بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرحم تونسي والتّخصيب أجنبي
الظاهرة السلفيّة في تونس
نشر في الشعب يوم 23 - 02 - 2013

بعيدا عن المفهوم الإسلامي الذي تناولته عدّة مدونات فقهيّة وعن الدلالة الاصطلاحية التي تواضعت عليها الكتابات التاريخيّة والاجتماعية التي حفلت بها عديد الدراسات الإسلاميّة المعاصرة ، ارتبط بروز الظاهرة السلفيّة بصعود الإسلام الجهادي مع منتصف السبعينيات وتراجع الخطاب القومي واليساري ورغم الاختلافات التي شقت هذه الظاهرة إلى اتجاهين واحد علمي والثاني جهادي فإنّ هذه الفوارق لا تتعدى المستوى السطحي وهي تخضع في العموم إلى موازين القوى في الساحة التي تشتغل فيها التيارات السلفيّة، لكنّها لا تمسّ من العمق النظري والقاعدة الفكريّة التي يتأسس عليها طرحها الإستراتيجي ولا الخلفيّة العقائدية والتأويليّة التي ترتكز عليها في فهم النصّ القرآني والسيرة النبويّة وسيرة السلف الصالح.
تاريخيّة الظاهرة السلفيّة
رغم انخراط العديد من الشباب المغاربي من تونس والجزائر وليبيا والمغرب في المنظمات السلفيّة الجهاديّة مع أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات وخاصة إبان الحرب الأفغانيّة فإنّ الظاهرة السلفيّة الجهاديّة ظلّت بعيدة عن الدراسات الأكاديميّة المغاربيّة إلا فيما ندر لصالح بعض المؤسسات العلميّة الرسميّة أو خلال بعض المؤتمرات الدوليّة، كما أنّها لم تحظ باهتمام الرأي العام المغاربي إلى حدود انفجار الأزمة الجزائريّة التي تواصلت على امتداد ما يقرب العشر سنوات من 1989 إلى سنة 1999 ولا تزال آثارها متواصلة إلى اليوم رغم نجاح الدولة الجزائريّة في تقليص مخاطر الجهاديين وانحسار أنشطتهم في بعض الجيوب الجبليّة والصحراويّة النائية.
اليوم تعود الظاهرة السلفيّة إلى فرض نفسها على الدول المغاربيّة لتضرب بقوّة في دول ظلت لسنوات في مأمن منها مثل ليبيا التي تحولت إلى قاعدة متقدمة للجهاديين السلفيين بعد تمكّن قوّات «الناتو» من إسقاط نظام العقيد معمر القذافي وتصفيته جسديا، فوجدت الجماعات الجهاديّة في حالة الفراغ الأمني والانتشار الكبير للأسلحة فرصة لفرض سطوتها والتمدد في العديد من المناطق بل إنّها أصبحت تجنّد وتدرّب وتصدّر الشباب الجهادي إلى دول الجوار سواء الجزائر أو مالي أو تونس وللساحة السوريّة التي تعيشا حربا طاحنة منذ سنتين.
إنّ تشابك العلاقات بين الجماعات السلفيّة الجهاديّة من الناحية العقائدية والتنظيميّة والحركيّة يجعل من الصعوبة بمكان الاقتصار على دراسة جماعة بمعزل عن الأخريات وخاصة منها التي تحمل نفس الأسماء وتخضع لقيادات مركزيّة موحدة كالجماعات المرتبطة بالقاعدة الأمّ أو المرتبطة بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو جماعة أنصار الشريعة أو جبهة النصرة. لكنّنا سنحاول رغم ذلك التعرّف على هذه الظاهرة والبحث في كيفيّة انتشارها في تونس في العقدين الأخيرين والعوامل التي تقف وراء ذلك.
