدستور وتحديد النظام السياسي وموعد الإنتخابات، إلا أن السيد سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية اختار أن لا يخوض في هذه المسائل، فقال:"ليس من السهل الحديث عن هذه القضايا، على أهميتها، في مثل هذه الظروف، ولكن على الجميع أن يراجع المسار نسبيا فلا يمكن مواصلة كتابة الدستور بهذا النسق، فلا الأوضاع السياسية ولا الاقتصادية ولا الأمنية تسمح بذلك". وأكد أن"التحديات الكبيرة التي نعيشها اليوم ليس تشكيل الحكومة وإنما التوافق على التعايش معا وعلى أن لا نعتبر المخالف لنا في الرأي والفكر والانتماء السياسي والحزبي والإيديولوجي عدوا وإنما هو شريك في الوطن". وأضاف:"على الجميع أن يؤمنوا أن الديمقراطية ليست شكلا فحسب وإنما هي أيضا مضمونا فلا شرعية مطلقة في الفترات الإنتقالية". أخطأ السياسيون بدرجة أولى في تحديد مداخل المرحلة الإنتقالية المرتكزة على المنهج والشكل والمضمون، فأوضح ديلو "أخفقوا لأنهم قدموا للشعب وعودا لا تُقيم بمصداقيتها من عدمها وإنما على أنها لم تقدم بمداخلها الصحيحة ببسط الواقع ودعوة الشعب إلى الصبر على مطالبهم وتحسين ظروف عيشهم وإيضاح أن المسار ليس بالبساطة والسهولة ذلك أنه يستوجب كتابة دستور وإصلاح المؤسسات والتشريعات وأيضا إصلاح العقليات وكل ذلك يتطلب وقتا طويلا". على حد قول ديلو. الذي اضاف انه كان من الممكن تكليف لجنة من الخبراء واساتذة في القانون الدستورى لاعداد دستور في ظرف لا يتجاوز مدة اسبوعين وتكون صياغته اجمل واكثر حبكة قانونية. هذا التوجه والوفاق حول التسريع في كتابة الدستور من الأولويات القصوى التي تحاور حولها المشاركون في المؤتمر الوطني، غير أن النائبة فريدة العبيدي رئيسة لجنة الحقوق والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي أكدت أن "الوضع الحالي لا يسمح بمواصلة مناقشة الدستور بنفس الطريقة وإنما يتطلب أولا التسريع بتنقيح النظام الداخلي والتوافق حول النظام السياسي". لكن هل الدستور -حتى وإن حظي بالوفاق- هل يعتبر هو الضمان الوحيد لحياة كريمة لشعب ثار على الديكتاتورية والمهانة، فأي أهمية لدستور لا يكون متكاملا تطبقه مؤسسات دولة متماسكة وقوية ووعي مدني راسخ وشعب يحميه؟ في هذا الإطار أكد عدد من ممثلي الأحزاب أن الإستحقاق الدستوري ليس استحقاقا قانونيا فحسب وإنما أيضا استحقاقا اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا يتطلب الحوار والوفاق وإنجاح المرحلة الإنتقالية بالوقوف جنبا لجنب مع الحكومة والشرعية وتكون المعارضة معارضة بناءة.