بعد أن أحدثت أغلب زيارات الدعاة المشارقة ضجات واسعة تابعنا أطوارها وتداعياتها في الأشهر الماضية فان مجرد الاعلان على تنظيم دورة علمية بجامع الزيتونة يشرف عليها بعض دعاة ومشايخ الخليج أثار استنفار «الزواتنة» حيث أطلقوا صيحة فزع ونظموا الحملة الوطنية للدفاع عن الزيتونة، سنية أشعرية مالكية، التي يبدو انها دفعت الأطراف المسؤولة الى التراجع والغاء الدورة. وفي الوقت الذي اعلن فيه الموقع الرسمي للأكادمية الاسلامية المفتوحة عن الدورة العلمية التي كانت ستنظم من 30 افريل الى 6 ماي المقبل بمشاركة الشيوخ محمد حسان، راشد الزهراني، سعد الشثري الى جانب وزير الشؤون الدينية نورالدين الخادمي عبّر «الزواتنة» عن رفضهم القاطع لهذه الدورة التي تعكس محاولات «وهبنة» جامع الزيتونة ثأرا لمحمد عبد الوهاب الذي أرسل رسالة الى القطر التونسي يدعوهم فيها الى الأخذ بمذهبه لكنه تلقى صفعة قوية من خلال رسالة بديعة كتبها العلامة المحقق قاضي الجماعة أبو حفص عمر ابن المفتي العلامة المالكي أبو الفضل قاسم المحجوب ليظل الخلاف التاريخي قائما. وكان الشيخ حسين العبيدي امام جامع الزيتونة قد انتقد المنهج الذي تتبعه وزارة الشؤون الدينية في دعوتها للدعاة المشارقة في وقت يوجد فيه عشرات مشائخ وعلماء الزيتونة الذين يملكون مؤهلات علمية واسعة. واعتبر ان غاية البعض هي «ضرب» جامع الزيتونة وعقيدته الأشعرية ومذهبه المالكي من خلال محاولات التخلص من تاريخنا وعلمائنا على حدّ تعبيره. وشدّد العبيدي على ان النية كانت متجهة فعلا الى دعوة الشيخ الوهابي محمد حسان الى جانب 3 شيوخ مشارقة للاشراف على دورة علمية لكن يبدو ان معارضة «الزواتنة» وصمودهم دفع الى إلغاء الدورة. واضاف انهم سيواصلون دفاعهم عن الزيتونة حتى وان تطلب الامر بيع «جلابيبهم» و»جبايبهم» على حدّ وصفه. تراجع تحت الضغط وأكد الشيخ فريد الباجي: إنّ الحملة الوطنية للدفاع عن الزيتونة سنية أشعرية مالكية، لا وهابية متطرفة، متواصلة رغم ثبوت إلغاء الدورة الوهابية المزعومة من طرف وزارة الشؤون الدينية، مع أنّ -حسب الموقع الرسمي الوهابي للأكادمية الاسلامية المفتوحة- الوزير نور الدين الخادمي هو أحد أركان الدورة العلمية التي كان من المزمع إقامتها في جامع الزيتونة حيث طلبوا من الناس التسجيل ووعدوهم بشهادة في ذلك ولولا موافقة الوزير لما تجرؤوا على التأكيد أنها ستكون في جامع الزيتونة تحديدا، لأنه في حالة عدم مشاركة الوزير وعدم وقوعها في الجامع الأعظم ضرب لمصداقية هذه الأكادمية المعروفة بنشاطها المكثف وتمويلها السعودي القوي، على حدّ تعبيره. واضاف الباجي: «ولكن تأكد لنا من داخل وزارة الشؤون الدينية بما لا يدع مجالا للشك أنه لن يكون لها وجود، وهذا يثبت لكم أن الدورة قد ألغيت رسميا وتم التراجع عنها تحت ضغط الحملة الوطنية لحماية الزيتونة من الوهابية، ولكن هذا لن يمنع قدوم هؤلاء الدعاة الوهابية