أسباب تأخر النشأة
في تونس اختلفت المقاربات للظاهرة فقد اعتبرها البعض ظاهرة جديدة وهامشية تم تضخيمها إعلاميا وحشرها في سياق التجاذبات السياسيّة التي تمرّ بها البلاد حيث أكّد الكاتب والصحفي التونسي صلاح الدين الجورشي وأستاذ التاريخ المعاصر عليّة علاني «أن التيار السلفي لم ينشأ في وقت مبكر في تونس» ويؤرخ لها كلا الباحثين بالنشأة نهاية التسعينات من القرن الماضي وأرجعوا ذلك إلى عدة أسباب لخصّاها في عدة عناصر أساسية:
- تغلغل الصوفية الطرقيّة في الثقافة الدينية التونسية.
-انتشار نموذج ‘'التدين المغاربي'' الذي يختلف جملة عن ‘'الإسلام الطهوري والنظري'' الذي صاغه العقل السلفي القديم حسب ما ذكر الباحث صلاح الدين الجورشي.
-التأثير الفكري لزعماء مثل عبد العزيز الثعالبي ثم ابنه الفاضل بن عاشور باعتبارهم من علماء الأزهر ذوي التوجه الفكري المعتدل.
-التجربة البورقيبية في التحديث ودورها في إعادة صياغة الوعي والوجدان التونسي وهو ما ساهم في تأخّر ظهور تيار سلفي في تونس.
ويؤكد السيّد صلاح الدين الجورشي أنّ ليست امتدادا للاتجاه الإسلامي ولحركة النهضة التونسية رغم وجود تقاطعات على المستوى الفكري.
أسباب الظهور
ويعيدها الباحث عليّة العلاّني إلى:
- غياب تيار ديني معتدل، بسبب حظر النظام التونسي لحركة النهضة.
- تهميش التيارات المعارضة غير الإسلامية للمرجعية الإسلامية في خطابها وممارستها مما جعلها معزولة عن المجتمع.
- انتشار السلفيّة القوي في المشرق والدول المغاربيّة المجاورة.
- التأثر بما وقع في الجزائر.
- انتشار الفكر السلفي من خلال الفضائيات والإنترنيت.
- ضعف النخب ومؤسسات التنشئة الاجتماعية في تحصين الشباب التونسي من التأثيرات السلفيّة.
- انتشار الظاهرة السلفيّة في صفوف المهاجرين التونسيين.
حدود المعرفة بالظاهرة السلفيّة
نواجه في دراستنا للظاهرة السلفيّة في تونس عدّة تحديات:
- أوّلها: طغيان التوصيفات والصور النمطيّة التي درج عليها الخطاب الرسمي التونسي الذي أولى الأهميّة الأولى للخيار الأمني وسط حالة من التعتيم الإعلامي تحت مسوغات التصدّي للإرهاب وسرية المعلومات معتمدا مقاربة أمنيّة وقائيّة تقوم على أسلوب الاعتقال والتحقيق والتصفية إن لزم الأمر لمجرد الشبهة . وعلى نقيض هذا الخطاب الرسمي الذي تعامل به النظام النوفمبري سواء خلال عمليّة الغريبة بجربة سنة 2001 أو عمليّة سليمان سنة 2007، تعامل الخطاب الرسمي اثر 14 جانفي بأسلوب يكاد يكون مناقضا للسابق معتمدا سياسة التراخي والتهوين من الخطر السلفي واعتماد مقاربة أمنية تبريرية في التعاطي معها فتكررت العديد من العمليات التي نسبت إلى عناصر من السلفيّة بداية من عمليّة القصرين مرورا بعمليّة بئر علي بن خليفة وصولا إلى عمليّتي الذهيبة والروحيّة ولا ننسى عمليّة عين «أمناس» الجزائريّة التي تأكد مشاركة 11 شابا تونسيّا فيها.
