مع أنه لم يكشف أسرارا غير معلومة ولم يحمل في طياته جديدا، فقد كان تقرير مجلس الامن الدولي حول مخاطر السلاح المتدفق من مغاور ليبيا الى نحو 12 بلدا في المنطقة أشبه بصرخة فزع تستوجب أن تنذر الأطراف المعنية وبينها تونس التي اعتبرها التقرير منطقة عبور للسلاح بحقيقة الخطر القادم خاصة بعد أن تمكنت السلطات الأمنية من الكشف واحتجاز أجزاء منه في مناسبات مختلفة... ثلاث حقائق خطيرة متداولة لدى الرأي العام جاء التقرير ليؤكدها، أولها أن ليبيا منبع السلاح الخطير الذي يهدد دول الجوار ويمتد الى غيرها أيضا من الدول منذ سقوط القذافي، وثانيها أن كمية ونوع السلاح يكفي ليجعل المنطقة حقل ألغام قابل للانفجار في كل حين، وثالثها وهذا الاهم أن نسق انتقال السلاح وانتشاره ازداد سرعة في المدة الأخيرة بما يمكن أن يؤشر الى نشاط العصابات المعنية واحتمالات تفاقم المخاطر الأمنية والاعداد لعمليات ارهابية انتقامية في المرحلة القادمة على طريقة عين أميناس في الجزائر... إن أخطر ما ذهب اليه التقرير، حسب تقديرات الخبراء، أن السلاح الليبي يكفي لتسليح جيوش 5 دول افريقية، خلاصة مرعبة ما في ذلك شك في ظل الانفلات الأمني الحاصل على أكثر من جبهة وصعود الحركات الفقاعية المتطرفة التي وجدت في المشهد الجديد بعد سقوط الانظمة السابقة في تونس ومصر وليبيا أرضية خصبة ليكون لها مواقع تدريب عسكري وحصون تلوذ بها في انتظار ربما المرور الى تنفيذ مخططاتها. بل ان في هذا الإقرار ما يكفي ليحرك السواكن ويثير الهواجس ويدعو الى الاستنفار ويدفع من يصرون من المسؤولين على التقليل من أهمية ما تضمنه وعدم التهويل، الى استباق الاحداث والبحث بين ثنايا التقرير عن كل المخاطر القائمة تحسبا لكل المفاجآت... الخطر على أبوابنا والتوقف عند حدود الاعتقاد بأن "هذا لا يحدث إلا للآخرين" استخفاف بكل التحذيرات والسلاح الذي صرف لأجله القذافي ثروات البلاد معتقدا أنه سيضمن بقاءه وبقاء أبنائه من بعده قادر أن يحول المنطقة الى قنبلة موقوتة . والواقع أنه لا يمكن الا لساذج أو مغفل أن يعتقد ولو لحظة واحدة أن من يلهث لجمع كميات من تلك الأسلحة والمتفجرات وقاذفات الصواريخ وغيرها من وسائل الخراب والدمار المسربة من مطمور ليبيا باتجاه تونس ومصر وسوريا والجزائر ولبنان ومالي هدفه العمل الخيري أو مساعدة السلطات الليبية على وضع اليد عليها لاستكمال تنظيم المؤسسة العسكرية في ليبيا أو أنه سيقدمها للمصالح المعنية لتتصرف فيها أو سيسعى الى تجميعها في متحف للسلاح، لأنه لا يمكن لمن كانت هوايته تجارة السلاح أن تكون غايته شيئا آخر غير العنف والارهاب والجريمة وبالتالي الخراب والدمار ... أربع وتسعون صفحة موثقة نشرت قبل أيام حملتها لجنة خبراء الأممالمتحدة الخمسة حصيلة واحد وعشرين زيارة الى خمسة عشر بلدا من افريقيا وأوروبا والشرق الأوسط كشفت عن ترسانة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة بما في ذلك أنظمة للدفاع الجوي يحملها المقاتلون وأسلحة صغيرة والذخائر الخاصة بها والمتفجرات والالغام التي وجدت طريقها الى سوريا التي تشهد حربا أهلية مدمرة أحرقت البلاد والعباد وأزهق فيعا أرواح عشرات الالاف من الأبرياء ... أخيرا وليس اخرا فان التقرير يذهب الى أن حجم الشحنات والامدادات المهربة من مصراتة وبنغازي تشير الى ضلوع ممثلي السلطات المحلية في عمليات التعريب أو على الأقل بالأسلحة القادمة من ليبيا عبر جنوبتونسوجنوبالجزائر وشمال النيجر لنقلها الى جهات مثل مالي أو ربما تخزينها في انتظار استعمالها في دول "العبور"... لقد فتحت تونس حدودها واحتضنت اللاجئين الليبيين في محنتهم وربما لم يتم تقدير حجم الخطر في خضم المأساة والمخاوف من استمرار نظام القذافي والأرجح أن الكثير من السلاح وجد طريقه في تلك الفترة الى أيدي العصابات الاجرامية، ولعل جريمة اغتيال الشهيد شكري كانت حتى الآن الاشارة الأخطر لما يمكن أن يهدد السلم الاجتماعي في البلاد قبل فوات الأوان...