بضعة أسابيع باتت تفصلنا عن المؤتمر الوطني ضد العنف في الثامن عشر من ماي القادم بدعوة من"ترويكا" المجتمع المدني التي تجمع حتى الان الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان فضلا عن الهيئة الوطنية للمحاماة وفاء لدعوة الشهيد شكري بلعيد قبل ساعات على امتداد يد الغدر اليه لتصفيته, موعد لم يعد بالبعيد ولكنه حاسم بالتأكيد فيما يمكن أن يؤول اليه هذا الحوارالذي سيكون اختبارا لمدى جدية كل الأطراف المعنية وغيرها أيضا من الاطراف السياسية في الاستعداد للالتزام العلني والصادق بالتصدي لواحدة من أكثر المظاهر تهديدا لاهداف الثورة. وبعيدا عن استباق الاحداث فان الأكيد أن النتيجة الوحيدة لاستمرار ثقافة العنف لا يمكن الا أن تكون مدمرة وتؤول الى تضاعف الازمات وتراجع الامن والاستقرار وتقلص فرص الاستثمار وهو ما لا يمكن لعاقل القبول به بعد كل التضحيات الجسام وكل الاحلام التي أجمع حولها التونسيون من أجل العدالة والحرية والكرامة. وقد لا يكون من المبالغة في شيء الإقرار بأنه لا رفاهية في الخيار وأن حاجة تونس اليوم الى مؤتمر وطني ضد العنف ليست ترفا بل ضرورة تفرضها التحديات الراهنة والمستقبلية لمواجهة ظاهرة العنف السياسي وما تستوجبه من قرارات وخطوات جريئة مطلوبة لاجتثاث كل الأسباب التي تساعد في تفاقم وانتشار هذه الظاهرة. ولعلنا ندرك اليوم أن تحقيق هذا الهدف ليس بالرهان الهين في ظل مناخ الاحتقان الحاصل بين الفرقاء السياسيين وعمق أزمة الثقة القائمة بين المتنافسين والمتناحرين على الساحة السياسية فضلا عن ضعف ثقافة الحوار والقبول بالاخر ولكن ما يتعين على الجميع استحضاره أن تلك الأجواء الخطيرة التي طغت على المشهد طوال الاشهر الماضية وبلغت حد تبادل الاتهامات العلنية بالتخوين وانعدام الوطنية حينا والتكفير والاستهانة بالدين حينا اخر الت في نهاية المطاف الى جريمة اغتيال شكري بلعيد التي لا تزال تحيرالتونسيين وتؤرقهم والتي يجب أن تكون منطلقا وسببا في دفع الحوارالوطني ضد كل أنواع العنف وتحصين البلاد من كل الانزلاقات الخطيرة. فليس سرا أن الانفلات الذي عاشت البلاد على وقعه والذي امتد الى الخطابات المحرضة على العنف ونشر الحقد والكراهية من داخل المساجد الى جانب منابرالتجييش الإعلامي غير المسؤول والدعوات المتكررة للفصل والاقصاء والعزل لفئة من التونسيين دون غيرها بعيدا عن الاحتكام للقانون, أو كذلك عبرتمويل وشرعنة وجود اليات وجماعات متطرفة خارج اطار مؤسسات الدولة تسعى لفرض وجودها على الشارع التونسي وفرض القانون على طريقتها وحسب أهوائها كل ذلك كان له دوره السلبي في التطاول والمس بهيبة الدولة والاستهانة بعلوية القانون الذي من شأن غيابه أن يؤسس لقانون الغاب ولاشيء غيره... ما أحوجنا اليوم ونحن في هذه المرحلة الحساسة من مسيرة الانتقال الديموقراطي الى نزع فتيل الاحتقان ونبذ الأحقاد والكراهية والرغبة المقيتة في الانتقام والغاء الاخر وما أحوجنا اليوم الى حوار وطني يجمع التونسيين على الغاء العنف من الحياة السياسية ويعيد بناء جسور الثقة المغيبة التي لا يمكن أن تجد لها سندا وموقعا بدون خطوات ملموسة عبرعلوية وسيادة القانون على الجميع دون استثناءات وذلك بالعودة الى تحديد واضح لخارطة الطريقة وموعد معلن للانتهاء من وضع الدستور وتحديد القانون الانتخابي وموعد الانتخابات واعلاء مبدا مدنية الدولة وعدا ذلك فان الشك والتذبذب سيظل سيد الموقف ولن يكون بالتالي معنى لاي مبادرة أو حوار اذا لم يتسن له الخروج عن اطارالخطابات والنظريات الى مجال التطبيق الواسع...