أريد أن يكون بصركم بهذه المعارف حديدا يا أحفادي اسكندر وسليمة ومحمد يونس ومريم وأحفاد بني وطني وعقيدتي، فالخبرة الذاتية خير مصادر العلم الصحيح لكن الانسان لا يستطيع ان يستوعب الامور كلها. والعمر مهما طال قصير لذلك من متممات الانسان أن يستعين بآراء غيره، ويتبادل مع المفكرين نقد المسائل، ويقرأ سير النوابغ، مستعيرا منها العبر والنصائح. والكتب خزائن العلوم، جمعها المؤلفون بعد عناء وجهاد. فما أوفر السعادة لمن عكف على قراءتها وفهم أغراضها مستغنيا بها عن هذا العالم المكتظ بالاحقاد والنفاق. تقضي ضرورة الاجتماع على الانسان ان يدرس طباع معاشريه محتكا بهم، فإن جهله بأخلاقهم يجره الى ان يغتر بأحاديث أهل الخديعة فيحاسنهم حيث ينبغي ان يخشاهم ، ففي القرآن الكريم:» وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم» (ص آية 24) أو الى ان يخشاهم فينقلب علمه جهلا، وتقضي ضرورة الاجتماع على المدني الا يكون عقله مجرد وعاء ترسب في قراره المعاني بل منبر بالاستفادة من علمه وتجاربه في المصلحتين الخاصة والعامة. سالكا السبل التي تهيئه لان يكون عضوا عاملا. وقد تحقق الناس صدق الاجتماع فتعاونوا في ترقية وسائله، وأسسوا الاندية للمباحث العلمية والاجتماعية، وللمعاشرة الودية، وهذه اذا اتصلت حلقاتها بين الافراد. تعاونوا في شؤونهم وقدحوا زناد المبتدعات النافعة. فكما قيل :»إن الفكر النافع وطن للمفكرين أولي النفس السامية. يتسلى به من عاداه المناخ وأساء اليه الجليس» ليكن في علمكم «إن المعلم كالغارس يتعهد الشجرة بضم عود مستقيم الى ساقها لتنمو على الاستقامة. وان الطفل كالغصن فيه استعداد للاسترشاد بتجارب المشرفين عليه. ولأمّه عليه الاشراف الى السنتين من عمره ثم يشاركها الأب ويتضافران على اصلاح شأنه واختيار بيئته. واذا بلغ السابعة من العمر استقبلته طلائع التكليف عند الحكومات النظامية فتجبره على التعلم ولا يكاد يدرك سن البلوغ حتى يتكامل عقله، ويسمو به وجدانه فتهيم نفسه بالموجودات ويستعين الخلطاء في فهم ما اشكل عليه منها ولا تزال خبرتاه: الذاتية والاجتماعية تزدادان وميوله ومطامعه تتضاعفان وكلما مارس الصعاب وتقلب على جمر الآلام ازداد صفاء وحقق رجاء. وازنوا بين رجلين: احدهما بدوي قح قنوع بشظف العيش عقله غفل من زخارف الصناعة والثاني مدني نشأ في حضن الحضارة والرفاهية حتى قدر ذوقه على فرض ضروب المحاسن. ان الفرق الذي يتبين لك بين هذين الرجلين هو اثر التربية الصحيحة التي ننشدها. وكم طالت العصور وانقضت الدهور ولم ينته بحب طرق التعليم وما وصل الناس الى اقصى غايات العلم، وكلما خطوا اليه وخيل اليهم انهم ورودوا حياضه يرونه بحرا واسع الارجاء، جزيل السخاء. وسيبقى الانسان فقيرا الى خالقه. لان الخالق دائما يفاجئ مخلوقاته بخلق ما لا يعلمون. فأفضل طريق هو الاجتهاد والتوكل على الخالق بالقول: »رب زدني علما» (طه آية 114) وفي ذلك اعتراف بقول الله تعالى:» وما أوتيتم من العلم الا قليلا» (الاسراء آية 85(