شكل محور غلاء الأسعار المحور الرئيسي لأول مجلس وزاري تعقده حكومة علي العريض باعتباره من أوكد أولوياتها الراهنة.أسفر عن الإعلان عن حزمة متنوعة من الإجراءات على عدة مستويات منها ما يهم الإنتاج والتزويد وما يتعلق بالتخزين لفترتي طفرة الإستهلاك الرمضاني والصيفي،ومنها أيضا مايتصل بتوجيه المنتجات المدعمة نحو الاستهلاك الأسري، وتشديد عمليات المراقبة الإقتصادية والصحية،فضلا عن مقاومة التهريب .. وتمثلت أبرز التدابير المعلن عنها أول أمس في مجال الإنتاج والتزويد في الترفيع في مستوى إنتاج المواد الفلاحية الحساسة وضمان تزويد الأسواق بمختلف المواد اعتمادا أساسا على الإنتاج المحلي على أن يبقى التوريد الخيار الأخير الممكن اللجوء إليه عند الإقتضاء.وقد شرع بعد في توريد دفعة من البطاطا لتغطية حاجيات فجوة الإستهلاك الربيعي وتقدر الكميات الجملية المبرمجة للتوريد ب6ألاف طن من هذه المادة. كما تقرر توريد 9آلاف رأس من الأراخي العشار ووضع برنامج لتشجيع ومساندة الفلاحين في اقتنائها. إلى جانب تأمين مخزونات كافية من المنتجات الأساسية التي يرتفع نسق استهلاكها في رمضان والموسم الصيفي من بيض وحليب وبطاطا ولحوم بيضاء.. هذا وحددت الحكومة أجلا بعشرة أيام للتوصل مع مصالح وزارتي الفلاحة والتجارة والهياكل المهنية المعنية بضبط الأسعار القصوى لمجموعة من المواد الاستهلاكية من خضر وغلال ولحوم ومواد تنظيف وغيرها. وسيتم الإعلان عن تفاصيل الأسعار المقترحة في الأجل المحدد. في مجال توجيه دعم المواد الأساسية إلى الإستهلاك الأسري ينتظر ان يشرع قريبا في اعتماد تعليب مميز لبعض المنتجات منها السكر وزيت الصوجا والطماطم... وفي علاقة بمقاومة التهريب تم التأكيد على تعزيز الجهود بين مختلف المتدخلين وتكثيف العمل الرقابي الكمي والنوعي على مستوى الحدود.وتوخي مزيد الصرامة في تطبيق القانون.مع تعزيزالإمكانيات البشرية والمادية لدى الجهات المكلفة بمكافحة التهريب. وتركز الإهتمام كذلك على محور المراقبة الإقتصادية التي تم تخصيصها بجملة من التدابير في مختلف حلقات التدخل والترصد،مع توخي الصرامة في تطبيق القانون ضد المخالفين. توفرت الإرادة لكن ماذا عن التطبيق؟ حول قراءة منظمة الدفاع عن الستهلك لمجمل التدابير المتخذة للحد من إرتفاع الأسعار ومدى انعكاسها الآني على قفة المواطن لم يخف لطفي الخالدي رئيس المنظمة إرادة الحكومة في السيطرة على الأسعار لكنه تساءل حول المفعول الآني لهكذا إجراءات مشيرا إلى أن الإشكال يكمن في أن أغلب التدابير تفتقد للبعد الآني في التجسيم وتتطلب وقتا طويلا لان الترفيع في الإنتاج على حد تعبيره لا يتم بين عشية وضحاها ويستوجب وقتا طويلا وفي الأثناء ستواصل قفة المستهلك تحمل شطط الأسعار،على حد تعبيره. واعتبر أن الإجراء المتعلق بتخزين المواد الاستهلاكية الأساسية يعتبر صائبا ويخدم الغرض الذي ترمي إليه هذه الآلية لأنها تستهدف فترات مقبلة هي شهر رمضان والموسم الصيفي. وفي تعليق على الإجراء الخاص بتحديد الأسعار القصوى لعدد من المواد والإعلان عن تفاصيلها في أجل عشرة أيام قال الخالدي:" بالنسبة للمواد الأساسية المدعمة لا وجود لإشكال لأن أسعارها محددة من الدولة لكن بالنظر إلى أنّ انفلات الأسعار يشمل عديد المواد من خضر وغلال ومواد تنظيف ومشروبات غازية فإن مراجعة أسعارها تبدو ضرورية ومتأكدة." ورغم أن المشروبات الغازية ليست من المواد الأساسية فقد نبه المتحدث إلى أنها صارت ملاذا لكثير من المواطنين الذين لا يقدرون على مجابهة غلاء أسعار الغلال. لكنها بدورها لم تسلم من عدوى الغلاء المهول بعد أن باتت