تحت غطاء جمعياتي والقيام بجولة دعوية في تونس بدون دورة ولا شهادة ولا هم يحزنون».. مواصلة الحملة وحول دور المجتمع المدني في هذا الظرف الحساس شدد الباجي على انه يتحتم عليه أن يبقى متيقظا ومتوحدا على السنة ومنهج الزيتونة المعروف باعتداله ووسطيته، وهو السبيل الوحيد الذي حافظ على وحدة الشعب التونسي وإبعاده عن الطائفية المقيتة. واستطرد قائلا «لذلك وجب الثبات ومواصلة الحملة الوطنية: لا للمساس بالزيتونة، لا لتدخل الدولة من أجل زعزعة هوية الشعب التونسي المالكي الأشعري المعتدل، ونؤكد على وجوب مواصلة هذه الحملة الوطنية وندعمها بميثاق علماء تونس الزيتونة الذي وقع عليه العلامة كمال الدين جعيط مفتي الجمهورية الأسبق وتبعه على توقيعها أكثر من سبعين عالما زيتونيا، وهي عندنا وعند بعض الجمعيات موثقة بالشهود العدول، تثبت أن تونس الزيتونة سنية أشعرية مالكية صوفية، جعلوها وديعة للشعب التونسي كمناعة من أيّ غزو عقائدي متطرف».. لا لبث سموم الوهابية وفي سياق متصل انتقد الباجي الحكومة الحالية التي مازالت لم تفهم هذه الحقيقة جيدا، «وعليهم أن يفهموا أن الشعب التونسي المعتدل لن يسمح ببث الطائفية في تونس» على حدّ تعبيره. مضيفا «قوتنا نابعة من وحدة مذهبنا، ولن نفرط فيها،لأنّ البعثات الوهابية الدعوية المنفردة لبث سموم التجسيم والتشبيه لله تعالى تحت غطاء الجمعيات المأجورة بالبترودولار لن تتوقف، وسيأتون فرادى متفرقين فواجهوها بحملة علمية وطنية، وتوعية متواصلة للشعب التونسي بخطورة فساد عقيدة أدعياء السلفية، وسوء بدعهم وضررها، فإنّ التحذير من أهل العقائد الهدامة الإقصائية المتطرفة ركن من أركان الدين، والحمد لله رب العالمين».. وزارة الشؤون الدينية تنفي ونفى السيد علي اللافي مستشار وزير الشؤون الدينية برمجة هذه الدورة العلمية التي «لا وجود لها الا في خيال البعض باعتبار ان الوزارة لا تتبنى مثل هذه الدورات» على حدّ تعبيره. وقال اللافي في تصريح خص به «الصباح الأسبوعي»: «إن الوزارة تعلن عن البرامج التي تنظمها عبر مختلف الوسائط المعروفة وجامع الزيتونة مؤسسة دينية تابعة لوزارة الشؤون الدينية، والتونسيون أغلبهم أشاعرة، وبالتالي لا يمكن السماح لأي طرف للترويج لعقيدته الدخيلة انطلاقا من الجامع الأعظم وهو ما يؤكد عدم صحة ما روّجه البعض حول الدورة العلمية التي أحدثت ضجة من فراغ باعتبار انه لا أثر لها من الأساس ولا صحة لقدوم بعض الدعاة». وحول مدى سيطرة الوزارة على بعض المساجد التي مازالت تحت تصرف بعض التيارات السلفية شدّد اللافي على ان المساجد غير المسيطر عليها اصبحت تتراوح اليوم بين 50 و70 مسجدا فقط بعد ان كانت بين 500 و1000 سنة 2012، وكانت تعد بالآلاف سنة 2011. وأضاف «اعتمدت الوزارة جملة من الخطط حسب المرحلة ونحن الآن نتبع الجانب القانوني بعد ان أعطى الحوار المباشر أكله وشكلنا لجنة لها خطة متكاملة أثبتت نجاعتها».