بطريقة لا تخلو من الإبداع الفني ولكن أيضا بطريقة لا تخلو من الرسائل المشحونة اختار شباب فلسطينالمحتلة في الضفة الغربية استقبال الرئيس الأمريكي باراك أوباما على طريقتهم الخاصة بما قد يدفع بالزائر الأمريكي الى التخلص من النظارات القاتمة التي تحجب عنه رؤية المشهد الفلسطيني على حاله. شباب فلسطين استقبل الضيف الأمريكي بأغنية تحمل عنوان «أوباما جاي» روجوا لها على الشبكات الاجتماعية تحسبا لمنعهم من طرف السلطات الرسمية من تبليغ صوتهم المكتوم عن المعاناة اليومية للمواطن الفلسطيني في مواجهة انتهاكات الاحتلال من حواجز أمنية وتوسيع للمستوطنات ومصادرة للأراضي وقطع للارزاق واستهداف للمخيمات والملاجئ واعتداء ممنهج للأسرى والاسيرات كل ذلك بطريقة لا تخلو من التهكم والسخرية من مختلف اتفاقات السلام وما جناه الفلسطينيون من مفاوضات السلام التي منحت الاحتلال الامن والأرض وضاعفت معاناة الفلسطيني على أرض أجداده التي تحولت الى كانتونات مشتتة. طبعا لو كتب للرئيس الأمريكي أن يستمع لاغنية شباب فلسطين سيدرك حتما رسالتهم المباشرة الى سيد البيت الأبيض في ولايته الرئاسية الثانية وقد انعتق من حسابات الربح والخسارة للموسم الانتخابي القادم ومن هاجس كسب ود وتأييد اللوبي اليهودي الأمريكي وربما سيفهم أن هذا الشباب الفلسطيني جزء من شباب العالم وأنهم دعاة حياة وليسوا دعاة موت وانتحار أو ارهاب وأن حلمهم في إقامة دولة فلسطينية لا يقل عن حلمهم في الحرية والكرامة والعدالة.. لقد وجد الرئيس الأمريكي بالأمس وهو يزور رام الله السجاد الأحمر في انتظاره وقد اجتهد رئيس السلطة الفلسطينية في استعراض كل متطلبات بروتوكولات الاستقبال الرسمي من النشيد الوطني الى تحية العلم الفلسطيني الى الحرس الشرفي بما يدعو للاعتقاد بأن الدولة الفلسطينية حقيقة قائمة وربما لا تنتظر سوى الاعتراف المؤجل من أصحاب القرار في واشنطن ونيويورك وبروكسيل. طبعا لم يتأخر الضيف الأمريكي في ابداء اعجابه بالجهود الفلسطينية المبذولة فلم يبخل على مضيفيه بالثناء ولم يتأخر في استحضار وعود سلفه وتجديد التزامه «بسعي واشنطن لاقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة ومتواصلة جغرافيا» كل ذلك مع تجديد الوعود بأن كيري سيخصص مزيد الوقت لردم الهوة وبناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأن واشنطن ستوفر مزيد المال لتشجيع الفلسطينيين على السلام، وقبل أن يطير أوباما الى الأردن لاستكمال جولته في المنطقة ستكون السلطة الفلسطينية قد أدركت أن وعود أوباما للشعب الفلسطيني لا تعني شيئا أمام حقيقة المساعدات الامريكية المخصصة للحليف الإسرائيلي. بل ان الطريف أنه مع كل زيارة لرئيس أمريكي الى الشرق الأوسط تتسابق الأوساط الإسرائيلية في التأكيد على أن الرئيس السادس والاربعين للولايات المتحدة هو الأكثر دعما وتأييدا للدولة العبرية ولكن الواقع أن الامر ينطبق على كل الرؤساء الأمريكيين ولا مجال للمفاضلة بين ديمقراطي أو جمهوري ولا بين استحقاقات الولاية الأولى لسيد البيت