لماذا تتأخر فرنسا الشريك الأول لتونس في الاعلان رسميا عن الترحيب بتشكيل حكومة السيد علي لعريض ونيلها ثقة المجلس الوطني التأسيسي وتبادر إلى ذلك دولة صديقة مثل كندا التي لا تجمعها بتونس لا روابط تاريخية «عريقة» ولا توجد بها جالية تونسية كبيرة؟ ولماذا يرحّب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بتشكيل الحكومة التونسية ذاتها ويقول بالحرف الواحد أن «الولاياتالمتحدةالأمريكية مازالت صديقة للشعب التونسي وستستمر في دعم الانتقال إلى ديمقراطية تدوم يتوفر فيها احترام وحماية كل التونسيين» ويصمت بالمقابل وزير الخارجية الفرنسي «فابيوس».. أسئلة ربما تكون وجيهة أو مشروعة لكنها لا تبدو لازمة أو ضرورية للتدليل على أن هناك اليوم «أزمة» تواصل قائمة بالفعل بين فرنساوتونس الثورة... أو على الأقل بين فرنسا وقطاع عريض من التونسيين على اعتبار أن الفريق الحاكم في تونس اليوم هو الذي يمثل الأغلبية داخل المجلس الوطني التأسيسي.. لا نريد أن نعود إلى «وقائع قديمة» عمل جاهدا السفير الفرنسي بتونس السيد «فرانسوا قويات» على تطويقها وتجاوزها بسرعة وقد أمكن له ذلك نسبيا بفضل ثقافته وخصاله الدبلوماسية مثل التصريح العدائي الأرعن لوزير الداخلية الفرنسي «امانويل فالس» في حق الدولة التونسية غداة اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد أو التصريح المثير لرئيس حركة «النهضة» الشيخ راشد الغنوشي الذي قال فيه أن «فرنسا هي أقل البلدان فهما للإسلام وللتونسيين» إذ أكد السيد «قويات» في ندوة صحفية عقدها بتونس بتاريخ 26 فيفري الماضي مباشرة بعد تصريحي ايمانويل فالس والغنوشي بان «فرنسا لم تتدخل سابقا ولن تتدخل مستقبلا في الشأن الداخلي التونسي.. وهي تسعى إلى انجاح أي اختيار يختاره الشعب التونسي في الانتخابات.. وان المهم بالنسبة لفرنسا هو نجاح المسار الانتقالي في كنف الديمقراطية. «حادثة» الاحتجاج المؤسفة التي تعرّض لها منذ أيام السيد «فرانسوا قويات» بالمركب الجامعي ببنزرت هي التي جاءت لتؤكد أنه لايزال مطلوبا من السفير الفرنسي الكثير من العمل والجهد من أجل رفع «الالتباس» الحاصل لدى شباب تونس الثورة بخصوص حقيقة الموقف الرسمي الفرنسي من مستجدات الواقع السياسي والثقافي في تونس ما بعد الثورة... بل ربما يجوز القول أن هذه «الحادثة» غير المسبوقة هي في العمق رسالة «توبيخ» تستهدف الحكومة الفرنسية أكثر منها موقف سلبي من شخص السيد «فرنسوا قويات» الذي يحظى باحترام كبير في الأوساط السياسية والثقافية في تونس الثورة.. أكيد أننا لن نضيف جديدا ولا مفيدا إذا ما طفقنا نعدد ونورد الأرقام والإحصائيات والشواهد التي تؤكد أن فرنسا كانت وستظل الشريك الاول لتونس على الصعيد الاقتصادي وأنها دائما هي الأقرب ثقافيا وذوقيا إلى «مهجة» عموم التونسيين جيلا بعد جيل ولكن ما نريده تحديدا هو أن تنتبه الطبقة السياسية الفرنسية بمختلف مكوناتها وتوجهاتها إلى حقيقة التغيير السياسي الجوهري الحاصل في تونس الثورة.. تونس الحراك الاجتماعي والتعددية والحريات.. تغيير يدرك السيد فرنسوا قويات بالتأكيد كنهه ومرتكزاته وقواعده الثقافية الصلبة.. الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند له زيارة منتظرة لتونس مقررة لشهر ماي المقبل.. نحن الان في شهر مارس ومع ذلك نقول: أهلا وسهلا..