هذا التعامل الرسمي مع الظاهرة السلفيّة اتسم بغلبة الحسابات السياسيّة سواء بالنسبة للنظام السابق الذي انخرط في المعركة الدوليّة التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية على إثر هجوم 11 سبتمبر من أجل التغطية على مصادرته للحريات وحقوق الإنسان ورفضه القيام بإصلاحات ديمقراطيّة، أو للنظام الحالي الذي لم يعد خافيا أنّه انخرط ضمن أجندا دوليّة جديدة تسعى إلى الإطاحة بالأنظمة العربيّة القديمة وخاصة المناوئة منها وإحلال الإسلام السياسي محلّها وهو ما استدعى تدخلات عسكريّة مثّل السلفيون الجهاديون وقودها وحطبها سواء في ليبيا أو في سوريا من خلال تساهل وتشجيع حكومات الربيع العربي الإخوانيّة على تجنيد المئات من الشباب التونسي للجهاد والنصرة من خلال شبكات تجنيد عربيّة خليجيّة قطريّة سعوديّة.
- التحدّي الثاني: غياب معطيات دقيقة حول الظاهرة السلفيّة الجهاديّة في تونس وخاصة أعداد المنتسبين لها ولعلّ الأرقام الوحيدة التي حصلنا عليها تلك التي ذكرها الدكتور عليّة العلاّني أستاذ التاريخ المعاصر عن أحد المصادر بوزارة الخارجيّة والتي أكدت أن عدد المنتسبين للسلفيّة العلميّة يقدرون ب 3500 منتسبا أمّا المنتسبين للسلفيّة الجهاديّة فتم تقديرهم ب800 منتسبا وأن العدد الجملي إذا ما أضفنا إليه المتعاطفين لا يتجاوز ال 5000 في أكثر التقديرات.
- التحدي الثالث: يتمثّل في تسييس وتحولها إلى مادة إعلاميّة وجزء من الخطاب الانتخابي للأحزاب السياسيّة الحاكمة والمعارضة واختلاف المواقف حولها بين الدعوة إلى محاورتها واحتوائها ولما لا الاستقواء ضدّ الخصوم وبين الدعوة إلى اجتثاثها والتصدّي لها باعتبارها تشكّل خطرا على الحياة السياسيّة وتهديدا للمسار الانتقالي الديمقراطي. لكنّها وفي كل الحالات تحولت إلى هاجس يومي يؤرق الرأي العام التونسي وإلى مصدر تخوفات وريبة خاصة مع تتالي العمليات التي ثبت تورّط بعض العناصر السلفيّة فيها سواء من خلال الاعتداءات على بعض السياسيين والمثقفين والفنانين والصحافيين وتنفيذ عمليات على الحدود وتواتر العثور على كميات كبيرة من الأسلحة في العديد من مناطق الجمهوريّة وآخرها المخزن الذي تم العثور عليه في ولاية مدنين.
العامل الاقتصادي والاختراق الخارجي
مجمل الأسباب الحضاريّة والفكريّة والسياسيّة التي ذكرها الباحثان تبدو وجيهة ولكنّها لا تكفي وحدها لمقاربة الظاهرة السلفيّة وتفسير السرعة القياسيّة التي انتشرت بها في فترة لم تتجاوز العقد من الزمن وهو ما يجعلنا نسعى للبحث في أسبابها العميقة الاقتصادية والاجتماعية والنفسيّة وعن الدور الذي لعبته التوازنات الإقليميّة والدوليّة في تطوّر وبروز هذه الظاهرة.
يذهب بعض الباحثين إلى القول أنّه «أينما تغلغل الفقر والجهل ترعرع التطرّف والإرهاب» شرقا أو غربا جنوبا أو شمالا في دول المركز أو في دول الأطراف، وسواء ارتبط التطرف بالبعد الديني أو الإيديولوجي. تونس لم تشهد في تاريخها المعاصر ظواهر متطرفة إيديولوجية مؤسسة ومنظمة باستثناء بعض الجماعات التي تكوّنت في بعض الأزمات السياسيّة كالميليشيات الدستوريّة التي نشأت مع الصراع اليوسفي البورقيبي أو التي أنشئت للتصدي للنقابيين والطلاب أثناء أزمة 1978 النقابيّة. وكانت عناصرها في مجملها قد انتدبت من الأحياء الشعبيّة المتاخمة للعاصمة وتم تجنيدها مقابل امتيازات ماديّة ووظيفيّة.
