تواترت خلال الآونة الأخيرة جرائم بشعة ارتكب بعضها مساجين تمتعوا بالعفو الرئاسي وغادروا السجن خلال الأعياد الوطنية في العامين الأخيرين وآخرها بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال، وقد أثارت بشاعة بعض هذه الجرائم الرأي العام الوطني وأدخلت على المجتمع التونسي كثيرا من المخاوف وطرحت إشكالية العفو الرئاسي والمقاييس المعتمدة للعفو عن مساجين الحق العام حتى أن البعض يرى أن منظومة العفو الرئاسي أعطت الفرصة لبعض المتمتعين بالعفو لمعاودة اعتداءاتهم على المجتمع وارتكاب الجرائم في حق أفراده. حول هذا الموضوع ذكر الأستاذ أحمد الورفلي المستشار القانوني برئاسة الجمهورية أن المرسوم عدد 1 صدر بعد الثورة والذي يعنى بالعفو التشريعي العام أي بكل من وقع التنكيل بهم باختلاف توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية ولا يقع التفريق في هذا المرسوم بين إسلامي أو يساري أو قومي أو نقابي. وأما بالنسبة للعفو الخاص فأفادنا أن هذا العفو يمنحه رئيس الجمهورية حيث يقوم بوضع معايير ومقاييس الأشخاص الذين سيتمتعون بالعفو ومن ثم يقوم بإرسالها الى لجنة متكونة صلب وزارة العدل تقوم وبحسب هذه المعايير بتحديد الأسماء وبدراسة ملفات المساجين الذين تتطابق ملفاتهم مع هذه المعايير، مضيفا أن رئيس الجمهورية له السلطة في إعطاء العفو لأي شخص يرى أنه يستحق ذلك وهذه السلطة ليست مطلقة حيث وقع تقييدها منذ عهد بورقيبة عبر معايير مضبوطة منذ وضع دستور 1959. وأشار محدثنا إلى أن رئيس الجمهورية لا يدرس الملفات بصفة شخصية وإنما هناك لجنة تسمى"لجنة العفو" تتكون بوزارة العدل وتضم عدة وزارات وإدارات منها إدارة السجون والإصلاح وهي تقوم بإعداد مشروع في منح العفو للأشخاص الذين ترى أنهم جديرون بالعفو ثم ترفع بعد ذلك تقريرها لرئيس الجمهورية مع الإشارة إلى أنه هو من يعطي المعايير المعتمدة للعفو الى تلك اللجنة وهي تطبق تلك المعايير على الحالات الفردية ثم تعطي لرئيس الجمهورية نتيجة أعمالها . هناك تلاعب بقائمة المعفو عنهم في عهد المخلوع حول تلك القائمات التي ترفعها اللجنة لرئيس الجمهورية أفادنا الأستاذ أحمد الورفلي أنه كان هناك تلاعب بتلك القائمات التي ترد من وزارة العدل حيث تقع غربلتها وإضافة بعض الأسماء أو إسقاط أخرى من القائمة على غرار المساجين السياسيين والمساجين غير الموالين للنظام الخ .. مضيفا أن قائمة المعفو عنهم التي وردت على رئيس الجمهورية يوم 19 مارس 2013 بقيت على حالها. وبالنسبة للمعايير المعتمدة في العفو الرئاسي أفادنا الأستاذ الورفلي أن تلك المعايير وقع ضبطها على مدى سنوات ورئيس الجمهورية بإمكانه أن يغير أي معيار، ولاحظ أنه في 14 جانفي 2012 طلبت رئاسة الجمهورية من اللجنة اعتماد بعض المعايير الإضافية بالنسبة للتلاميذ كما وقعت مراجعة المعايير المعتمدة مع متابعة ردود فعل المجتمع. مقاييس العفو الرئاسي ذكر الأستاذ أحمد الورفلي أن هناك تصنيفات عدة للجرائم والقانون التونسي يجرم حوالي 5 