قبل سقوط القذافي كان التونسيون يتطلعون الى المشهد الليبي ويرددون بأن الوضع في تونس لن يستقر قبل خلاص ليبيا من قبضة القذافي, وبعد انهيار امبراطورية العقيد وأبنائه بات التونسي يتطلع الى الوضع في البلد المجاور ولسان حاله يردد أن الامر لن يتغير قبل أن يحل المجلس الانتقالي معضلة السلاح المنتشر بين الليبيين... كيف تقنع الحكومة الانتقالية في ليبيا كل من يحمل السلاح من مدنيين أو ثوار تسليم أسلحتهم والحال أن الوضع الامني في البلاد لا يزال على درجة من الهشاشة والفوضى؟ ذلك هو السؤال الاكثر الحاحا اليوم أمام السلطات الليبية في هذه المرحلة المصيرية التي لا تخلو من الحساسية وبدون حل مقنع لهذه المعضلة الامنية، فلا يمكن للمشهد في ليبيا أن يسير نحو الاستقرار المنشود على الاقل ونحو الافضل. بل الأرجح أن بدون تغيير جذري في المشهد الامني في ليبيا فان كل من يمتلك سلاحا في ليبيا سواء من المدنيين أو من المقاتلين لن يقدم على التفريط فيه طالما أنه يشعر بأنه مهدد في حياته وممتلكاته وعرضه. وهذه حقيقة من شأنها ان تجعل مخططات الحكومة الليبية لادماج نحو خمسين الف من الثوار السابقين في صفوف جيش نظامي ليبي مؤهل للدفاع عن البلاد تمهيدا لادماج مائتي الف من الثوار رهانا أكيدا وضروريا ولكنه ليس محسوما سلفا. وقد لايكون من المبالغة في شيء الاقرار بأن ليبيا في وضع الكل يريد حماية نفسه من المجهول والكل يفتقر فيه لشرط الانضباط المطلوب والذي بدونه لا يمكن ترتيب الامور الامنية وتجاوز المخاطر الكثيرة القائمة... والحقيقة أنه وبعد أكثر من شهر على اختفاء القذافي من المشهد السياسي وبعد نحو أسبوعين على القبض على ولي عهده وخليفته سيف الاسلام لا تزال تداعيات المشهد الامني في ليبيا على بلادنا تثير المخاوف وتدعو الى التساؤل أكثر من أي وقت مضى حول الاسباب والدوافع التي يمكن أن تجعل الثوار الليبيين يصرون على اجتياز الحدود التونسية محملين بأسلحتهم الثقيلة وتعمدهم في أحيان كثيرة استفزاز رجال الامن والجيش الساهرين على تأمين الحدود وترهيب المدنيين والعسكريين على حد سواء في محاولاتهم التي باتت متكررة للاعتداء على حرمة التراب التونسي بما يؤدي في نهاية المطاف الى اغلاق الحدود على معبر راس جدير تجنبا للاسوإ... قد لا نكشف سرا أن في هذه التصرفات وغيرها ما يؤكد أن المشكلة الامنية كانت ولا تزال التحدي الاكبر والاخطر أمام الحكومة الانتقالية الليبية التي قد لا يكون من الهين أن توفق في تلك التركة الهائلة من الاسلحة التي وجدت طريقها الى ليبيا من دول افريقية وكذلك من قطر والسودان والجزائر طوال أشهر الاقتتال الماضية بين الثوار وبين الكتائب والتي يفترض بعد انتهاء المعركة أن تكون في عهدة السلطات المعنية. والواقع أن في محاولات الثوار المسلحين للدخول الى تونس، قد تفترض اما أن يسعى هؤلاء في حال التمكن من دخول التراب التونسي الى التفريط في ذلك السلاح وبيعه دون اكتراث لما يمكن أن يشكله ذلك من خطر على البلاد والعباد خاصة مع احتمالات وقوعه بين أيدي جماعات متطرفة, وإما الافتراض الثاني فقد يكون مرتبطا بحرص هؤلاء على العودة الى ليبيا محملين بأسلحتهم بعد انتهاء أسباب زيارتهم الى تونس طلبا للعلاج أو غيره من الاسباب وهو أيضا سبب غير منطقي ولا يمكن أن يكون مقبولا لدى أيّ تونسي -وكأنه كتب على تونس التي تحملت بصدر رحب وبرغم محدودية امكانياتها مئات الالاف من الليبيين الذين لجؤوا اليها بحثا عن ملاذ آمن يمنعهم من ممارسات الكتائب الهمجية- أن تتحمل بعد سقوط نظام العقيد تداعيات المشهد الراهن بكل مفاجآته. على أن في هذه الافتراضات وربما في غيرها أيضا ما يجعل مسألة انتشار السلاح في ليبيا مصدر خطرعلى الامن ليس في دائرة التراب الليبي فقط والذي بات اليوم أشبه بثكنة مفتوحة للسلاح ولكن أيضا في الدول المجاورة التي تربط بينها حدود طويلة قد يكون من الصعب مراقبتها على الدوام أو منع عمليات التسلل اليها... ولسائل أن يسأل ماذا لو نجحت تلك الاطراف الليبية غير المسؤولة في تسريب أسلحتها الى بلادنا رغم أعين الامن التي لا تنام؟ احتمال قائم وليس بالمستبعد وهو يمنح تونس بالتأكيد الحق في كل ما من شأنه أن يضمن حماية أمنها وحدودها، حق الجوار واجب حتما ولكنه يسقط أمام بعض الاولويات التي لا تقبل المهادنة أوالابتزاز... آسيا العتروس