يمثل قطاع الفسفاط احدى أبرز الثروات الطبيعية الوطنية نظرا لما يوفره من يد عاملة تقارب الثلاثين ألفا مع احتساب ما يوفره المجمع الكيميائي ومساهمته بنسبة 3% من الناتج الداخلي الخام و10% على مستوى التصدير. هذا القطاع الحيوي يمر اليوم بصعوبات خطيرة تهدد كيانه في العمق بسبب سياسة ليّ الذراع بين السلطة وأبناء الحوض المنجمي منذ ما يزيد على السنتين. لقد تواترت الاضرابات والاعتصامات وغلق الطرقات وحجز قطارات شحن الفسفاط متسببة في خسائر مالية هائلة للشركة وللاقتصاد الوطني بسبب مطالب تعتبرها السلطة «مجحفة» ويعتبرها السكان «مشروعة». ورغم عديد اللقاءات التفاوضية بين سلطة الإشراف وممثلي عمال المناجم للخروج بحلول تساعد على استعادة النسق الطبيعي للانتاج وإيجاد صيغ للتخفيف من حدة البطالة المتفشية في معتمديات الحوض المنجمي إلا أن سقف المطالب في نظر هذا الطرف ظل عاليا.. والمماطلة والتسويف في نظر الطرف الآخر ظلا سيد الموقف. إنها أزمة هيكلية تعيشها شركة فسفاط قفصة منذ عشرات السنين.. حيث تعتبر إلى وقت قريب «البقرة الحلوب» للدولة تستنزف خيراتها وتوظف أموالها في بعض المشاريع الاستثمارية.. دون الالتفات إلى معاناة عشرات الآلاف من سكان الولاية الذين عانوا التهميش والإهمال وتفشي البطالة.. وانتشار الأمراض الصدرية بفعل التلوث والسكن في شبه مساكن هي أقرب إلى الأكواخ.. وطرقات مهترئة.. ووسائل نقل عمومية بدائية.. ومراكز صحية تفتقر لأدنى الضروريات الأساسية.. زادتها العوامل الطبيعية القاسية.. قساوة... ورغم الهزات الاجتماعية العنيفة التي عاشتها الولاية منذ أواخر السبعينات وبداية الثمانينات وصولا إلى الأحداث الدامية التي عاشتها مدينة الرديف سنة 2008 لرد الاعتبار لأبناء هذه الولاية.. والالتفات لمعاناتهم التي طالت إلا أن سياسة القمع والترهيب هي التي سادت طوال تلك العقود.. وخلفت كوكبة من الشهداء ما تزال عائلاتهم تطالب بأسترداد حقوقهم وإعادة الاعتبار لهم. ومثلت الثورة المباركة أمل الجميع في استعادة الكرامة ولكن الحراك الاجتماعي المتزايد.. والخلل الهيكلي المزمن للشركة قد ساهما في تعميق الهوة واستفحال الداء. لقد تراجع حجم الانتاج خلال السنة الماضية بنسبة 70% مقارنة بسنة 2010 كما أن المجمع الكيميائي لم يشتغل إلا بنسبة 57% مما أدى إلى خسائر مالية هائلة قدرت حسب مصادر رسمية ب 2000 مليون دينار خلال سنتي 2011 و2012. مقابل هذا الوضع المالي الخطير فإن 27 ألف عون يشتغل في هذا القطاع وهو مصدر رزقهم الوحيد؟؟ وهنا تتضح الصورة القاتمة لمستقبل قطاع حيوي كان يمثل أحد أبرز شرايين الاقتصاد الوطني. إن الحوار لا غيره هو الكفيل بالخروج من هذه الأزمة التي تعصف بالشركة.. والحوار يتطلب قدرا من التنازل من كل الأطراف للحفاظ على هذا المكسب الوطني اقتصاديا واجتماعيا.. كما أن المشاريع التنموية البديلة تمثل بدورها أحد الحلول المطروحة بإلحاح للخروج من المأزق... وفي غياب إرادة قوية وروح مسؤولية عالية فإن الوضع قد يزداد تدهورا.. وقد تجد السلطة نفسها أمام خيارين كلاهما مرّ إما الإعلان عن إفلاس هذه الشركة العملاقة.. وما قد يترتب عن ذلك من تداعيات اجتماعية خطيرة.. أو ترك الحبل على الغارب وفي ذلك انتحار بطيء للجميع.