أوصت الندوة الدولية "المناصرة لكشف الحقيقة: المسارات والآليات من خلال التجارب الدولية" التي نظمتها الجمعية التونسية لقانون التنمية الأربعاء الفارط بالتعاون مع صندوق الاممالمتحدة الإنمائي، بضرورة ضمان استقلالية الجمعيات والمنظمات والتمييز بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي الى جانب اعتماد المعرفة والدراسات الميدانية لفهم المسار الذي يستوجب إنجاحه وانبثقت التوصيات عن ورشتي العمل تعلقت الأولى ب"دور المجتمع المدني في المناصرة وكشف الحقيقة" نشطها الأستاذ عادل حاج سالم خبير في المجال، وارتكزت الثانية التي أدارها الأستاذ عبد اللطيف الحناشي مؤرخ وأستاذ في تاريخ الفكر السياسي الراهن والمعاصر على الاجابة على تساؤل جوهري " أي دور للأرشيف؟ وأي آليات وضمانات قانونية لكشف الحقيقة". ومثلت مناقشة الجوانب القانونية والتشريعية التي ستخدم هذا المجال نقطة اهتمام المشاركين في الورشة الثانية حيث طرحت اشكالية جوهرية ارتكزت حول مدى امكانية استغلال كل من قانون الأرشيف التونسي ومرسوم عدد 41 لسنة 2011 في كشف الحقيقة التي تستوجب فتح الأرشيف، وهنا طرحت اشكالية ثانية مفادها أي من الأرشيفات المستهدفة التي ستساعد على كشف الحقيقة ليتساءل المشاركون عن آليات التدخل ومواصفات المتدخلين لمعالجة الوثائق الأرشيفية. مدى تقدم المسار من اهم التوصيات المنبثقة عن الندوة ضرورة احداث قانون استثنائي خاص بمرحلة العدالة الانتقالية لفتح أرشيف الوزارات المعنية بهذا المسار وهو ما أكده الأستاذ هادي جلاب المدير العام لمؤسسة الأرشيف الوطني في مداخلته حول " دور نظام التصرف في أرشيف الإدارة في ممارسة العدالة الانتقالية" فقد أكد على ضرورة " وضع قانون استثنائي لفتح مختلف الوثائق والملفات التي تثبت الانتهاكات الحاصلة في مختلف الإدارات والوزارات والأجهزة التابعة للنظام السابق" مضيفا ان " إقامة العدالة الانتقالية في وضع استثنائي يتطلب إجراءات استثنائية" ذلك ان " الأرشيف العمومي لا يكفي لوحده لكشف الانتهاكات بل يجب الاستعانة بالشهادات الشفوية وأرشيف الجمعيات التي عرفت بنضالها ضد الاستبداد، كما يمكن الاستعانة بالأرشيف التاريخي على الرغم ما يحتويه من نقائص" مؤكدا ان "الطرف الوحيد المخول له التدخل ومعالجة الوثائق الأرشيفية واستغلالها هو الطرف الذي سيحدده قانون العدالة الانتقالية مبرزا ان الأرشيفات المستهدفة لا تمثل فقط وزارتي الداخلية والعدل وإنما أيضا مختلف الوزارات الأخرى على غرار وزارة التنمية التي سمحت لتهميش المناطق الداخلية حرمانها من العدالة الاجتماعية". غير ان هذه التوصيات تبقى رهينة مدى تقدم مسار العدالة الانتقالية في تونس الذي وصفه جل المشاركين في هذه الندوة الدولية بالمتأخر جداً بالرغم من الجهود المبذولة وهو ما أكده الاستاذ عبد الباسط بن حسن رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان حيث بين ان "مسار العدالة الانتقالية هو بطبعه يستوجب مسارا تشاركيا لإصلاح الذاكرة ومداواة جراح الماضي، وهذا الفعل التشاركي يبنى بمشاركة جميع المجتمع المدني من منظمات غير حكومية ونقابات ومراكز البحوث وأيضاً وسائل الإعلام ولكن أيضا تستوجب مشاركة الأفراد سواء كانت عائلات الضحايا، او الضحايا أنفسهم". التفريق بين الفعل والإيهام ولا تقف هذه التشاركية على حد هذا المنهج فحسب، على حد قول بن حسن، بل تتعداه الى بناء المعرفة التي تتداخل فيها عناصر عديدة من الباحثين والموثقين وغيرهم، "فهو مسار تشاركي بطبيعته وعندما تنتفي صبغة المشاركة يسقط هذا المسار ويتحول الى عملية بيرقروطية أو يقع إحتواءه سياسيا" ولكن المهم جداً ان "نفرق بين التشاركي والإيهام بالمشاركة كأن نقول الاستشارة أو تعويضها بمفاهيم أخرى، لأن المشاركة تعني المشاركة في تحديد الرؤية، وفي بلورة القرار وصياغته وأيضاً في تقييم مدى تطبيقه، أما ان نعوض التشارك بالاستشارة فان ذلك لا يؤدي الى أي نتيجة في مسار العدالة الانتقالية" وفي تقييمه للمسار التونسي يرى بن حسن أهمية "التأكيد على ان المسار انتقل من فكرة المشاركة الى فكرة الاستشارة ثم إلى التعتيم النهائي لهذه العدالة، فالثورة في تونس فتحت المجال للمشاركة في صنع القرار، وهي