طالعت بالعدد 1055 من جريدة الشعب مقالا للاخ حسن السنوسي نقابي من التعليم الاساسي بعنوان «حول ظاهرة الاعتداءات على المدرسين» حاول من خلاله مشكورا طرح قضية العنف الممارس ضد المربين والذي اخذ في بداية هذه السنة يتصاعد بشكل مفزع ليتحول الى ظاهرة بارزة في المؤسسات التربوية ونظرا لأهمية الموضوع وحساسيته وبحكم موقعي كمرب وكنقابي فاني اود ان اساهم بهذه الملاحظات من اجل ايجاد الصيغ المناسبة للتعاطي مع هذه الظاهرة. في البداية لابد من التأكيد ان للظاهرة اسبابا عدة رئيسية وفرعية، خارجية ومحلية كما ان لها تمظهرات ونتائج متعددة ومن المهم فرز الاسباب العميقة والجوهرية للظاهرة للقدرة على التعاطي السليم معها. ان السبب الرئيسي يعود في اعتقادي الى التحولات العالمية التي شهدها النظام الرأسمالي العالمي في مرحلته الراهنة العولة من خلال الانتصار «المؤقت» تاريخيا لصيغته الليبرالية الجديدة والمتوحشة على البديل الاشتراكي وما مثلته هذه الصيغة الليبرالية من هجوم كاسح للبورجوازية العالمية على مكاسب الطبقة العمالية والشعوب وعلى قيم العقل والمعرفة والحريات وحقوق الانسان والديمقراطية وعلى حق الشعوب في تقرير مصيرها والعودة الى التدخل العسكري السافر في كامل أرجاء المعمورة واحتلال بلدان تتمتع بالسيادة وتدمير حضارتها وانجازاتها والسطو على ثرواتها وخاصة الثروات الطاقية للتحكم في الاقتصاد العالمي. ولئن كان للبرجوازية العالمية أدوات متعددة لفرض سلطانها على العالم : عسكرية، سياسية، ايديولوجية واعلامية واقتصادية. فإنها راهنت فيما راهنت على اخضاع العقل وترويضه عبر وسائل الاعلام الجبارة التي تحتكم عليها وعبر قدرتها على توظيف العلم والمعرفة لخدمة اغراضها، فاستطاعت في فترة انهيار النموذج الاشتراكي والوطني من ان ترفع قيم الفردانية و «تدبير الراس» والربح السهل والسريع وكل قيم مجتمع الاستهلاك الى «قيم العصر» محدثة بذلك انقلابا كاملا في القيم المجتمعية التي مثلت ارثا حضاريا وتاريخيا للانسانية جمعاء وملهما للأجيال الجديدة في دفع عجلة التاريخ والارتقاء بمجتمعاتها، لقد رافق هذا الهجوم على المبادئ والقيم الانسانية النبيلة احتقارا كاملا للعقل والمعرفة واغراقا للناس في قيم الخرافة والشعوذة وصراع الاديان فتحول النموذج من «المثقف رجل المبادئ» الى «صاحب الرصيد المنتفخ» مهما كان اسلوب هذا الانتفاخ ومصدره. ان العودة الى النمط الليبرالي كان يشترط اعادة النظر في دور الدولة الاقتصادي ومفهوم الخدمات الاجتماعية حيث تحولت العلوم والمعرفة الى سلعة يستثمر فيها الرأسماليون الخواص ويكدسون أرباحا خيالية على حساب الجماهير مستغلين الثورة التكنولوجية التي شهدها القطاع الاتصالي فيتحول بذلك اقتصاد المعرفة الى واحد من اهم مصادر الثروة للبرجوازية العالمية، ان تضخم دور الوسائط الحديثة في التعليم والمعرفة رافقه تراجع لدور ومكانة المدرسة والمدرس وهذا شيء مفهوم باعتبار الامكانيات التي تتيحها الوسائط الحديثة في التعلم عن بعد والوصول