آلاف نوع من الأفعال وتصنف بصفة عامة الى جرائم خطيرة وأخرى عادية فالسرقة ليست كالقتل على سبيل الذكر مشيرا إلى أن المتهمين الذين أفرج عنهم في العفو الرئاسي الأخير توفر فيهم شرط طول المدة. كما أفادنا الأستاذ الورفلي أن هناك عدة مقاييس يجب أن تتوفر في السجين حتى يشمله العفو الرئاسي ومن بين أهم تلك المعايير أن يكون قضى ما يزيد عن 20 سنة سجنا وذلك بالنسبة للسجناء الذين تفوق العقوبة المحكومين بها 20 عاما ،وبالنسبة للمساجين الذين لا تتجاوز المدة المحكومين بها خمس سنوات تطبق معايير أخرى كالعود حيث تكون حظوظ السجين المبتدئ أوفر في التمتع بالعفو أكثر من السجين العائد ،كذلك معيار السن حيث يجب أن لا يتجاوز السجين 50 سنة من العمر وقضى نصف العقوبة التي يجب أن لا تقل عن 9 أشهر ،وأما بالنسبة للسجين العائد فيجب أن يكون قضى ثلثي العقوبة، وهناك شرط آخر هام وهو تلقي السجين برنامج تأهيل من خلال إخضاعه الى دورة تكوين في إحدى الحرف مع العلم أن دورات التأهيل لا يتمتع بها إلا السجناء ذوي السلوك الحسن. إعادة المعايير المعتمدة في العفو.. أشار الأستاذ أحمد الورفلي أنه قبل صدور العفو في 20 مارس 2013 وقع اتفاق بين رئاسة الجمهورية ووزارة العدل على إعادة النظر في المعايير المعتمدة في العفو الرئاسي خاصة بالنسبة لمسألة العود ونوعية الأشخاص الذين يبتعدون عن الإجرام إثر خروجهم من السجن والأشخاص الذين يعيدون ارتكاب جرائم بعد تمتعهم بالعفو مضيفا أن العمل على هذه المسائل سيقع خلال هذه الأيام حيث ستقع إعادة النظر في معايير العفو الرئاسي وسيقع الإعلان عن تلك المعايير قبل صدور العفو بحيث يمكن للمساجين أن يعرفوا إن كانوا سيتمتعون بالعفو أو لا. العفو يمنح في الأعياد الوطنية كان العفو الرئاسي سابقا يمنح في الأعياد الوطنية والشخصية للرئيس ولكنه تغير اليوم وأصبح لا يمنح إلا في الأعياد الوطنية الكبرى كعيد الإستقلال، هذا ما أفادنا به الأستاذ أحمد الورفلي مضيفا أن المعايير الجديدة للعفو ستأخذ بعين الإعتبار ما يتم تداوله في وسائل الإعلام من انتقادات للعفو الرئاسي. الحط من العقوبة كشف لنا الأستاذ أحمد الورفلي أن قائمة شملت 1609 سجناء عرضت على لجنة العفو ولكن العفو منح ل 1391 سجينا فقط مضيفا أن من بين هؤلاء 336 غادروا السجن في حين ظل 1055 خلف القضبان لينهوا عقوبتهم حيث تم الحط منها فقط. وبالنسبة لعدد المنتفعين بالعفو منذ سنة 2011 قال الأستاذ الورفلي إن العدد في تقلص كبير حيث تم اعتماد معايير إنسانية سنة 2011 في حين أصبحت المعايير الآن أكثر موضوعية. لجنة العفو وحول "لجنة العفو" أفادنا مصدر مطلع بوزارة العدل أن تلك اللجنة تتكون من وزير العدل أو من ينوبه وممثل عن الوزارة الأولى وممثل عن وزارة الداخلية وممثل عن القضاء العسكري والمدير العام للسجون والإصلاح أو من ينوبه والمدير العام للشؤون الجزائية بوزارة العدل والوكيل العام لدى محكمة الإستئناف أو من ينوبه مشيرا إلى أن رأي هذه اللجنة إستشاري بحسب ما يضبطه القانون.