حسمت حركة النهضة موقفها ورشحت علي العريض رئيسا للحكومة خلفا لحمادي الجبالي الذي أعلنت الحركة في بيان صادر لها أول أمس عن اعتذاره عن قبول هذا المنصب مجددا. وتم ترشيح علي العريض رئيسا للحكومة رغم الانتقادات اللاذعة التي وجهت لحصيلة أدائه على رأس وزارة الداخلية والتي وصفها البعض "بالكارثية". فالرجل اقترن اسمه باحداث 9 افريل وسليانة فضلا عن انه حمل مسؤولية التدهور الأمني الفظيع والذي بلغ حد الاغتيال السياسي، يعتبره البعض خطوة ستسهم في عدم بلوغ الوفاق المنشود على اعتبار أن رجل القصبة الجديد، وفقا للمضطلعين بالشأن السياسي، لن يفصل بين دواليب الدولة ودواليب حزبه. فهل ان علي العريض في هذه المرحلة الدقيقة يمثل الرجل المناسب في المكان المناسب؟ يعتبر عبد الوهاب الهاني رئيس حزب المجد أن تعيين علي العريض كان نتيجة الشعبية التي يحظى بها لدى قيادات حركة النهضة وليس استنادا إلى خطابة العريض الذي سيتمكن من خلالها من قيادة البلاد في هذه الظرفية الدقيقة والصعبة التي تمر بها. وأضاف الهاني أن ترشيح العريض كان من باب التداخل الحاصل بين الحزب الحاكم والدولة وان الحزب الحاكم الفائز بأغلبية الأصوات يخلط بين الحزب والدولة، من ذلك أن رئيس الحركة راشد الغنوشي صرح بان المهم اليوم هو الحفاظ على وحدة النهضة ولم يتحدث بتاتا عن وحدة الشعب التونسي وبالتالي فان العقل السياسي الذي يقود الحزب الحاكم يعلي من مصلحة الحزب على حساب الدولة. وهو تداخل مقلق -حسب الهاني- لأننا أمام قيادات حزبية مستعدة أن تضحي بالوطن من اجل مصالح الحزب. وأشار إلى أن الوضع الآن مختلف عن الوضع الذي رافق تشكيل الحكومة الأولى إذ أن الرأي العام يعيش حالة من الحيرة ويعيش نوعا من القرف والملل من التجاذبات وخاصة من إعلاء مصالح الأحزاب. وأضاف أن هذه الحكومة الجديدة لن تتمتع بفترة هدنة استنادا لأنها ستتشكل في وضعية تتسم بالقلق والحيرة وغياب الثقة ووسط تحد إرهابي لم تعهده البلاد من قبل وبالتالي فان عملية الوفاق ستكون أصعب وسيعيش رئيس الحكومة تحديا كبيرا يتمثل في مدى أن يأخذ مسافة بينه وبين حزبه حتى لا يتكرر ذات الخطأ الذي ارتكبه حمادي الجبالي الذي ترك للأحزاب فرصة تعيين كوادرالحكومة الأمر الذي اضعف سلطته على حكومته وبالتالي فان التحدي الأكبر الذي ينتظرالعريض هو مدى قدرة الطبقة السياسية على التحلي بروح المسؤولية. بحث عن التوازنات الداخلية ويعتبر عصام الشابي عضو المجلس الوطني التأسيسي عن الحزب الجمهوري أن حركة النهضة قد خيرت الاهتمام بتوازناتها الداخلية والدفاع على ما تعتبره مكتسبات للحركة قبل أن تضع في اعتبارها البحث على قواعد جديدة لتوافق وطني تتم صياغته على قاعدة استخلاص الدروس من إخفاقات الحكومة السياسية السابقة. وقال: "بقطع النظر عن شخصية علي العريض إلا أن القضية تتعلق بمستقبل ومصير الانتقال الديمقراطي مشيرا إلى أن سياسة الهروب التي تتوخاها حركة النهضة قد تدخل بالبلاد في مغامرات سياسية مجهولة العواقب ولا سيما أن الحركة لم تستثمر ما تمتع به حمادي الجبالي من رصيد لدى الرأي العام والذي سحب ترشيحه قصد تكوين حكومة جديدة خاصة أن علي العريض كان وزيرا للداخلية وهو مسؤول عن فشل امني كان من ابرز سمات المرحلة الماضية". واعتبر الشابي أن الرسالة التي كان ينتظرها التونسيون هي رسالة انفراج وتوافق وطني خاصة أن الجميع يعلم أن الأرضية السياسية وخطوط برنامج هذه الحكومة سيكون مغايرا تماما لما اقترحه السيد حمادي الجبالي وما توافقت عليه