عادة ما تكون الاستعدادات على أشدها في مثل هذه الفترة من كل سنة في البلديات ودوائرها، في مصالح الديوان الوطني للتطهير ووزارة التجهيز للقيام بحملة وطنية واسعة للنظافة تشمل كافة الأحياء والطرقات والوديان وغيرها من الأماكن التي عادة ما تكون عرضة لتجمع الأوساخ وتراكماتها خلال فصل الشتاء. هذه الحملة علاوة على أنها تأخذ الطابع الرسمي وتتضافر جهود كافة المؤسسات ذات الشأن بهذا الجانب للقيام بها، فانها وفي الكثير من الأحيان تأخذ طابعا تطوعيا شعبيا واسعا تشارك فيه بعض قوى المجتمع المدني والكشافة والتلاميذ، كما يعمد السكان في عديد الجهات الى القيام بها اسهاما في نظافة محيطهم واستقبالا لفصلي الربيع والصيف في محيط نقي من الشوائب التي تعكر صفوهم. لكن هذه الظاهرة قد اختفت أو قل تراجعت بشكل ملفت للانتباه منذ ما يقارب السنتين، وحل محلها تهاون شامل بخصوص نظافة المحيط، فما عادت البلديات ودوائرها ولا النيابات الخصوصية تقوم بواجباتها اليومية في رفع الفضلات المنزلية، وما عادت بعض النشاطات وفي مقدمتها حضائر البناء تكترث باحترام التراتيب وتتخلص من فضلاتها في الأماكن البعيدة عن العمران. وهكذا تكاثرت النقاط السوداء والبؤر والأوساخ في كل مكان، وتم الزحف على المساحات الخضراء وعديد الحدائق العمومية والساحات والشوارع لتتحول الى مصبات للفضلات، ولم تعد النشاطات البلدية مكترثة بهذا الوضع الخطير مما جعل الفضلات المنزلية لا ترفع الا بعد أيام، وهو ما تسبب في انتشار الروائح الكريهة وخاصة دخان تلك الفضلات التي كثيرا ما يقع السعي الى حرقها للتخلص منها. هذا الواقع الخطير الذي ألم بالمدن والقرى وسكانها في كافة جهات البلاد ماعاد يحتمل، وهو قد جاء نتيجة سياسة خطيرة تجاه البلديات التي يقع السعي الى الهيمنة عليها باعتبارها مرافق حساسة جدا يمكن من خلالها النفاذ الى الأوساط الاجتماعية لجذبها الى سياسات الأحزاب المتصارعة حول السلطة، وهو ما جعل خدماتها تتراجع بشكل ملفت للانتباه أو تجمد نشاطاتها وسط تجاذب ما انفك يتزايد لينسى دورها الاجتماعي الذي جعلت من أجله. ولعلنا نبقى اليوم في أمس الحاجة الى الخدمة البلدية التي تعودنا عليها والى حملات النظافة التي تزيل كل الشوائب، لكن في ظل ما يجري من تجاذب وانفلات هل يمكن للبلديات أن تعود الى دورها ونشاطها اليومي وتقوم بيوم وطني للنظافة!