ما يمكن تسجيله من خلال متابعة الظاهرة السلفيّة أن الأحياء الشعبيّة المتاخمة للعاصمة وكذلك المناطق الداخليّة الفقيرة مثلت المخزن الذي يزّود الحركات السلفيّة الجهاديّة بالعناصر وقد أرجع بعض الدارسين ذلك إلى عدّة أسباب منها:
- الفقر والخصاصة وارتفاع معدلات البطالة.
- ضعف معدلات التمدرس والانقطاع المبكر عن الدراسة.
- التفكّك العائلي وغياب الرعاية الاجتماعية.
- انتشار الجريمة والعنف المادي سواء داخل المحيط العائلي أو في المحيط الاجتماعي.
- التهميش الذي فرضته السلط المتعاقبة على تونس منذ الحقبة الاستعماريّة حتّى نظام بن علي على الأحياء الفقيرة وانتهاج المعالجة الأمنية والحلول السجنيّة.
الأحياء الشعبيّة حاضنة السلفيّة الأولى
كل هذه الأسباب أدّت إلى ظهور ما يشبه «الغيتوهات» المغلقة أو ما يمكن تسميته بعصبيّة «الحومة» التي عوضت عصبيّة العشيرة والجهة وصهرت متساكني الأحياء الشعبيّة وخاصة من الأجيال المتأخرة التي فقدت روابطها الأسرية مع مناطقها الريفيّة التي نزحت منها في مجموعات شبه معزولة عن المحيط الخارجي وسهّل عمليّة اختراقها من قبل العديد من العصابات الإجراميّة زمن الدكتاتوريّة. ومهّد الطريق للجماعات المتطرفة ومنها السلفيّة الجهاديّة التي مثلت بالنسبة لشباب الأحياء الشعبيّة والجهات المهمّشة أقصى درجات التمرّد على واقعهم اللإجتماعي البائس خاصة وقد وجدوا في صورة زعيم القاعدة أسامة بن لادن رمزا لتحدي الصلف الأمريكي وفي راية التوحيد السوداء خير أيقونة يواجهون بها بؤس الواقع ويعبرون من خلالها عن تبرمهم بالأفكار السائدة والإيديولوجيات الكلاسيكيّة التي لم تقدم لهم شيئا طيلة سنوات وأصبحت عبارة عن اسطوانات مشروخة يلوك كلماته البعض على مسامعهم ليلا نهارا.