مسألة انتفض من أجلها الشعب التونسي باعتبارها قضية حق التي ترتبط بالمواطنة والتي بدورها مرتبطة بالكرامةً، فهناك ارتباط وثيق بين قضية المشاركة وبين مسألة الكرامة المتعلقة بالتنمية وغيرها" ومشاركة المجتمع المدني في صياغة القوانين والمراسيم أدى الى نوع من التغيير على مستوى فكرة القانون في حد ذاته. تحديد الأدوار وقال بأن الرغبة في المشاركة انعكست بشكل كبير في مفهوم العدالة الانتقالية منذ أفريل سنة 2011 ووقع فيها تحديد المفاهيم والأهداف وحددت الأدوار ثم توالت الندوات والدورات التدريبية في مختلف الجهات التونسية. وتسائل: لكن اين نحن الآن من هذا المسار؟ فالموضوع مازال يراوح مكانه على حد قول بن حسن " فهناك بطء في المسار وهي خسارة كبيرة بالنسبة لبلدنا لان كل شيء جاهز لتحقيق العدالة الانتقالية، فهذا التأخير في الشروع في هذا المسار نتيجته ما نراه اليوم من توتر وارتباك وغموض وقلق، الى جانب انه خلق جوا من الإحساس بالظلم والغبن ومن عدم الثقة وجوا مأسويا عند الضحايا وعائلاتهم" كما افرز هذا التأخير" إرباكا في المفاهيم وإدخال العدالة الانتقالية في التجاذبات السياسية وهذا من أخطر المسائل الى درجة ان أناسا مظلومين منذ أكثر من عشرين وثلاثين سنة رأيناهم يعتصمون من اجل العفو التشريعي العام يحصرون مطالبهم في المسألة المالية وهي من أكبر الإهانات بالنسبة لهؤلاء الضحايا، إذن التأخير أدى الى بداية فقدان رؤية واضحة حول الضحايا، فاصبحوا مجزئين، فوقع بالتالي تجزئة العدالة الانتقالية وتحويل الضحايا من مبدأ العدالة الى مبدأ الإنسانية والخيرية" في ضوء ذلك يجب" العودة وتحديد الاولويات منها ضرورة الانطلاق في هذا المسار بأحداث الهيئة التي ستشرف عليه والعودة الى وضع المسار في إطار حوار وطني شامل، فالآن نحن في وضع أزمة سياسية دخلت مرحلة خطر فدخلنا في مرحلة أخرى من مراحل انتهاكات حقوق الإنسان، فعدم إصلاح المؤسسات الأمنية والعدالة في إطار هذا المسار سيحرمنا من إمكانيات معالجة الانتهاكات التي وقعت والتي قد تقع" ضرورة عودة المسار العودة بالعدالة الانتقالية الى وضعها الطبيعي يجب ان يتم في إطار مسار العمل الوطني الجماعي وابعادها عن التجاذبات السياسية ووضعها في مؤتمر إنقاذ وطني لما تقتضيه المرحلة من اجراءات استعجالية بمشاركة كل المواطنين والمواطنات" تبقى كيفية العودة رهينة مدى قدرة المجتمع المدني للتفاعل مع هذا المسار وهو ما تندرج في إطاره هذه الندوة الدولية حيث أكدت سهام بوعزة رئيسة الجمعية التونسية لقانون التنمية ان هذه الندوة تندرج ضمن مشروع حول العدالة الانتقالية انطلقت الجمعية في إنجازه بالتعاون مع برنامج الاممالمتحدة الانتمائي منذ شهر أكتوبر 2012 ، ليمتد على مدى سنة من تاريخ الانطلاق ويحمل إسم "المناصرة من أجل كشف الحقيقة" يهدف الى التوعية والتثقيف والتأطير والإلمام بمبادئ العدالة الانتقالية ومفاهيمها الذي سيقع تنفيذه بثلاث ولايات من الجمهورية التونسيةنابل، قفصة وجندوبة. وينقسم المشروع الى ثلاث مراحل تمثل هذه الندوة أولى المراحل أما خلال المرحلة الثانية فسيقع انجاز مسحا ميدانيا بالولايات المذكورة لرصد مدى وعي الناس بمراحل العدالة الانتقالية وطموحاتهم ومدى استعدادهم للمشاركة في هذا المسار إلى جانب انتظاراتهم من المجتمع المدني الوطني والدولي ومن الجهات الرسمية وكافة الفاعلين بالمسار، وسينطلق المسح الميداني موفى شهر مارس 2013. في حين ستكون المرحلة الثالثة بانجاز دراسة على ضوء نتائج المسح الميداني، وستقوم الجمعية التونسية لقانون التنمية بإنجاز فيلم وثائقي يروي " قصة حياة المشروع الذي سيلخص انتظارات ومشاغل المستجوبين" يذكر انه تم خلال الندوة الاستماع الى التجربة المغربية التي قدمها الخبير الدولي إدريس بلماحي من مركز البحوث وحقوق الإنسان والديمقراطية من المغرب الى جانب التجربة البرتغالية التي قدمتها الأستاذة ماريا إيربانو خبيرة في العدالة الانتقالية من البرتغال، فيما افتتحت السيدة نجاة بن صالح ممثلة برنامج الاممالمتحدة الانمائي لتليها كلمة كل من السيد سانقو لييال ممثل منظمة " ايدلو" الدولية بروما لتليها مداخلة السيد أديلينو ديسيفو المستشار الثقافي لدى سفارة البرتغال بتونس.