من أكثرالحركات التونسية التي شغلت الرأي العام والخاص، ومديري البلاتوات، طيلة أكثرمن ثلاث عقود، تتموقع دائما، بإرادة وبعكسها، في قلب رحى المعارك السياسية، الاجتماعية والثقافية والآن الافتراضية، التي مربها الوطن من بداية النهاية للشيخوخة السياسية البورقيبية، إلى اللحظة الراهنة التي اختلطت فيها ألوان الأطياف المختلفة. كل المعارك التي دخلتها أوأدخلت فيها، بالمكروالدهاء أو قسريا...، طحنت فيها طاقات وجيرت ثروات وانتهكت الحرمات وديست على الكرامات ، ولَقّح إثرها الاستبداد الفساد وأنجب لنا من مقدمته ومؤخرته وفي كل مرة سجلات من الخيانات والسرقات ...،وعبركل المسارسقط من سقط ، تألم من تألم وتجرع المرارة من تجرع وأيضا استفاد من استفاد ، من داخل النسق ومن خارجه، ومع كل المرارات التي رافقت القافلة لم نشاهد كشفا للحساب، الذاتي أو الموضوعي. ساهمت بقسط كبير، بوعي و بدونه، في تشكيل لوحة الوطن في العقود الأخيرة، وعي مشبع بهواجس داخلية عليها ومن محيطها وخارجيا متصلب بالريبة والخوف منها وعليها، وفي قلب النواة دائما و تحت المجاهرأبدا، تمشيات القادة وخياراتهم وخرائط طريق الجهاز السميك. اُدْخل الوطن عنوة مربع الأزمات والاختناقات وأُسس لنهج تجفف عبره منابع البلد، التاريخ والجغرافيا الإرث والموروث الثقافة والهويات،لأن ذلك يقود إلى إزاحة منافس شرس»وهذه من مفاخر و نظريات أساتذة الاستئصال الاجتماعي وتجفيف منابع المنبت الثقافي والذي أعطانا نماذج من صحراء ماضوية». وكمتابع من داخل المنظومة الحركية في الماضي مترافق بوعي طفو_شبابي والآن-هنا من خارج ومتناسب مع الطفرة الثورية المباغتة، لاحظت وألاحظ، أولا، أن النسق الثوري لا ينسجم مع التركيبة البنيوية والذهنية السلوكية ل»الكواركات»المحافظة ذات الأوليات الأميرية والماقبليات في هندسة السمع والطاعة. ثانيا، أن الكم الهائل من التفاعلات الداخلية والديناميكية الانتراحركة وارتفاع منسوب الحرارة الداخلية تبقى مفاعيلها ومفعولاتها محدودة في إنتاج تغيرحقيقي في الخيال والتمشي والتصورات وبالتالي تعميق الوعي المقارن بالسالف وبالراهن من جهة التحديات والمعوقات وبالنظرالاستشرافي الاستراتيجي والمستقبلي وبراغماتية المخيال التصوري للمخارج والحلول في ظل المآزق المركبة والمتوقعة، وهو وعي جمعي مكثف ومركز، في الأطراف والمركز، يسند ظهره دائما لحائط سميك ومحافظ متعدد التراكيب والأوجه، ينشد مسارالعمرين ويقتفي أثر معاوية وعبدالملك السلطوي، ابرزأسواره الرؤى الأميرية التي تبشرنا في ظل انحطاطنا بجنة عدن إسلا-علمانية، وفي قمة الهرم يتربع المرشد والمفكرالسياسي ومن لم ينتظم ويتنظم ينزاح رويدا رويدا للأطراف ولو كان مورو ويدخل غياهب الذاكرة التي في حوصلتها ينام مستبد صغير»وهي المشترك الوحيد بين كل الفئات يتقلص مع المعارضة وتنتفخ أوداجه مع مركبات السلطة» . هي منظومة ذهنية، سلوكية وعاطفية خليط بين هذا وذاك مع فائض من السمع والطاعة والإجلال والانضباط كما يكنيها الرفيق الحداثي»الماكينة». وفي الحركة تنظيم وذهنية لها صلابة ومهابة وهالة وتموجاتها قوية وحادة تخترق الأجنحة والكتل