لقد مثلت فكرة التوحيد السلفيّة في بساطتها وبعدها عن السياسة بمعناها السياسوي اليومي فكرة بقدرما هي أصيلة وسهلة التناول «يوطوبيا «مفارقة للمجتمع والواقع مبشرة بالخلاص الرباني من أوزار الحياة وتعقيداتها ومن بؤس المعيش اليومي. وحققت فيما حققته لأبناء الفئات المسحوقة المنسيّة رغبتهم في التميّز وإثبات الذات التي همشتها الدولة التونسية الحديثة، فاستعاضوا بها عن تخميرة الانتماءات الرياضيّة زمن الدكتاتوريّة وعن الشعارات التي كانوا يرفعونها خلال بعض المباريات الكرويّة قبيل الثورة (نتذكر الأهازيج التي كان يتغنّى بها أبناء الأحياء الشعبيّة أثناء تشجيعهم لفرقهم الرياضيّة ومنها « باب جديد أفغانستان.. ولفريقي طالبان.. وفريد عبّاس بن لادان «، التي ظهرت بعد تفجير البرجين في 11 سبتمبر وخاصة إثر عمليّة سليمان التي أوقف فيها العديد من شباب الأحياء الشعبيّة ) لتتحول هذه الشعارات بعد الثورة ومع تراجع الاهتمام الشعبي بكرة القدم إلى أهازيج ثوريّة تتغنى ببطولات «الحوم» الشعبيّة في الثورة ولكنّها سرعان مع عادت نتيجة الإحباط واليأس من الثورة والتوجيه الممركز من قبل شيوخ السلفيّة الجهاديّة الذين تغلغلوا في الأحياء الشعبيّة لتتحول إلى أناشيد إسلامية في المسيرات التي يدعو إليها شباب السلفيّة الجهاديّة سواء لنصرة الرسول أو للمطالبة بالتنصيص على الشريعة الإسلاميّة ضمن الدستور أو للدفاع عن الإسلام ضدّ أعدائه المتغيرين بحسب السياق الذي يفرضه السجال السياسي سواء كانوا من العلمانيين أو الفرانكفونيين أو الشيوعيين أو الإعلاميين ما يؤشر على تغيّر نوعي يؤكد تغلغل الدعوة السلفيّة بسرعة في بيئة ملائمة وخصبة بالرفض والتمرّد.
مدن الهامش وقابليّة التأسلف
و في شبه تماه مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه الأحياء الفقيرة والشعور العام الذي يسيطر على شبابها بالتهميش و»الحقرة « عاش شباب الجهات الداخلية المحرومة في الدواخل التونسيّة نفس الشعور بالغبن الاجتماعي زاده الكبت السياسي وغياب الحريات وحرية التنظم في أحزاب ومنظمات وجمعيات الذي فرضه النظام الدكتاتوري لسنوات تعمقا ممّا سهّل تقبل الفكرة السلفيّة الجهاديّة وتغلغلها بين أوساطهم بسرعة كبيرة وخاصة في معتمديات سيدي بوزيد والقصرين التي تعاني اعلى معدلات البطالة والتي كانت مهد الثورة التونسية ، كانت هذه الجهات الأشد تهميشا أرضا خصبة للاستقطاب بالنسبة للجماعات الجهاديّة خاصة بعد الثورة مع ارتخاء القبضة الأمنية وتدفق الأموال الكبيرة من الدول الراعية والمستثمرة لهذا الفكر الوهابي المتطرف في شكل هبات ماليّة تقدم للجمعيات الخيريّة العابرة للحدود والتي أخذت وقتها الكافي للانتصاب والتغلغل مستغلّة ما سمي بأعمال الإغاثة للاجئين الليبيين أثناء ما سمي بالثورة الليبيّة. ولعلنا لا نستغرب كون أكثر المناطق الداخليّة التونسيّة التي عرفت الاستقطاب خلال تلك الفترة المنطقة الحدوديّة ببن قردان التي قدمت للسلفيّة الجهاديّة خير شبابها الذين التحقوا للقتال في الجبهة السوريّة وقبلها في ليبيا واليوم في مالي.
تنبيه: لكن يبقى من الضرورة التنبيه إلى أن التغلغل السلفي الجهادي ورغم كونه وجد تربة خصبة في الأحياء الشعبيّة الفقيرة فإنّه لم يقتصر عليها بل إنّه وجد طريقه للانتشار في العديد من الأحياء التي تسكنها الفئات المتوسطة والميسورة والغنيّة وكذلك في العديد من المدن المحظوظة التي تتوفر على إمكانيات اقتصاديّة لا باس بها، وهو ما يعني أنّ العامل الاقتصادي والاجتماعي ليس العامل الوحيد المحدد في تنامي الظاهرة وتوسعها إذ تبقى العوامل الأخرى الفكريّة والثقافيّة والنفسيّة مهمة في تفسير الظاهرة.
