طالب عدد من نواب لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بالمجلس الوطني التأسيسي خلال جلستهم المنعقدة أمس بقصر باردو بتوسيع دائرة مراكز الاحتجاز التي يمكن للهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب المراد إحداثها، مراقبتها وزيارتها، واقترح بعضهم بعد الاستماع لسمير ديلو وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية حول مشروع القانون الأساسي المتعلق بإحداث هذه الهيئة، إدراج أماكن أخرى على غرار دور المسنين ورياض الأطفال ومراكز تدريب العسكريين.. وكان المشروع ضبط أماكن الاحتجاز في السجون المدنية ومراكز اصلاح الاطفال الجانحين ومراكز إيواء أو ملاحظة الأطفال ومراكز الاحتفاظ ومؤسسات العلاج النفسي ومراكز إيواء اللاجئين وطالبي اللجوء ومراكز المهاجرين ومراكز الحجز الصحي ومناطق العبور في المطارات والموانئ ومراكز التأديب والوسائل المستخدمة لنقل الأشخاص المحرومين من حريتهم.. ويقصد بأماكن الاحتجاز حسب ما أوضحه المشروع كل الأماكن التي تخضع أو يمكن أن تخضع لولاية الدولة التونسية، وسيطرتها، أو التي أقيمت بموافقتها، والتي يمكن أن يوجد فيها أشخاص محرومون من حريتهم بموجب أمر صادر عن سلطة عمومية أو بإيعاز منها أو بموافقتها أو سكوتها. وإجابة عن طلبات النواب بتوسيع دائرة أماكن الاحتجاز، أوضح سمير ديلو أن تعريف أماكن الاحتجاز واضح، فهي تعني وجود شخص في مكان رغما عن إرادته، وبالتالي لا يمكن اعتبار دور المسنين ورياض الأطفال وغيرها أماكن احتجاز.. وفسّر أن هذا القانون خصوصي يهمّ من يحجز رغما عن إرادته. تساؤلات بالإضافة إلى تعبيرهم عن الرغبة في توسيع دائرة أماكن الاحتجاز، تطرّق النواب إلى عديد النقاط الأخرى الواردة في مشروع القانون الذي ينص على إحداث هيئة عمومية مستقلة تسمى الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الاداري والمالي يكون مقرها بتونس العاصمة. وتساءلت النائبة سعاد عبد الرحيم رئيسة اللجنة عن الصلوحات التي ستجعل تقرير الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، نافذا. وهل توجه مسؤولية التعذيب للأشخاص أم لسلطة الإشراف. واستفسرت النائبة نادية شعبان عن كيفية حماية الشهود، وعن المقصود من مبدأ التوازن في التمثيل بين الجنسين داخل الهيئة ولماذا لم يقع التنصيص مباشرة عن التناصف. وتساءل النائب اياد الدهماني عن آليات مراقبة أماكن الاحتجاز بمراكز الشرطة ومراكز الحرس الوطني وكيفية الحد من التعذيب فيها. ولاحظ النائب فيصل الجدلاوي أن المشروع اختار عدم تحديد الممارسات التي توصف بالمهينة، قصدا، وأكد وجود العديد من الثغرات فيه. وذكّرت النائبة فاطمة الغربي بأنه من المنتظر أن توجد هيئة دستورية لحقوق الإنسان، وهي التي من المفترض أن تقوم بدور هيئة الوقاية من التعذيب، وبينت أنه من المحبذ عدم تشتيت الجهود بين الهيئات، ودعت للتنصيص على التناصف بصفة صريحة في تركيبة الهيئة. وتساءلت النائبة خيرة صغيري هل سيقع إحداث فروع جهوية للهيئة، واستفسر النائب البشير النفزي عن حدود صلاحيات الهيئة وهل هناك ضمانات لكي يكون رئيس الهيئة نزيها خاصة وأنه يتمتع بالحصانة. وبينت النائبة عائشة الذوادي أن الهدف المنشود لا يكمن في تركيز هيئات مراقبة، بقدر ما يتمثل في المساهمة في نشر الوعي الاجتماعي بمخاطر التعذيب.. وكشفت أن هناك من مارسوا التعذيب في العهد السابق، ونكسوا بعد الثورة رؤوسهم، بل اختفوا في منازلهم لأشهر عديدة لكنهم الآن يعودون إلى الساحة بجرأة. وإجابة عن مختلف هذه الأسئلة بين أن حماية الشهود مضمونة في مشروع القانون إذ نص الفصل 14 منه على ما يلي: "مع مراعاة التشريع المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، لا يمكن تتبع أي شخص من أجل تقديم معلومات أو إفشاء أسرار تتعلق بممارسة التعذيب أو الارشاد على مرتكبه". وفيما يتعلق بتعدد الجهات المراقبة