هل ساهم الإرهاب في توحيد صفوف التونسيين؟ وهل خمدت ولو نسبيا وتيرة الاختلافات والتجاذبات بين الفرقاء السياسيين ليتفقوا بان الأوضاع اتخذت منعرجا خطيرا تستوجب أن يكون الجميع يدا واحدة لمكافحة خطر الإرهاب؟ هي أسئلة تجد صداها في ظل ما يلاحظه البعض من المضطلعين بالشأن العام من أن شبح الإرهاب الذي تغلغل في الشعانبي والذي بات يهدد مناطق أخرى من البلاد جعل الطبقة السياسية تتجاوز خلافاتها ولو مؤقتا وتصطف للتنديد بهذه الظاهرة. وهو ما تترجمه بعض القيادات على غرار ما ذهب اليه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الذي صرح بان من يروم الجهاد عليه التوجه الى ارض فلسطين. ولكن في المقابل يرى شق آخر بأن هذا التقارب هو مغشوش ومؤقت تقف وراءه عوامل عدة... يعتبر عبد العزيز القطي عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حركة نداء تونس انه "لا بد للشعب التونسي كما جميع السياسيين أن يتوحدوا على موقف واضح ضد الإرهاب. لكن قبل ذلك لا بد من القيام بعملية تقييم لمعرفة لماذا بلغنا هذه المرحلة" مشيرا الى ان التقييم "ينبثق من خلال الوقوف على تراخي الحكومة في عدم وجود إرادة سياسية واضحة للتصدي للأعمال الإرهابية على غرار ما جد في بئر علي بن خليفة وهو ما قابله غض الطرف عن هذه المسائل وعن اخذ الأمور بجدية"، مشيرا إلى أن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة "كان الغطاء الأساسي الذي يشّرع لمثل هذه العناصر من خلال تصريحه بأنهم ليسوا سوى أبنائنا ولن يأتوا من المريخ". على حد تعبيره. كما اعتبر القطي أن التمديد في حالة الطوارئ استنزف الجيش الوطني الذي تبقى مهمته الرئيسة حماية الحدود غير أن الجيش الوطني اليوم "مشتت في حين أن حدودنا نائية ومخترقة". التصدي لخطر الارهاب ولئن يؤيد البعض أن خطر الإرهاب ساهم في توحيد التونسيين كما السياسيين وساهم في النأي عن جميع الاختلافات والتجاذبات في ظل جسامة الخطر الذي يهدد امن البلاد على غرار ما ذهب إليه القيادي بحركة النهضة، وليد البناني الذي أكد في تصريح تلفزي ان المهم في تونس اليوم العمل على التصدي لهذا الخطر الداهم، فان شقا آخر يرى ان هذا التوحد قابل للنقاش وهو ما ذهب اليه الباحث في علم الاجتماع السياسي طارق بلحاج محمد. وفسر بلحاج في هذا السياق انه مبدئيا يبدو أن أحداث الشعانبي"قد وحدت الطبقة السياسية التونسية لكن هذا أمر قابل للنقاش استنادا إلى أن ما هو توحيد في جزء منه إما مغشوش أو مناور أو تحت الخوف من سيناريوهات الفتنة او رضوخا للراي العام". وقال بلحاج في هذا الصدد (في إشارة لزعيم حركة النهضة):"إن من قال الجهاد ليس في الشعانبي هو نفسه من قال أن هؤلاء أبناءنا ويحملون ثقافة ويذكرونني بشبابي وهو نفسه الذي يدعم الحرب في سوريا سياسيا وإعلاميا وعقائديا" مشيرا إلى أن هذا الموقف قد يكون "للنأي عن شبهة التواطؤ او المساهمة في رعاية هذا الإرهاب". أما فيما يتعلق بالشق الآخر أي المعارضة يرى المتحدث أن"ما جعل خطابهم يخفت قد يكون الخوف من سيناريو الفتنة والحرب الأهلية أكثر منه مراعاة لمصلحة تونس العليا والدليل أنهم يتعاملون مع هذه الظاهرة بمعزل عن أسبابها بحيث يحملون الحكومة مسؤولية التواطؤ الامني والفشل في التنمية دون أن يعودوا للأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة باعتبار أنهم جزء من المشهد السياسي وجزء من نظام الحكم القائم وجزء من هذه الشرعية". قبل أن يضيف:"وان كانوا في المعارضة فهذا لا يعفيهم من تحمل مسؤولياتهم وعلى الأقل التنبيه أن المشهد السياسي اليوم برمته بما فيه هم لا علاقة له بالثورة وباستحقاقاتها وان الإرهاب ما هو إلا عرض جانبي لغياب الرؤية السياسية والاستقطاب السياسي ولغياب روح المسؤولية عند جميع الأطراف." تقارب مؤقت ولاحظ بلحاج محمد:"لو كان التوافق حقيقيا لوسّعوا فعلا دائرة الحوار ولصاغوها في خطوات عملية وإجرائية أكثر من بيانات ولدعوا لجلسة عامة بالمجلس الوطني التأسيسي منذ اليوم الأول ولالتحقوا ببؤر الإرهاب من باب مساندة الأهالي والأمنيين وليس من باب الحملات الانتخابية المسبقة.:" وقال:"هو تقارب مغشوش مؤقت غير مبدئي وغير منتج". الاجماع على خطر الارهاب امر بديهي من جهة أخرى يرى المحلل السياسي اسكندر الفقيه أن الإرهاب "يمثل مشكلا عميقا وان تعامل النخبة السياسية يبقى دون المطلوب"، مشيرا الى ان الاتفاق والاجماع على خطر الارهاب "يبقى أمرا بديهيا لا سيما ان هذه الجماعات تهدد الوحدة الوطنية على أن تكون معالجة هذا الخطر معالجة سريعة وناجعة". حسب رايه. وأضاف ان "الخطاب الديني المتشدد والتراخي في التعامل الامني فضلا عن التراخي الاستخباراتي جعل الارهابيين يتقدمون أشواطا" مؤكدا "اختراق للمنظومة الامنية والاستخباراتية" على حد قوله. وذكر الفقيه ان "من الضروري تحديد المسؤوليات ومحاسبة المسؤولين الذين في ظلهم تمركز اللارهابيون وتمكنوا من التغلغل فضلا عن ضرورة محاسبة كل من يحرض في بيوت الله."