نبيل عمار في زيارة لشركتيْن تونسيتيْن في الكامرون    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بوزير الثقافة الإيطالي..    وفاة الصحفي كمال السماري    حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ بهذه الولاية..    تونس: إمضاء اتفاقية تمكن صغار مربي الماشية من إقتناء الأعلاف الخشنة    صفاقس : خطأ عند الانتاج أم تحيل على المستهلك    بطولة الرابطة المحترفة الأولى: النتائج والترتيب    دورة مدريد: أنس جابر تنتصر على الكندية ليلى فرنانديز    6 مليارات لتسوية ملفّات المنع من الانتداب…فهل هيئة المخلوفي قادرة على ذلك    طقس الليلة    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    وزير الثقافة الإيطالي: نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس    تامر حسني يعتذر من فنانة    ملكة جمال ألمانيا تتعرض للتنمر لهذا السبب    أمين قارة يكشف سبب مغادرته قناة الحوار التونسي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    مصر.. تصريحات أزهرية تثير غضبا حول الشاب وخطيبته وداعية يرد    وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    استقرار نسبة الفائدة الرئيسية في تركيا في حدود 50%    بي هاش بنك: ارتفاع الناتج البنكي الصافي إلى 166 مليون دينار نهاية الربع الأول من العام الحالي    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    عاجل/ نحو إقرار تجريم كراء المنازل للأجانب..    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    تونس تسعى لتسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لليونسكو    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة الموت المقدس 1.. من الإستهداف إلى التجنيد
نشر في الصباح يوم 23 - 03 - 2013

مشهد غريب ذلك الذي شهده مطار كمال أتاتورك باسطنبول بتركيا، امرأتان تصرخان في وجه شاب ملتحي وهما في حالة بكاء وحزن..ومن جهته يحاول الشاب تهدئتهما، ويكفكف دموعهما، في وقت اجتمع فيه جمع غفير لمتابعة هذا المشهد.
القصة باختصار أم وزوجة ابنها تحاولان ثنيه من الذهاب نحو الجنوب، إلى أرض الشام، حيث فتحت أتون جحيم حرب تؤرق المنطقة، بين معارضة مسلحة وجيش نظامي.
ولعل حظ الأم في مثل هذا المشهد كان أكثر من بعض الأمهات الآخريات اللاتي يحترقن لوعة على أبنائهن الذين توجهوا في»رحلة موت» إلى سوريا، حيث ارض الجهاد ضد «النصيريين» وحلفائهم من «الصفويين» (طائفة من الشيعة الإثني عشرية التي تحكم إيران منذ ثورة 1979) على رأي أحد الملتحين الشباب الذين تحدثت معهم»الصباح».
ولعل هذه الظاهرة (الذهاب للجهاد في سوريا) التي طغت في المجتمع التونسي تعد ظاهرة معقدة من جوانبها الإجتماعية والسياسية، وحتى النفسية.. نتائجها تمس الداخل التونسي وتضرب بمفهوم الأمن القومي التونسي ولتصل توابعها إلى العلاقات بين الدول، بما أن الدولة هي أول عنصر مؤثر في السياسة الخارجية، خاصة مع تضارب كبير حول عدد التونسيين الذي يشاركون في «الجهاد» في سوريا، حيث أنه في حدود 3500 مجاهد حسب ما أفاد به الجهادي أبو زيد التونسي العائد من سوريا حديثا، بينما تفيد مصادر أخرى أنه أكبر من ذلك بكثير.
فمن تونس وغيرها من نقاط الإنطلاق، قد تأخذ الرحلة نحو»الموت المقدس» عدة اتجاهات وعدة سيناريوهات حتى الوصول إلى أرض الجهاد في بلاد الشام (أو حتى إلى مالي)، فنحن نتحدث هنا عن ظاهرة عالمية بامتياز تحركها خيوط عنكبوت رفيعة من تحت الرمال غير معروفة التفرعات ولا تبدو في الواجهة، لكنها مؤثرة في الباطن على مجريات الأمور في أرض المعركة أو في «مطابخ صناعة القرار الإقليمية والدولية» على حسب المصالح المتشابكة في تلك المناطق، أو حسب ما يطرحه منطق التحالفات بين الدول.
ولعل الحلقة الخفية أكثر في مثل هذه الرحلة هي كيفية «صناعة المجاهد» أو تجنيده، بل وحتى اختياره بدقة متناهية.
مدينة أريانة مثلا ومنطقة المنزه الرابع تحديدا تلقت خبر مقتل شاب يدعى محمد في حلب ضمن هجوم كبير شنته «جبهة النصرة السورية» المحسوبة على تنظيم «القاعدة» في شهر فيفري الماضي على مطار حلب.
محمد حسب ما يروي جيرانه ل»الصباح» اتجه بعد الثورة إلى اعتناق السلفية الجهادية، وكان دائم التردد على جامع بعينه (جامع الميموزا) حيث التقى بشخص قدم نفسه له كمرشد ديني، أصبح يرجع إليه في كل ما يتعلق بممارسة الطقوس الدينية، إلى أن عرض عليه الأخير السفر إلى سوريا للجهاد «بعد ما عبر عن ضيقه في تونس» والتي أصبحت تمثل «أرض كفر» بما أنها لا تحتكم إلى الشريعة.
