لئن تكثفت دعوات أهل الثقافة والفنون في المدة الأخيرة إلى حثّ الناشطين في مختلف القطاعات ذات العلاقة بالميدان على تكثيف النشاط والمساهمة العملية في خدمة تونسالجديدة على جميع الأصعدة للخروج من الأزمة المحدقة بها في هذه المرحلة، فإن المسرحي صالح حمودة والمجموعة الناشطة معه في فضاء مسار للمسرح بالعاصمة قد اختاروا هذا المنهج منذ مدة من خلال فسح مجالات الحوار والتباحث حول مسائل حارقة من راهن التونسي من خلال "الفوروم" المفتوح لنوادي ثقافية ومسرحية وذلك بصفة أسبوعية وفق تأكيده لنا. وأفاد محدثنا أنه قرر استئناف النشاط بفضاء مسار بعد أن تعلق نشاط مجموعة مسار للمسرح اثر اغتيال المناضل شكري بلعيد. لتعود المجموعة لمواصلة نشاطها من خلال عمل مسرحي جديد عنوانه "الباش" ليُقدّم في شكل عروض تجريبية انطلقت منذ مساء أمس وتتواصل اليوم وإلى غاية الأسبوعين المقبلين حسب محدثنا. وعلل صالح حمودة هذا التوجه بأنه من منطلق اقتناع المجموعة بأن الفن كان ولا يزال شكلا من أشكال النضال. لذلك اعتبر العودة إلى النشاط وتحويل الفضاءات الثقافية والقاعات إلى ما يشبه قلعة للنضال والتوعية باعتماد سلاح الفنون وتحديدا المسرح. لأنه يرى من واجب الفنان والمثقف والمفكر اليوم المساهمة في بناء تونسالجديدة بتحقيق استحقاقات الثورة على نحو يتسنى فيها العيش الكريم لأبنائها دون استثناءات. كما انه يعتبر من واجب الفنان الانخراط في كل تحرك تشهده الساحات من هذا المنطلق. على نحو تكون قلعة للإبداع والحرية الفكرية على الفن بمختلف قطاعاته ومجالاته كشكل من أشكال النضال ضد منغّصات الحياة وكل ما هو لا إنساني والوقوف سدا منيعا أمام الصعوبات والعراقيل المضيّقة لطرق الإبداع أما فيما يتعلق بهذا العمل المسرحي الجديد فأوضح صالح حمودة أنه عمل مسرحي يطرح قضية الهجرة السرية "الحرقة" على اعتبار أن هذه المسألة تعد الشغل الشاغل لعديد العائلات والجهات في بلادنا. نظرا لما تسببت فيه من مآس ومعاناة لعائلات ضحايا هذه الظاهرة التي لا تزال تستهوي شريحة هامة من الشباب التونسي رغم مخاطرها. واعتبر المسرحية بمثابة طرح فني لمعالجة هذه المعضلة الاجتماعية والرسمية وذلك من خلال اقتراح حلول في جانب التشريعات عبر النقاشات التي تلي العروض. وأكد في ذات السياق أن العروض الأولية لهذه المسرحية التي كتب نصها وأخرجها هي بمثابة دعاية وتعريف بهذا العمل المسرحي ذي المضامين الاجتماعية والانسانية. من جهة أخرى وجه الدعوة إلى الجميع لمشاهدة مسرحية "الباش" مجانا خاصة أنها تستحضر بعض الشباب ممن خاضوا تجربة الهجرة السرية وذاقوا ويلاتها ليتحدثوا عن مغامرتهم ويكشفوا مدى خطورتها وتداعياتها على وضعية "الحراق" النفسية والصحية والقانونية. وبيّن في ذات الإطار أنه انطلاقا من العروض القادمة سيتم استدعاء خبراء في القانون وفي علمي النفس والاجتماع للحديث حول ظاهرة "الحرقة" والتطرق إلى أسباب وتداعياتها على الفرد والمجموعة وذلك باعتماد الشهادات الحية للمارين بالتجربة. لتكون النقاشات التي تعقب عرض المسرحية مناسبة هامة لبحث كيفية معالجة المسألة القانونية على غرار امكانية الغاء التتبع القضائي للحارقين مما يسمح بعودة بعض الحارقين الذين يمرون بظروف صعبة خارج أرض الوطن خوفا من هاجس العقوبة القضائية. واعتبر مثل هذه البادرة قد تشجع بعض الشباب على التراجع عن هذا الخيار الخطير. وأكد صالح حمودة أن مسرحية "الباش" هي من نصه وإخراجه ويشارك في تجسيدها على الركح كل من رانيا النايلي ومحمد اللافي وعماد الساكت ووجدي قاقي وغيرهم.