لانتهاكات حقوق الانسان والتعذيب على غرار الهيئة الدستورية لحقوق الانسان والهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب بين الوزير أنه كلما كانت هناك أكثر من عين مراقبة كلما كانت النتيجة أفضل. وفيما يتعلق بعدم التنصيص على إحداث فروع جهوية للهيئة، بين أن البلاد لا تحتاج إلى فروع جهوية ويمكن لنشاط الهيئة أن يغطي كامل البلاد.. لكن التوسع ممكن مستقبلا. وعن السؤال الذي طرحته النائبة لطيفة الحباشي المتصل بصلاحيات الهيئة، بين أن الهيئة تحيل الملفات للسلط الادارية والقضائية المختصة. وفيما يتعلق بمسؤولية التعذيب على من تعود، أجاب أن المعني هو الموظف العمومي الذي يعمل أو يرخص أو يوافق أو يسكت عن التعذيب، كما أنه لا يمكن له الاحتجاج بتلقي التعليمات لأنه بإمكانه رفض الأوامر الصادرة عن مرؤوسيه في هذا الصدد. ولدى حديثه عن تساوي الفرص بين الجنسين في عضوية الهيئة، بين أنه من الانسب التنصيص على المساواة. وشدد وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية في حكومة تصريف الأعمال، على أن التعذيب هو جريمة ذات طبيعة خاصة فهي ترتكب في فضاءات خاصة بعيدا عن الشهود وعادة ما يكون الشاهد هو نفسه الجلاد. وأضاف أن من يريد شن حرب على الارهاب بقمع الحريات وممارسة التعذيب، هو يرتكب جرما أكبر من الإرهاب نفسه.. وبين أن دور الجميع خلال المرحلة التأسيسية، العمل على تأسيس الذهنيات، مفسرا أن ذهنية العصا أو كما سماها الزلاط مازالت قائمة في رؤوس بعض رجال الأمن.. ولا يمكن أن تتغير إلا بتطوير الوسائل التقنية المتاحة لرجال الأمن وتكوين العنصر البشري وأضاف أن أكثر من تسعين بالمائة من الحالات التي يقع فيها استنطاق المتهمين، تتم تحت طائلة التعذيب وظروف الايقاف تكون أحيانا أشد من التعذيب. وذكّر أعضاء اللجنة الفنية التي ساهمت في كتابة مشروع القانون المرافقون لديلو أن انشاء هذه الآلية يندرج في إطار وفاء الدولة التونسية بالتزاماتها الدولية.
سمير ديلو: لا يجب أن تكون العدالة الانتقالية على مقاس النهضة أو غيرها من الأحزاب وضعت لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بالمجلس الوطني التأسيسي أمس مشروع قانون العدالة الانتقالية على طاولة الدرس، وتساءل نوابها في لقائهم المنعقد بقصر باردو عن مدى أولوية هذا المشروع مقارنة بالمشاريع السابقة المتعلقة بتحصين الثورة وتطهير القضاء والمحاماة، وإنشاء محاكم مختصة، وهل يمكن تحصين الثورة بقانون العدالة الانتقالية والكل يعلم أن مسار العدالة الانتقالية يمكن أن يدوم سنوات وعقود. وعن هذه الاستفسارات أجابهم سمير ديلو وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية في حكومة تصريف الأعمال بصريح العبارة أن قانون العدالة الانتقالية يستوعب القضية، وفيه ضمانات للشفافية التي هي غير متوفرة في المشاريع الأخرى. وقال :"اذا اقتنع النواب بهذا الأمر.. فالأولوية المطلقة يجب أن تعطى لمشروع العدالة الانتقالية". وبيّن أن الحديث عن تحصين الثورة والتطهير مسائل حرجة لأنها "تحيل إلى ممارسات اقصائية ستالينية". وبشأن انشاء محاكم شعبية أو محاكم مختصة نبه الوزير من "إمكانية السقوط في اشكالية سياسية تنجم عن عدم الوفاء بالالتزامات الدولية التي قطعتها تونس على نفسها". ودعا للاحتياط من هذه المسألة. وبين أن مسار العدالة الانتقالية طويل ومعقد ولا ينتهي بتركيز هيئة تصدر توصيات، بل يجب تنفيذ تلك التوصيات، وأضاف أن العدالة الانتقالية "يجب أن لا تكتب على مقاس حركة النهضة أو غيرها من الأحزاب، أو على قياس الوضع الحالي الذي تمر به البلاد لأنها تهمّ الماضي والحاضر والمستقبل". ونصح بعدم التسرع في ارساء مسار العدالة الانتقالية لأن إزالة الركام تحتاج إلى وقت وجهد. وذكّر الوزير النواب أن السلطة التأسيسية الأصلية هي للشعب وهو الذي فوضها لأعضاء المجلس لكي يصوغوا دستورا بناء على السلطة المفوضة..