وحالة محمد، تختلف من حيث طريقة التجنيد عن الشابة أصيلة مدينة المهدية نرمين(14 سنة) والتي تأثرت سريعا ب»القصف الفكري والإعلامي» عبر المنديات الإجتماعية الإفتراضية، حسب تحقيق قام به فريق برنامج «مبعوث خاص» على القناة الفرنسية الثانية، والذي كان يصلها حتى عبر الإرساليات القصيرة محملا بفتاوي من شيوخ خليجيين وكذلك عبر دردشات جمعتها بشيوخ في تونس، تروي أنهم كانوا يحضونها على مغادرة المنزل ل»التدريب» في أحد معسكرات القاصرات، على حسب ما قالته أمها السيدة نجلاء بوزيد.
الأم الملتاعة من غياب ابنتها تشير إلى أن سلوك ابنتها تغيير جذريا وبتسلسل منذ شهر رمضان الفارط إلى أن غادرت المنزل منذ عيد الفطر الماضي، تاركة وراءها ألف تساؤل دون جواب.
النقطة المهمة في قصة نرمين أن آخر كلماتها كانت «ما اردتم أن تمنعوني عنه أنا فعلته.. في إشارة لمغادرتها للمنزل وتوجهها إلى مكان غير معلوم».
وهنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه وإن كان بصيغة استنكارية «هل أن الجهاد يعني عصيان الوالدين؟؟؟».
هذه الأمثلة وغيرها من أمثلة الشباب والمراهقين الذين توجهوا إلى «الموت المقدس»، نلاحظ من خلالها أنه تم استهدافها عن طريق الإقناع بالفكرة انطلاقا من التأثير النفسي المباشر، أو الإرهاق النفسي الذي يؤثر على نفسية الشخص المستهدف، وهو طرح قائم على حصر التفكير لدى المجند في جملة من الثنائيات للوصول للإجابات حول الإشكاليات (كافر- مسلم) (حرام-حلال). هذا المنطق يحييد التفكير عند الشباب والمراهقين ويشلها، فالجدال في ما وجد في النقل (الأحاديث النبوية وتفاسير بعض العلماء لما أتى في القرآن حسب تأويلات معينة اكتسبها كل مذهب فكري) تعتبر بدعة (والبدعة ظلالة وكل ظلالة في النار).. أي أنه من الواجب تجنب الجدال في ما أتى في الكتاب والسنة، حتى وإن كنت تسعى لمعرفة المعاني التي تقف وراء هذه الأحاديث بالفهم العقلي الذي يتميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات (كانت جدلية العقل والنقل وأسبقية كل واحد عن الآخر قد مثلت صراعا وصل إلى حد الدموية بين الحنابلة والمعتزلة منذ عهد الدولة العباسية حيث خضع هذا الجدال للتسييس وهو ما جعل علماء العلوم السياسية يتحدثون عن تسييس النص الديني أو «تسييس المتعالي» في معرفة أسباب الصراعات التي قامت منذ اشتعال الفتنة الكبرى).
وقد يشكل هذا التمشي لدى المستهدف بالتجنيد حيرة كبيرة بين (الحرام والحلال) ومن هناك تنبع الحاجة لاتباع «اولي الأمر» أو»أمير الجماعة»، لأنه هو الذي يملك «طلاسم» فك شفرة (الحلال والحرام) و»الكفر والإسلام» ومنه امتلاك معنى الحقيقة وهو ما يصبح المستهدف في حاجة إليه، لمعرفة الطريق نحو الخلاص والعمل الصالح للوصول إلى الجنة، ومن هنا يأتي دور الضغط على زناد «الجهاد» والبحث عن جبهة للقتال، (كانت أفغانستان في القديم وأصبحت سوريا ومالي الآن)، ف «هناك تنتظرك معارك مقدسة ضد الطغاة وعليك بنجدة أخوانك المسلمين ضد الذين كفروا» على ما قاله أحد الشباب السلفيين الذي جمعتني بهم دردشة خاطفة، والذي عرف على نفسه باسم حركي «أبو زهدي». وهناك على جبهة القتال في سوريا أو مالي أو في الماضي في أفغانستان فإن الموت «شهيدا» جزاؤه «حور العين في الجنة الموعودة» على حسب ما قاله مقاتل في جبهة النصرة السورية المحسوبة على تنظيم «القاعدة»، لرفيقه الذي كان يحتضر «هل ترى حور العين؟».
إن هذا المسار من التطويع النفسي يندرج ضمن إطار التحكم في سلوك المستهدف وإخضاعه نفسيا لتغيير السلوك ليلائم ما يرجى منه تنفيذه، وهو ما اصطلح عليه ب»المثير الشرطي» الذي قدمه عالم النفس الروسي بافلوف في تجربته الشهيرة (لعاب الكلب- الجرس- والأكل).
وبنفس طريقة المثير الشرطي، فإن بعض المؤسسات التي احترفت «صناعة الموت» قد تكون وراء تجنيد آخرين ل»الجهاد في سوريا»، مستغلة حالة الفقر (وصلت نسبتها في بلادنا إلى 11.4 في المائة حسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء) والبطالة التي تجتاح الشباب التونسي والتي وصلت نسبتها إلى أكثر 17 في المائة.
ذلك على الأقل ما يشير إليه ما تداولته وسائل إعلام تونسية أكدت أن انتداب المقاتلين (مجاهدين) من تونس يتم أيضا بالإغراء المادي: 3000 دولار للمقاتل الواحد.
وهو ما يعطي بعدا دوليا لمسألة تجنيد المجاهدين لسوريا وتداخل مصالح الدول في ذلك، وهو ما يرجع إلينا سيناريو برنامج استخباري قديم لتجنيد المجاهدين للحرب ضد السوفيات في أفغانستان ضمن ما يدعى برنامج «نادي السفاري»...

◗ نزار مقني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.