- السالكون في طريق التأسيس والبناء، قليل وهم الآن أقل،الصادقون زمن الليالي القاتمة التي مرت بالوطن نفركانوا وهم الآن على ضوء مصابيح الوطن اقل وقليل ما هم . الاستبداد... ذاك الأخطبوط الاصطناعي المركب والمتعدّد الأجنحة والأطراف، جمعهم وفرق من كان يضمرالدوران حولهم، جمّع الأوفياء لمبادئهم والمؤمنين بالمسيرعكس خط سيرالسلاطين، والمستعدين لتقديم الغالي والنفيس من أجل رؤاهم التي تناهض رؤية الباب العالي، وفرق من كان يروم أن يلتحق بهم، فيهم من الأتباع والحالمين وحتى المنشدين الكثير. الاستبداد....كان، يخترق الجدران والهياكل والأجسام والأفكار والأرواح، لأشعته...قوة نفاذ تعادل أشعة «اما» بالرغم من سرعته البطيئة في حالات الاستعصاء والرقابة والمسؤولية،إلا الأوفياء لرؤاهم والمؤمنين بعدالة منهجهم والذين في سلوكهم ومعايشهم التطابق والتجانس الفعلي بين تصوراتهم النظرية وأدائهم العملي،الإسلامي منهم أوالقومي أواليساري أوالليبرالي أو من يأخذ من كل الذي سبق بطرف، فانه لم يستطع أن يغيرمن قيمتهم الإنسانية الأصيلة التي حفظتهم من الانحناء أوالطأطأة لشخوص الاستبداد مع بعض الاستثناء أين استطاع مستشارقلاع الفساد أن يجرّبعض القامات إلى حدائقه الخلفية باستعمال جميع الطرق وأرشيف الأمن السياسي هوالذي يشخص كيفية السحب الجهنمي، علما ان هذه الحالات لا تخلومن وطأتها أي تجربة إنسانية، لأن هناك من يصمد وهناك من يسقط ولو في الربع الساعة الأخيرأوفي الوقت بدل الضائع ولأن أيضا عفن السلطة يتمّ تسريبه إما بالإغراء أوبالسيف، في هذه المرحلة التي تسمّت بمرحلة العذابات أومرحلة الجمروالصهرالممنهج في مدينة للملح وهي على المستوى النفسي تميزت بإحساس جمعي بالاختناق والانكسارات والتشظي وبتضخم للفردانية المتألمة والوحدانية مع هواجس متشعبة من الخوف من ان يستفرد بهم ذئب الاستبداد. في مرحلة ما بعد الاستبداد، مرحلة المعاني في اللامعنى أحيانا، مرحلة الخليط وفضاء المابعد ثوري، أين تغيب الهويات المعنوية إلا هويات اللباس والمنبروالساحات والبلوريتاريا المقنعة، مرحلة ما بعد الدفقة الثورية الأولى أوما بعد طلقة الألم التي نتمناهاالأخيرة،فالمارون كثروالمتجمهرون أكثروالمتجمعون على جثة العنقاء، سرا وعلنا، لا يحصوا عددا، والحالمون بتقاسم الغنائم مع تقاسم الأدوارفالشوارع الخلفية لم تستوعبهم. أما السابقون، السالكون الأولون، فقد قلّوا، دخل لبعضهم دخن وعطن، عطن الأرائك التي اعتقدوها اعتقادا أصوليا أرثوذكسيا، يسارهم ويمينهم، محولا لساحة الحرية ولشارع العدالة الاجتماعية، ودخن قوائم كراسي القصورالسيادية، ولم يبق من لم تمسّه نشوة الركوب على صهوة الثورة إلا من رحم ، وهم الآن اقل من القليل، ومن لم تستطع عصا الاستبداد وعسلها أن تحني ظهره فان التزلج على قشدة التأسيس اسقط الكثيرمن الحالمين بالتربع على البابوية، أما الأوفياء الخالصون من الزنك أوالنحاس فلم تغيرهم أوتغيرتنعمهم وغناهم الداخلي الدفقات الثورية ولا المابعد ثورية أوالثورجية ولا الوقفات الرمزية أوالافتراضية التي تغذّي تضخم الذوات والرمزيات الجوفاء، وحافظوا بالتالي على توهجهم الداخلي والخارجي وهم الآن أكثر حساسية وخوفا على عملية البناء الوطني، وهم الآن في ارتياب من الغزل السياسي المبالغ فيه وتوجّس من خيوط المغزل السلطوي الذي ينمو، هم الآن اقل لأن المحن تصلب العود وتجمع المتجمع أما إشعاعات الغنائم المتمناة، في السياسة والثقافة والمال...، في تداخل فيزيائي مع «التحربب» السياسي(من الحرباء أو من حربوب) والانقسام البيولوجي الحزبي، فان قوة نفاذها احد واكبروهي تصل إلى المركبات النووية للخلايا إضافة لمذاق العسل المغري وجزيئاته «الممغنطة» وذراته إن هضمت تسري في عروق الروح مسرى الدم من الجسم، لهذا ترى أثارالنعمة والبياض والرفاه على وجوه بعض الإخوة والرفاق... وبعض المساجين القدامى، بعد أن كنا نرى عليهم اثر السجود والشحوب والاصفرار والفزع من التعب والسهروالحمى والغثيان.... إذن... طريق الوفاء في مرحلتين مختلفتين صعب والسالكون فيه اقل من القليل، وأمثال'أبا ذر' نوادرفطوبى لهم ، وطوبى لمن استطاع إلى ذلك سبيلا ولمن حافظ على توازنه، الفيزيائي النفسي والروحي والمعرفي، بعد التدفق «الثورجاني» والهذيان القيمي، فالمنابروالمجالس والمساجد والساحات والأزقة والشوارع والحانات والمقاهي والمطاعم والنزل والمنازل....اغلبها أضحى محطات عبور للقطارات المُثوَّرة. ووطني الآن في أمسّ حاجة لطينة من هؤلاء الأوفياء الذين لم يغَيِّر من هيأتهم وشحناتهم وهالاتهم تعاقب الليل والنهار. والله نسال أن ينجينا من الآت.... وفيه تنحسرالذات في ظل هياكل سياسية مستنسخة، مركبة، موهومة بالفناء، محنطة ومتكلسة. دمتم سالمين. باحث وسجين سياسي سابق