راج بشأن دواعي تنحّي البابا "بنديكتوس السادس عشر" -راتسينغر- أن إنهاك الرجل المفرط على رأس الكنيسة، جرّاء ثقل المهام الملقاة على عاتقه، دفعه إلى اتخاذ هذا الخيارالحاسم. غيرأن تفسيرات الملمّين بالشأن "الفاتيكاني" تذهب إلى أبعد من ذلك في قراءة هذا الحدث الجلل الذي ألمّ بالكنيسة باعتبارالأمرليس فشلا فرديّا في تولّي مهام الرسالة التي أُنيطت بعهدة "الحبرالأعظم"، بل يأتي جرّاء خلل عميق يخترق الكنيسة برمّتها، لطالما حذّرت منه الأطراف القريبة ونبّهت إلى مخاطره. يُعدّ "اللاهوتي هانس كونغ "أبرزالمنتقدين للوضع الرّهن للكنيسة، إذ لم يتوان الرّجل عن اتهام حاضرة "الفاتيكان" بخضوعها" لمافيا لاهوتية"، يتربّع في وسطها المجلس "البابوي". ولخّص أزمة الكنيسة في ارتهانها إلى "البراديغمات" الدينية المتأتية من القرون الوسطى، ما جعل الناس ينفضّون من حولها. ورغم أن كنيسة روما تزعم أنها منفتحة على العلمانية، ومتصالحة مع الحداثة، وألاّ خصومة لها مع المجتمع المدني، فهي لا تزال تصرّ على عدم المصادقة على إعلان حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي. لقد تعالت أصوات عدّة دعت إلى ضرورة التطهّرمن تراث محاكم التفتيش، لتكون الكنيسة منفتحة وحداثيّة، فتلغي بموجب ذلك كافة أشكال الحرمان والتخريس على من يُوسَمون عادة ب"الهراطقة"، وتنتهي عن اقتفاء أثراللاهوتيين المناوئين، كحرمانها في البرازيل ل"ليوناردو بوف"، وفي هولاندا ل"إدوارد سكيلبيكس"، وفي فرنسا ل"جاك بوهيي"، وفي الولايات المتّحدة ل"شارل كوران"، وفي المجر ل"جورجيولانتي". وفي ظل ما تعانيه المؤسسة الدينية من خواء في المعنى، وتحوّلها إلى "إكليروس "مصلحي متصلّب، غدت حاضرةً في المجتمع شكلا لا روحا، بما حوّلها إلى مؤسّسة باحثة عن تدعيم سلطانها، لا تختلف في ذلك عن المؤسّسات الدنيويّة في انتهازالفرص وكسب المصالح، حتّى صارت روح المسيحية متجلّية في افتقاد الروح. لم يعد التنبيه على الاغتراب الذي تعانيه الكنيسة ديدن العلمانيّين، بل تعالت الأصوات من الداخل أيضا. ''جانفرانكو سفيدركوسكي''، مدير تحريرصحيفة حاضرة الفاتيكان "لوسّرْفاتوري رومانو" الأسبق، أورد في كتابه: "حالة طوارئ في الكنيسة" أن كنيسة روما تعيش انفصالا عن جذورها، بعد أن بات الولاء فيها إلى "الإكليروس" من "كرادلة" وأساقفة، مقدَّما على الولاء إلى الناموس. وفي تشخيص لأعراض الأزمة طُرحت حلول للخروج من المأزق: -ألا تكون الكنيسة ذات طابع مركزي أوروبي، بل ينبغي أن تتخذ صبغة كونية وتتابع قضايا المحرومين والمظلومين في إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. -أن تراجع موقفها من المرأة وتقلع عن تحريمها استعمال موانع الحمل، فضلا عن مراجعة الموقف من الراهبات، والانتهاء عن صدّهن عن الترقّي الكهنوتي على غرارالرجال، زيادة على حرمانهنّ من الرّواتب والحصول على منح التقاعد، التي يتمتّع بها الكهنة ورجال الدين فحسب. -أن الكنيسة لا تزال تروّج نمطا ذكوريا كهنوتيا، يتميزبخاصيات العزوبة، وقد خلّف ذلك تراجعا كبيرا في أعداد الرهبان، إضافة إلى اندلاع فضائح أخلاقية داخل السلك الكنسي، بما يستوجب إصلاحا عاجلا لهذا الانحراف. -أن الكنيسة ما زال يحكمها موقف عصابي من الأديان الأخرى ولاسيما الإسلام، بما يستدعي إرساء علاقة سوية تتجاوزبمقتضاها اعتقاد "لا خلاص خارج الكنيسة" ؛ كونه لا سلام لعالم لا سلام فيه بين الأديان، ولا سلام بين الأديان بدون حواربينها، على حدّ تعبير "هانس كونغ". أستاذ بجامعة روما لاسابيينسا في إيطاليا