قارورة من فئة لتر ونصف تباع بدينارين. كما تحدث رئيس المنظمة عن الغلاء الفاحش لمواد التنظيف والتي بلغت زيادة بعضها 100بالمائة فيما بين سنتي2011و2012 وطالت أيضا الزيوت النباتية ومصبرات التن وغيرها واصفا الزيادات باللامعقولة. وأعرب عن الأمل في أن تتوصل مختلف الأطراف إلى توافق حول تحديد الأسعار القصوى رأفة بالمستهلك خاصة بعد إعلان الزيادة الأخيرة في سعر المحروقات والتى يتوقع أن تكون لها تداعيات مباشرة على كلفة الإنتاج وهو ما سيدفع بالمنتجين والمصنعين إلى الترفيع في الأسعار وسيكون ذلك طبعا على حساب المواطن حسب قوله. وأشار إلى أن الإتفاق بين الأطراف المعنية في تحديد أسعار قصوى كان من الأجدر والأنجع التباحث والتشاور بشأنه قبل إعلانه بصفة رسمية في مجلس وزاري وإن تم ضبط مدة بعشرة أيام لإقرار هذا التوجه تفاديا لكل المفاجآت غير السارة التي قد تجد جراء تعثر المباحثات مع الهياكل المهنية. على صعيد آخرلاحظ الخالدي بأن نسبة 60بالمائة من المواد الفلاحية من خضر وغلال لا تمر عبر مسالك التوزيع المنظمة وتروج مباشرة بالأسواق الموازية وهو ما ينعكس سلبا على قاعدة التعامل بأسواق الجملة التي تسجل الأسعار المتداولة بها إرتفاعا ملحوظا في ظل اختلال قاعدة العرض والتزويد. وهو ما يدعو في نظره إلى دعم المراقبة الإقتصادية بالأسواق الموازية والعمل على تنظيم مسالك التوزيع. الإنتاج الفلاحي تبدو قراءة منظمة الدفاع عن المستهلك متقاربة مع النقابة التونسية للفلاحين التي وإن يرى رئيسها ليث بن بشر في الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة إرادة واضحة في فتح ملف غلاء الأسعار والعمل على الحد منه فقد أبدى تحفظات على بعض الإجراءات ومنها ما يتعلق أساسا بالإنتاج الفلاحي.لافتا النظر إلى أن الترفيع في الإنتاج لا يحتكم إلى مجرد الضغط على قرص أو زر لتحقيق الزيادة المرجوة.وأوضح أن الفلاح محكوم بمواسم إنتاج لكل منها خصوصياته ومتطلباته.وتقتضي البرمجة المسبقة والدقيقة. ورغم تفهمه لحرص الحكومة على السيطرة على الأسعارانتقد بن بشر طريقة التعاطي مع الملف وذلك بتواصل تغييب المنتجين كطرف فاعل في هذا الملف وعدم تشريكهم بالرأي والمقترح قبل إعلان القرارات بصفة رسمية. وأوصى بأن تركز الجهات الرسمية قبل الدعوة إلى الترفيع في الإنتاج إلى البحث في الأسباب التي آلت إلى تراجع بعض القطاعات والأوضاع التي يمر بها الفلاحون. وبيّن في ما يتعلق بتحديد الأسعار القصوى لعدد من المنتجات الفلاحية وغيرها أنه كان يفترض التشاور مع المنتجين وبقية الهياكل المهنية المتدخلة في قطاعات الإنتاج قبل إعلان الإجراء وتحديد سقف زمني للتصريح بتفاصيل الأسعار التي تريد الحكومة التوصل إليها. ولفت نظر الجهات الحكومية إلى أن تحديد السعر في مستوى التفصيل يفترض كذلك تحديده في مستوى العناصر التي تتدخل في عملية الإنتاج من المدخلات الفلاحية التي يكبد إرتفاع أسعارها المتواصل تكاليف باهظة للفلاحين ولا بد إذن من مراعاة هذا الجانب خاصة أن الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات والتي وصفها "بالقرار السيئ" ستكون لها استتباعات وخيمة على الأسعار في عديد القطاعات ولذا يشدد محدثنا على ضرورة تشريك المنتجين وكل الأطراف المعنية في القرار قبل إعلانه. وحول استعداد الفلاحين لإنجاح مشروع إحداث فضاءات لأسواق البيع من المنتج إلى المستهلك.أبدى استعدادا كليا للفلاحين للمساهمة في إنجاح هذه التجربة لكنه حذّر من أن اللجوء إلى هذه الفضاءات يعني فشل مسالك التوزيع المنظمة التي كان يفترض أن تمثل آليات تعديلية للأسواق وهذا لم يحصل.