تعيش تونس منذ فترة على وقع الترقب والانتظار، ترقب مشحون بالمخاوف المشروعة من المجهول الذي يترصّد البلاد قبل أن تتضح الرؤية وتتحقق الرّهانات والاستحقاقات التي انتظرها التونسيون طويلا والتي باتت تتباعد يوما بعد يوم في ظل التجاذب الحاصل الذي هيمن على المشهد السياسي على مدى الاشهر الماضية حتى بلغ درجة المهزلة. استقالة رئيس الحكومة حمادي الجبالي لا تعني بأي حال نهاية الازمة، بل لعلها ستكون بداية المزيد من الأزمات في حال استمرّ الوضع على حاله من غياب الآفاق وتدهور الاقتصاد وتراكم مخازن السّلاح، كل ذلك في الوقت الذي يتابع فيه التونسيون بكثير من الحسرة والندم أحداث السيرك الممل في المجلس الوطني التأسيسي وما يشهده خاصة في الفترة الأخيرة من مهازل متكررة من جانب بعض النواب والنائبات الذين، وللاسف، دخلوا قبة المجلس عبر صناديق الاقتراع. لاخلاف اليوم بين الفرقاء على أن المشهد في البلاد بات محفوفا بالمخاطر بما يعني أن استمرار الوضع على حاله سينتهي بالجميع إلى الكارثة التي لن تميّز بين علماني وإسلامي، ولا بين حداثي أو سلفي، لأن التيار حينها سيجرف الجميع. ثلاثة تحديات مترابطة اليوم في انتظار الحكومة المرتقبة ولا مجال لتجاهلها أو التقليل من شأنها للخروج من عنق الزجاجة. أما الاول فهو دون شك التحدي الأمني الذي بدونه لا يمكن للتونسيين الانصراف إلى مواصلة نشاطاتهم اليومية. وأما الثاني فهو التحدي الاقتصادي والمحرك الاساسي للمجتمع، والذي بدونه لا يمكن للحياة أن تتطوّر. وأما الثالث فهو بالتأكيد أزمة الثقة الحاصلة بين النخبة السياسية والسواد الأعظم من التونسيين، والتي بدون تجاوزها أو على الاقل الحدّ منها لا يمكن لأيّ حكومة قادمة أن تنجح في مهامها. لسنا بصدد مناقشة صحة اختيار السيد علي لعريض من عدمه، فقليل من الواقعية من شأنه أن يؤكد أن الرجل واجه خلال توليه وزارة الداخلية بدل الأزمة أزمات، وقد غابت معها التحقيقات التي كان يمكن أن تحسب له وتؤكد حرصه على بلوغ الحقيقة عندما يتعلق الامر بمواطنة المواطن ودم التونسي. واذا كان التحقيق في جريمة اغتيال الشهيد شكري بلعيد أمر من شأنه أن يستوجب مزيد الوقت للوصول الى الحقيقة كاملة، فإن غياب النتائج في التحقيقات التي سبق وأعلن عنها في أحداث 9 أفريل وفي أحداث منوبة والعبدلية وحرق عشرات الاضرحة، وفي أحداث المنيهلة الاولى والثانية من النقاط التي تحسب على السيد علي عريض وستلاحقه قبل حتى انطلاق مهامه رسميا على رأس الحكومة. الآن وقد ضاعت "الوصفة السحرية" للسيد حمادي الجبالي وتأكد أن الترويكا تحالف فرضته الظروف وبالتالي فهو غير قادر على الصمود أمام تغوّل حركة النهضة، قد يكون من المهم بالنسبة لرئاسة الحكومة الجديدة أن تدرك أن سياسة الهروب الى الامام والمماطلة والاستمرار في التغني بورقة الشرعية في غياب النتائج العملية، هي من الأمور التي لا يمكن أن يقبلها عاقل، ولا يمكن لتونس أن تتحمّلها في هذه المرحلة الخطيرة... ولذلك نقول: كفانا مماطلة، كفانا هروبا إلى الأمام، كفانا إحباطا... فالتونسي اليوم في حاجة لإعادة إحياء الأمل في النفوس والخروج من اليأس الذي ينخرتفكيره ... فلا تخذلوا هذا الشعب. لقد انتهت مرحلة الاختبارات التي دفع التونسي ثمنها غاليا ولاخيار أمام الجميع إلا الوفاق، ولا طريق إلا النجاح وإنقاذ البلاد أو السقوط - لا قدر الله - في متاهات الصراعات التي لا قبل لنا بها... أخيرا وليس آخرا، دعوة نهمس بها في آذان من يصغون إلى صوت الآخر ويدركون آفة حوار الطرشان، ألا تسقطوا مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل وأن تجعلوا منها منطلقا لحوار وطني صادق وشامل ينقذ البلاد والعباد.