الأبيض أو الثانية فقد كان ولا يزال الولاء الأمريكي وليس العكس مطلقا للحليف الإسرائيلي.. وبالعودة الى زيارة أوباما الى المنطقة فقد يكون من المهم التوقف عند بعض الاحداث التي رافقتها فهي تأتي بعد اعلان تشكيل حكومة إسرائيل التي تعد الأكثر تشددا منذ نشأة إسرائيل، وهي تأتي أيضا في الذكرى العاشرة لاحتلال العراق مع كل ما يجب أن تثيره فينا هذه الذكرى من دروس ومواعظ وتأتي في خضم الازمة المدمرة التي تعصف بسوريا منذ أكثر من سنتين وبالتزامن أيضا مع تواتر التسريبات عن شروط للحلف الأطلسي للتدخل في سوريا على طريقة ليبيا، ودون أن ننسى أنها تأتي أيضا قبل أيام على موعد القمة العربية المرتقبة في قطر نهاية الشهر الجاري وما يمكن أن يعلن من قرارات في سوريا بعد توجيه الدعوة للمعارضة للمشاركة في القمة التي تدور بشأنها تساؤلات كثيرة حول الدور القطري ما ظهر منه وما خفي في دول الربيع العربي وما اذا ستشرّع القمة الطريق لتدخل عسكري أطلسي في بلد عربي اخر لاسقاط نظام الأسد.. وفي انتظار ما ستفرزه جولة أوباما في نهاية المطاف يبقى الحدث الرمز الذي ارتبط بزيارة أوباما الى المنطقة بتزامنه أمس مع مرور خمس وأربعين عاما على معركة الكرامة التي يبدو أنها غابت عن الاذهان ولم يعد لها موقع لدى السلطة الفلسطينية سواء سلطة فتح في الضفة أو حماس في غزة بعد أن استفحل بين الطرفين النزاع فنسيا أو تناسيا أصل المصيبة التي تهدد الوجود الفلسطيني وهي الاحتلال الإسرائيلي الذي وجد في الصراعات والاختلافات التي تشق صفوف أبناء القضية الواحدة ما جعل الجناة يواصلون اقتراف مجازرهم واقتلاع مزيد الأشجار وتدمير مزيد البيوت وأسر مزيد النشطاء وتنفيذ مزيد الاعدامات دون تردد أو حساب.. بعد كل هذا نسأل هل توقف أوباما عند قبر عرفات؟ وهل سار عند جدار الفصل العنصري وهل خبر حجم المعاناة على المعابر والحواجز الأمنية؟ وهل تحدث عن الاسرى والاسيرات واللاجئين؟ وهل طالب بكشف حقيقة الترسانة النووية الإسرائيلية؟ وهل نطق بكلمة الاحتلال؟ وهل طالب بتحقيق العدالة الدولية وتنفيذ قرارات الأممالمتحدة؟ الجواب طبعا فلا تنتظروا من أوباما شيئا أكثرمن تلك المساعدات المحدودة التي تعلن بين فترة وأخرى لتكميم الافواه وبناء الأوهام في انتظار السلام الموعود.. ربما آن الأوان أن يدرك الفلسطينيون وبقية الشعوب العربية وبالدرجة الأولى تلك التي لا تمتلك ثروات نفطية حقيقة ما ردده اسلافنا بأنه ما حك جلدك الا ظفرك وبأن تغيير أحوالنا وتقرير مصيرنا بأيدينا فاما أن نخلع عن أنفسنا ثوب التواكل ونستعيد عقولنا المفقودة وضمائرنا النائمة ونحدّد طريقنا للخلاص من الانقسامات والانشقاقات والفتن ونتجاهل تلك الفتاوى المعادية للعقل البشري وللعلم والفكر والاجتهاد والتطور والخلق والابداع في مواجهة الاحتلال والتخلف والرداءة والا فلنرض بما يقرره لنا الآخرون بعد انتهاء ولاية أوباما وربما انتظار أن تعود احدى بناته لقيادة البيت الأبيض فعسى أن تنتبه حينئذ لمن سيكون على قيد الحياة من الأجيال الراهنة والقادمة...