ربّما من سوء حظ المعلمين في تونس أن إضرابهم ليوم أمس جاء في وقت كثرت فيه الإضرابات واشتدت فيه الحركات المطلبيّة إلى درجة ان الناس لم تعد تميّز بسهولة بين أصحاب الحق وبين من استغل الظرف لتحقيق مكاسب قد تكون إذا ما وضعناها في السياق العام للبلاد ضارة بالمصلحة الوطنية. بلادنا أصبحت في وضع لا يسمح لها بالمواصلة في نهج الإضرابات وتعطيل العمل. الأمر لا يتعلق تحديدا بالمؤسسات التربوية وإنما بجميع المؤسّسات، مؤسسات الإنتاج ومؤسسات الخدمات، وذلك بشهادة المختصّين من الداخل والخارج. لكن ذلك لا ينبغي ان يحجب عنا حقيقة وضع قطاع التعليم في تونس وليس الأساسي فحسب، والإقرار بوجود إخلالات ومشاكل كثيرة تنخر المنظومة التربوية في تونس ككل وتهدّدها بالتآكل وتهدّد بضياع مكسب هام من مكاسب الجمهورية الذي يتمثل في التعليم العمومي الإجباري والمجاني. ولعل أبرز هذه المشاكل هو الوضع المادي الصعب للمربي والوضع المزري للمؤسسة التربوية. تكفي جولة في عدد من مدارسنا وليس بالضرورة في الأماكن الأقل حظا حتى ندرك حجم المعاناة. ان اضراب يوم أمس والمطالب التي ينادي بها المعلمون من خلال تحركاتهم النقابية الجديدة وكذلك مختلف التحركات التي سبق وأن قاموا بها في عدد من المناسبات ليست سوى الجزء الظاهر من الجبل الثلجي. المشاكل أعمق وأكثر ومن الصعب أن نتحدث عن تعليم عصري وناجع دون إعادة النظر في المنظومة التربوية من أجل خلق مناخ جديد تتوفر فيه أدنى مقومات العمل بالنسبة للمربي وتعيد الثقة في المدرسة بالنسبة للتلاميذ وأوليائهم. فلا يمكن أن ننكر أن هناك أزمة ثقة بين المدرسة والأسرة يترجم عنها التشكيك في قيمة التعليم وفي جدواه بالنسبة لمستقبل الأجيال وفي دوره في تطعيم الساحة بالكفاءات التي تحتاجها البلاد. إن تونس وكما لا يخفى على أحد قد راهنت منذ نشأة دولة الاستقلال على التعليم العمومي ولا يمكن أن ننكر أن المدرسة التونسية قد ساهمت في بناء البلاد. ومن قبيل الإجحاف أن لا نقرّ كذلك للمربي بدوره الجبّار. بل على العكس من حق المربي على المجموعة الوطنية أن نعترف له بأفضاله فمهما كبرنا ومهما كبرت معارفنا ومهما تنوعت مصادر المعرفة ومهما تطوّرت يبقى الفضل الأول للمعلم. وربما لسنا في حاجة لأن نذكر بمقولة: قم للمعلم.. فهو يحمل على أكتافه عبء تعليم أولادنا ورفع الجهل عنهم. يتلقاهم صفحة بيضاء فيضعهم على أولى درجات سلّم العلم ونحن اليوم كمجموعة وطنية مطالبون بالدفاع عن المدرسة وعن المربين من أجلهم ومن أجلنا لحاجتنا الأكيدة لمواصلة المدرسة قيامها بمهامها.