من حق السيد وزير التربية وهو الجامعي والباحث والمربي أن يغضب، ومن حقه أن يشعر بانشغال على واقع مؤسساتنا التربوية وما يتهددها من افلاس وضياع كما أنه من حقه أن يعرب عن رأيه ازاء ما حدث أو يحدث من تجاوزات أو انتهاكات استهدفت أو قد تستهدف الاطارالتربوي أوحرمة المؤسسة التربوية ومكانتها المقدسة، ولا يمكن لعاقل أن يقبل بالابتذال والتسيب أو أن يبرر عدم احترام القانون وعدم الانضباط حتى عندما يتعلق الامر بأبنائنا التلاميذ ولو لم يفعل لاعتبرناه مقصرا وغيرمؤهل للمهمة التي أنيطت بعهدته والتي تفرض عليه أن يكون في حجم المسؤولية التي أؤتمن عليها. من هذا المنطلق فان ما صدر يوم الاحد وهو يوم عطلة عن السيد الوزير لايتنزل بأي حال من الاحوال في اطار ما سبق وقد كان بالامكان تفادي كل الضجيج الذي حدث داخل معهد الامام مسلم لو أن السيد الوزيرتحامل على نفسه وتأمل المسألة ببعض الهدوء تجنبا لاضاعة الوقت والدروس وبالتالي اهدار المال العام... فالحادثة التي سجلها معهد الامام مسلم بالمنزه بدأت في اعقاب ما تم ترويجه عبر المواقع الاجتماعية من اقدام بعض من تلاميذ المعهد من السنة الثالثة والرابعة على اقتراف "الجرم الخطير" عندما أقدم هؤلاء وأغلبهم من الشباب المراهقين على أداء رقصة "هارلم شايك "التي أغضبت الوزير ودفعت به للخروج عن صمته والتنديد عبر وسائل الاعلام بالامر والدعوة لفتح تحقيق عاجل في الغد وتلقين المديرة درسا لا تنساه حتى بات وكأن البلاد في أفضل حالاتها الامنية والاقتصادية والسياسية ولا شيئ يعكر صفو الحياة فيها غير هؤلاء الفتية المشاكسين المتمردين على الاخلاق الحميدة. الواقع أن ما حدث على مدى الساعات الماضية وتحديدا مع رقصة تلاميذ معهد الامام مسلم أورقصة "هارلم شايك " يتنزل في اطار صراع الاجيال الذي لا يمكن أن ينتهي، وقد وجدت نفسي مضطرة للبحث عن "هارلم شايك " على الانترنت لادرك أنها رقصة بدأت مع مجموعة من الطلبة المراهقين الاستراليين الذين وضعوا مقطع فيديو مدته ثلاث ثوان سرعان ما اجتذب نحوة تسعة عشر مليون مشاهد عبرالعالم وباتت أشبه بنقطة الاتصال بين شباب العالم في عصر العولمة والمواقع الاجتماعية الخارجة عن كل أنواع القيود والمراقبة تماما كما حدث في بداية موسم الربيع العربي من تونس الى مصروليبيا واليمن من تبادل للرسائل والنصائح والمعلومات قبل سقوط الدكتاتوريات. ولذلك فان موقف الوزير من شأنه أن يدفعنا للتساؤل بشأن الحماسة والتعجل اللذين أبداهما في اخضاع مديرة المعهد للتحقيق لانها سمحت للتلاميذ باستغلال ساحة المدرسة كمسرح لاداء تلك الرقصة بملابس تنكرية لم تعجب السيد الوزير ولم ترق للكثيرين أيضا وهي نقطة كان بالامكان معالجتها بطريقة مختلفة بعيدا عن كل أنواع التشنج وعن لغة التحذيرات والتهديدات التي دفعت التلاميذ الى التوقف عن الدراسة صباح الامس . ولو ان السيد الوزير تريث وتمعن في الامرلاختارالجلوس والحوار مع تلاميذ المعهد بحضور عدد من الاساتذة أو حتى الاولياء ومناقشتهم بشأن بعض من المظاهر التي قد لا تكون مقبولة في مجتمع محافظ ولكان استمع اليهم وربما استطاع اقناعهم بوجهة نظره، ولكن وبدلا من ذلك رأينا السيد الوزير يثير زوبعة ما كان لها من داع ويدفع الى مشكلة لا وجود لها في الاصل حتى أن البعض اعتبرها ضريبة التعلق بكرسي الوزراة رغم الفشل المتكرر. بل الواقع اننا لا ندري ان كان السيد الوزير يريد ارضاء نفسه أو ارضاء غيره بموقفه مما حدث ولو أننا رأينا وسمعنا له مواقف مماثلة ازاء كل المظاهر الغريبة في المدارس والمعاهد لسجلنا له ذلك . ما هكذا يا سعد تورد الابل، كلمات نقولها للسيد الوزير وقد كنا نتمنى أن نرى حماسته ازاء المدراس والمعاهد التي لم تفتح أبوابها أمام التلاميذ طوال الثلاثية الاولى لانطلاق السنة الدراسية، أو أننا سمعناه يستنكر الحالة المزرية لبعض المعاهد والمداس في المناطق النائية التي تكاد تنهار على مريديها، أوكذلك لو أننا رأيناه أيام الاحد والعطل يثور احتجاجا على نقص الاطار التربوي والتجهيزات في المدارس أو بسبب تعثر الاصلاحات في المؤسسات والبرامج التربوية أو كذلك بسبب معاناة المدرسين او بسبب اختفاء نتائج التحقيقات في الباكالوريا المسربة أو في مسألة التعيينات وملفات الفساد في الوزارة وغيرها من القضايا المصيرية... ولو أن الوزير المبجل أثار مسألة اندثار وغياب النوادي والمكتبات وقاعات المطالعة التي كانت تؤثث المعاهد وتجتذب التلاميذ وتوفر لهم الفضاء المناسب للابداع والتعبير لما اعتبرنا في موقف الوزير مجانبة للصواب وهروبا الى الامام لا سيما وأننا لم نسمع للوزراة موقفا عندما أنزل العلم راية تونس ورمزها في المؤسسات الوطنية وعوض براية سوداء تتلوها دعوات للجهاد في سوريا ولم تحرك للوزارة ساكن أمام كل المظاهر الغريبة والمتطرفة التي تجتاح مؤسساتنا التربوية وتهدد التلاميذ في عصر العولمة... مع الاسف نقول للسيد الوزير لقد افتعلت مشكلة لا وجود لها ومعهد الامام مسلم يظل من المعاهد الافضل على الصعيد الوطني في نتائج الباكالوريا وكان ولا يزال اولياء التلاميذ في الماضي والحاضر أكبر ممولي المعهد وأول من يتصدرون قائمة المانحين عندما يتعلق الامر باصلاح المعهد أو تجهيزه بما يفيد التلاميذ يدفعهم الى ذلك وطنيتهم وايمانهم بقيمة العلم والمعرفة... نعم أخطأ التلاميذ في جزء من تصرفاتهم ولكن خطأ الوزير كان أكبر... كلمة أخيرة الى مديرة المعهد التي تصرفت بحكمة وجنبت تلاميذها وجنبت البلاد مشكلة نحن في غنى عنها لو أنها أدارت ظهرها للتلاميذ ودفعت بهم الى خطر المواجهة مع أطراف غريبة عن المعهد...