كما عودنا دائما في كل مرة يخرج إلينا رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي بإحدى أفكاره التي تثير في كثير من الأحيان ضجة إعلامية وهذه المرة يتقدم المرزوقي الى الشعب التونسي بمقترح تقسيم البلاد الى سبعة أقاليم مستقلة اقتصاديا على غرار تجربة النظام الفيدرالي الألماني وقد أثار مقترحه جدلا خاصة في صفوف بعض الاقتصاديين الذين وصفوه بالمقترح "الغريب والشعبوي". لكن يبقى السؤال المطروح هل يمكن ان يكون مقترح المرزوقي حلا للخروج من البلاد من أزمتها الاقتصادية الخانقة التى طالت بعض الشيء؟ ورغم تبريرات رئيس الجمهورية المؤقت لدعم فكرة تقسيم تونس إلى أقطاب اقتصادية يخصص لكل قطب منها جزء من خيراتها الطبيعية تكون تحت تصرفها الذاتي إلا أن القراءات لهذا المقترح تعددت فهناك من رأى ان هذا المشروع قد يزيد من ترسيخ عقلية الجهويات مما قد يضر بوحدة المجتمع التونسي، اما القراءة الثانية فقد اعتبر البعض ان المشروع حل للقضاء على الفساد الإداري والرشوة والمحسوبية لكن يبقى السؤال المطروح هو كيف ستكون وضعية الأقاليم التي لا موارد لها؟ وصف الأستاذ الجامعي والخبير في اقتصاد التنمية فتحي الشامخي في حديثه إلى "الصباح" مقترح رئيس الجمهورية المؤقت بالغريب وبأنه ابعد ما يكون عن حل المعضلات التي يتخبط فيها الاقتصاد التونسي مشيرا الى الفكرة لو تطبق في بلد مثل سويسرا لتحفيز الأقاليم على المنافسة قد تأتي أكلها لكن تطبيقها في بيئة مثل تونس غير ناجع لان مشكلة تونس مختلفة ولا يمكن معالجتها بالتقسيم الى أقاليم اقتصادية مستقلة. التخفيف من المركزية.. ورأى الشامخي ان ما تحتاجه تونس اقتصاديا هو التخفيف من المركزية المفرطة على مستوى القرار السياسي والتفويض الى السلطات المحلية والجهوية لأخذ بعض القرارات ومثال ذلك منطقة الحوض المنجمي التي يستخرج منها ثروة عظيمة دون ان يتحكم فيها مواطني تلك الجهة ولذلك فهم في حاجة إلى اخذ جزء من سلطة القرار في التصرف في البعض من هذه الثروات. المقترح لن يكون له غد وفي سياق متصل اكد الشامخي ان مقترح المرزوقي لن يكون له غد في تونس بل سيكون فكرة عابرة كالتي عودنا بها الرئيس التونسي المؤقت مثلها مثل حديثه عن مشروع الوحدة المغاربية والمشروع الافريقي. ومن جانبه قال فتحي النوري الخبير الاقتصادي ان المقترح هو قديم جديد لكن الازمة الاقتصادية في تونس اعمق من الشعارات التي يرفعها رجال السياسة والقانون اليوم بينما الحلول لا يمكن طرحها في الخطابات السياسية وفي المنابر الاعلامية بل تتطلب اطارا اوسع واشمل يلتقي فيه الخبراء واصحاب القرار الاقتصادي والنقابيين والمؤسسات الاقتصادية وممثلين عن الحكومة وممثلي القطاعات باختلافها لتبادل الاراء واقتراح حلول جذرية تاتي على الصعاب التي اصبحنا نواجهها على غرار ضعف قاعدة الانتاج في تونس وضعف توزيع الثروات بين الجهات، كما اصبحت المنظومات الاقتصادية غير قادرة على مواكبة التحولات الجديدة على غرار المنظومة التربوية ومنظومة التكوين المهني والمنظومة الجبائية. مقترح صعب التحقيق كما اكد المتحدث ان مقترح رئيس الجمهورية يصعب تحقيقه في الظرف الراهن لان تونس تشكو من ضعف المعلومة الاقتصادية التي تهم بعض القطاعات والجهات، كما ان المنظومة الاحصائية غير قادرة على توفير الناتج المحلي الجهوي وفي هذه الحال كيف يمكن احداث اقطاب اقتصادية دون خارطة اقتصادية جهوية واضحة المعالم. واضاف "عندما تكون لدينا شبكة مواصلات عصرية ومتطورة تسمح للجهات بالتفاعل مع بعضها وتكون لدينا ثقافة وطنية مع التخلص من عقلية الجهويات يمكن حينها التفكير في مثل هذا المشروع لكن على رجال السياسة ورجال القانون الابتعاد عن التصريحات الجذابة لان معالجة مثل هذه المواضيع يتم في نطاق اوسع" ونبه النوري مما وصفه بالكارثة الكبرى وهم خبراء الشاشة الامر الذي نبه اليه محافظ البنك المركزي قائلا على الذين يتم دعوتهم الى المنابر الاعلامية من اقتصاديين ان يبثوا الامل في الناس وليس الخوف والفزع.