والأجسام داخل نفس المنظومة لذلك فكل إرهاصة ولادة أوأوجاع مخاض داخلي تقدم رؤية منقحة وتصور جديد يختلف منهجيا وبنيويا وتصوريا عن السياق القائم يظهر بعد التعب والسهروالحمى كولادة كاذبة بعد تعرضه لعملية «هرسلة» ومحاصرة مما يؤدي به في حالات الإصرارإلى إجهاض قبلي مع الحرص على تجنّب تكلفة باهضة تظهر للعموم كصراع وانقسام، ولأن مآل من يصركمآل الفراشة التي تصرعلى النفاذ لوهج المصباح الضوئي. لكن الدوافع والضغط إن كانت من خارج فهي تحدث ارتدادات ولو على كره، حتى وان مسّت البنية والمنهج والرؤية، مما يؤدي في أكثر الحالات إلى تنازلات أكثرمن مؤلمة ، وكانت تكلفتها تكون أقل لو تم ّ الاستماع جيدا وبحكمة للنبض الداخلي وحراكه، وتقريبا كل الضغوط الخارجية إن كانت من السلطة القمعية أوالمجتمع الأهلي أومن المؤسسات، أدت مرادها ووصلت في بعض الحالات إلى أفضل ممّا هو متوقع للخارج وأسوأ ممّا هومنتظر للداخل، وكان الدفع «كاش»من جهود الأبناء وأرواحهم ودماءهم وأموالهم وتطلعاتهم تصل في بعض حالات «البارادوكسال» للتضحية بالشباب كي يستمتع الكهول بالنظر والرؤيا. والباعث على التساؤل والحيرة أن المركب العقلي للحركة يرفض ويتحفزلكل جسم داخلي يبغي النمووالتطورويٌوءد حتى وان كان هدفه التصحيح أو إعادة التموقع والتشذيب أو تدوير زوايا وتوزيع جديد لأوراق، علما ان التكلفة تكون اقل والفاعلية أنجع والمردودية أفضل وحينها تستنجد المركبة بالمربع المحافظ وبكل المقولات الدارجة لدى تيارالإسلام الحركي العربي والمشرقي بالخصوص. وبما أن هذا الضجيج الصامت والحراك الداخلي لا يبرزفي الرخاء وإنما في أوقات الشدة والأزمات المتتالية والمركبة بعضها فوق بعض فهي إما تترافق بضغوط خارجية أوتأتي تالية لها، فان مدى الضغوط وقوتها يؤديان لأفضل مما كان متوقعا ومطلوبا من قبل المكون الداخلي ، ممّا يجبرها على أن تدفع ضريبة أكثر، ولو ترفقت واقتنعت داخليا لما وصلت إلى الوضعيات المُشكلة وجراء التنطع والمكابرة وتضخم الأنا وتفرع النرجسية الذي يصل حد الخيلاء تضع حالها موضع الابتزازمن كل الأطراف الصديق قبل الخصيم، وتعاشرلحظة التيه بامتيازويؤسس الفعل على رد الفعل واللهث وراء الأحداث دون اللحاق بها وتبقى شعرة معاوية مشدودة دائما من خارج، وهذا لعمري قلة حكمة ووعي ودراية ، مع كثرة الرواية، بما هوواجب تقديمه اليوم كي لا يقدم أكثرغدا، وقلة حرفية ومهنية وواقعية في التعامل مع التحديات بأنواعها، وللتعمق أكثرلنا في تاريخ المواجهات والمجابهات وعبركل محطات «التدافع» التي خاضتها الحركة ، والآن الحزب، أحسن مثال،بدءا بالتفاعلات الداخلية التي انتهت باصدار(15-21 )التقدمية الى المحن المتعاقبة من 81 إلى 84 و87 و89 ومن بعد طيلة عقدي الملح والجمر؛ والآن وهنا على الركح الوطني التأسيسي مع المرقص القصاص وفي ظل حكومتينا العتيدتين تحت المسمّيات المركبة «ترويكا» أو «تتريك» أو» تربيع» أو حتى»تخميس» و»تسديس» مع فضائل التقاسم والانقسام.وربنا يستر. ودمتم سالمين من التشوهات التي تحدثها الانفجارات النووية لأهل السياسة وأهل الساسة في المعاني والمباني. * باحث وسجين سياسي سابق