اغلب الأحزاب السياسية. وخلص إلى القول بأنه يعتقد بان هذه الحكومة التي سيشكلها علي العريض ستنال ثقة ال109 نواب لكنها لن تنال ثقة التونسيين وباقي الأطياف السياسية. ومن جانب آخر اعتبرت عضو المجلس الوطني التأسيسي عن المسار نادية شعبان بأن تعيين علي العريض رئيسا للحكومة يعتبر إجراء غير مفهوم وغير مقنع في ظل الهنات التي حدثت على رأس وزارة الداخلية على غرار أحداث 9 افريل وأحداث الرش التي صاحبت احتجاجات أهالي سليانة مشيرة إلى أن هذا التعيين لن يخلق وفاقا وطنيا حول الحكومة. لا تهم الأسماء في المقابل يرى أيمن الزواغي عضو المجلس الوطني التأسيسي عن العريضة الشعبية انه مهما اختلفت الأسماء فان المكون واحد بالنظر إلى أن الشخص الذي سيتحمل هذه المسؤولية سيخدم حركة النهضة حتى وان تم الإبقاء على حمادي الجبالي. مشيرا إلى أن الحل الوحيد لإنقاذ البلاد والوصول إلى السلم الاجتماعية والاستقرار السياسي من خلال انتخابات شفافة ونزيهة هو تشكيل حكومة إنقاذ وطني أي حكومة كفاءات وطنية مصغرة. كما اعتبر سليم بوخذير عن حركة وفاء أن المهم لا يكمن في تغيير الأشخاص بل في تغيير البرامج والسياسات على قاعدة أهداف الثورة الذي سيكون مدخلا لتصحيح المسار الحكومي وبامكان العريض آنذاك ان يكون رجل المرحلة. تحييد وزارة الداخلية أما الناطق الرسمي باسم التحالف الديمقراطي محمد الحامدي فقد أكد أن تعيين علي العريض رئيسا للحكومة يعتبر خطوة أولى باتجاه تحييد وزارة الداخلية. وقال أن حركة النهضة أصبحت في المدة الأخيرة تعتمد سياسة المناورة، حسب تعبيره، إذ كانوا أعضاء الحركة يعتبرون تغيير العريض في وزارة الداخلية كارثة. من جهته قال الناطق الرسمي باسم حزب التكتل من أجل العمل والحريات محمد بالنور أن علي العريض متكون سياسيا ويمكنه النجاح على رأس الحكومة الجديدة إذا استجاب لجملة من النقاط أهمها تحييد وزارات السيادة. واشترط بالنور لنجاح العريض في الحكومة الجديدة أن يتم تشريك كفاءات وطنية وامتناع كل من يشارك في الحكومة من الترشح للانتخابات التشريعية والرئاسية والتقليص من عدد الوزارات. وزير العدل والقيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري عبر أمس على هامش الاستماع له في لجنة التشريع العام حول مشروع هيئة القضاء العدلي عن اعتقاده ان الرئيس الجديد للحكومة سيكون في مستوى المُهمّة التي سيتولاها وأكثر متمنيا النجاح لكل الفريق الحكومي. وأكد أن تونس بحاجة إلى دستور توافقي يجسد إرادة الشعب. في حين قال العضو عن الجبهة الشعبية فؤاد ثامر بانه لا مشكل لهم مع شخصية علي العريض. وعبر عن تخوف الجبهة من تولي العريض هذا المنصب، مبررا ذلك بانه سبق وفشل في وزارة الداخلية وقال: "ليس شخصا مناسبا في المكان المناسب". أما القيادي في حزب المسار فاضل موسى فقال إنه كان بإمكان رئيس الجمهورية القيام بمشاورات في تشكيل حكومة جديدة بالرجوع إلى الفصل 19 الفقرة الثالثة ودون أن يكون المرشح لهذا المنصب من حركة النهضة. وأكد موسى أنه على رئيس الجمهورية التوجه بكلمة إلى الشعب التونسي وإعلامه بتقديم حمادي الجبالي استقالته من منصبه وطمأنة الشعب بأن استقالة رئيس الحكومة لا تعني الفراغ لأن هناك مؤسسة اسمها الحكومة. بدوره اشار محسن مرزوق العضو في الهيئة التأسيسية لحركة نداء تونس إلى انه مهما كان اختيار حركة النهضة في المكلف بتشكيل الحكومة القادمة لا يغير تغييرا جوهريا. وقال "لا وجود لتغيير دون ضمان حيادية وزارات السيادة منها وزارة الداخلية".