الى مصادر المعرفة والمعلومة بأقل جهد ممكن وبذلك تهمش دور المربي ودور المواد التي تربي في الناشئة ملكة النقد والتفكير التأليفي وتجذر انتماءه تحت دعوى اقدار المتعلمين على مواكبة متغيرات الحياة المهنية والتكيف مع مستجداتها. لقد رافق هذه التحولات في المجال الاقتصادي والاجتماعي تحولات هامة في الاوضاع السياسية في اغلب الدول الرأسمالية حيث عشنا صعود للتيارات اليمينية واليمينية المتطرفة للسلطة وتضييق اكبر لمجال ممارسة الحريات واعتداء أوسع على حقوق الانسان وتحول الولاياتالمتحدة الى «جندرمي» عالمي يثير الحروب ويتدخل في اكثر من منطقة في العالم وخاصة منطقة الشرق الاوسط حيث الاحتياطي الاكبر للثروة النفطية العالمية ولم تبق بلادنا بمنأى عن هذه التطورات ولعل من المهم التأكيد على محدودية فعل القوانين المؤطرة للحياة العامة، حيث يضيف هامش تأطير العائلة والارتقاء بوعيها «التشاركي» البناء في الاحاطة بالناشئة وانجاح العملية التربوية، فالاطر الموجودة غير فاعلة ومحدودة التأثير، أما وزارة الاشراف باعتبارها مسؤولة عن حماية مشغليها قانونيا واداريا وأمنيا، لم تقدر على ايجاد الآليات المناسبة التي تحقق الظرف المناسب ليمارس فيه المربي وكل الاطار التربوي مهامه بعيدا عن كل ضغط أو خوف ولعل الاحداث التي عاشتها المؤسسات التربوية في مختلف المستويات تؤكد ما نقول، بل الادهى والامرّ ان تمارس وزارة الاشراف ووسائل الاعلام دورا سلبيا في هذا الاتجاه من خلال اثارة الرأي العام والاولياء ضد المربين عند اثارة موضوع الدروس الخصوصية فيقدم المربي كمسؤول عن هذه الظاهرة ويشحن الولي ضده وتصبح العلاقة مشوبة بعدم الثقة وربما العدائية، في الوقت الذي تمثل فيه الدروس الخصوصية نتيجة منطقية لسياسة تهميش التعليم والعقل وسلعنة المعرفة والتجاوزات الملاحظة في ممارسة المربين ما هي الا تعبير عن اللخبطة والفوضى لسوق خلقتها الرأسمالية ومعالجتها تتطلب مراجعة عميقة للسياسة والاختيارات التربوية وفسح المجال للمربى والولي لنقد وابداء رأيهما فيما يتعلق بالمنظومة التربوية ومردوديتها، ان الولي المكبوت يرى في المربي بما يمثله من رمزية للمنظومة التربوية، سببا مباشرا لفشل ابنه فيمارس ضده نوعا من العنف قد يكون نوعا من الرفض العفوي لمنظومة فاشلة. وكمدخل لمعالجة هذا الملف ارى انه يتعين على نقاباتنا ان تأخذ مأخذ الجدّ ملف السياسة التربوية وتمظهراتها وان تعمل على فتح باب التفاوض الجدي مع وزارة الاشراف حول مختلف تفرعات المنظومة التربوية بما فيها قضية حماية المؤسسة التربوية والمربين بتطوير الاليات والتشاريع وفسح المجال امام المجتمع المدني للاسهام في وضع الاسس العام للاختيارات التربوية باعتبارها قضية مجتمعية، كما يتعين على وزار الاشراف ان تتحمل مسؤولياته في حماية منظوريها واتخاذ الاجراءات المناسبة لاعادة الاعتبار لمكانة المربي الآخذة في الاهتراء ماديا ومعنويا واجتماعيا. توفيق شامخ كاتب عام النقابة الاساسية للتعليم الاساسي ببومهل / الزهراء