الاستقطاب على قاعدة الهوية المهدّدة
لطالما نظرت الأنظمة السياسيّة المتعاقبة على تونس إلى الإبعاد الثقافيّة في بعدها الشعبي نظرة ارتياب وانتصرت لثقافة النخبة على حساب ثقافة الهامش، ولئن كانت المعركة السياسيّة الأولى بعد الاستقلال والتي سميت بالفتنة اليوسفيّة قد طغى عليها الجانب السياسي رغم بعض القراءات التي حاولت تلبيسها لبوسا ثقافيا هوياتيا فالرجلين بورقيبة وبن يوسف كانا زعيمين لنفس الحزب «الحزب الحرّ الدستوري « وقد يكون الثاني هو الذي رسم ملامح هذا الحزب وأعطاه أبعاده السياسية والثقافيّة عندما كان الأول مقيما في القاهرة لسنوات، لكن هذا لا ينكر أن قراءة الحدث البورقيبي اليوسفي المتأخرة حملت في تفاصيلها الكثير من الصراع الفكري وتأسست على أساس الصراع بين خطي البورقيبيّة الفرانكفونية التغريبيّة واليوسفيّة العروبيّة المتجذرة في هويتها، ونسبة مفهوم الصراع للرجلين قد لا تكون واقعيّة بمكان كنسبة السنّة إلى معاوية ابن أبي سفيان والشيعة إلى علي ابن أبي طالب.
غير أن المعركة الثانية التي عرفتها البلاد مع بداية التسعينيات من القرن المنقضي بين نظام بن علي وحركة النهضة الإسلاميّة والتي كانت أيضا سياسية في جوهرها رغم حجم التبريرات والتنظيرات والقراءات التي وصفتها على اعتبارها معركة بين الإسلام والعلمانيّة ( لم تكن حركة النهضة ناطقا باسم الإسلام ولم يكن بورقيبة داعية العلمانيّة ) قد نجحت في خلق حالة من الانشطار في الهويّة الاجتماعية وإحساسا بالمظلمة لدى جمهور واسع من الأوساط الشعبيّة التي طالتها شظايا هذه المحرقة السياسيّة سواء بالملاحقة الإدارية أو الأمنية أو الاعتقال والتعذيب والسجن لسنوات ممّا خلّف شعورا سائدا بأن الإسلام في خطر خاصة مع انتهاج النظام السابق سياسة ما سمي بتجفيف الينابيع التي طالت المعتقد الجمعي وحوّلت المعركة من أبعادها السياسيّة إلى عمقها الثقافي كما أراد لها الخصمان السياسيان أن تكون النهضة رفعت لواء الهويّة والنظام انتصب مدافعا عن قيم الحداثة والديمقراطيّة وهو ما سمح بتوظيف هذا التقسيم البغيض من خلال بعض القوى الإسلاميّة سواء النهضة أو السلفيّة الجهاديّة مع بداية ظهورها لتكفير النظام ومن ورائه المجتمع الذي صمت على ممارساته وكأنه كان يملك فرصة ليعبر عن موقفه من معركة الإلغاء المتبادل فكيف لمواجهة نظام تمكّن من فرض قبضته الأمنية وتأميم الحياة الشخصيّة والعامة وأرسى أعتى ماكينة بوليسيّة قمعيّة في المنطقة.
تهميش الثقافة واغتيال العقل
بعد أن حسم النظام معركته مع قوى الإسلام السياسي مع منتصف التسعينيات من القرن الماضي اعتمد سياسة التفريغ الممنهج للساحة السياسيّة والثقافيّة معتمدا على ماكينة إعلامية جهنميّة تصوّر الواقع التونسي في صورة نمطيّة سياحيّة تلخصها تلك الأغنية الممعنة في الإيذاء لصوفيّة صادق «في الأمن والأمان يحيا هنا الإنسان» وهو ما ساهم في خلق شبه القطيعة بين النظام ومؤسساته على اختلاف مستوياتها السياسية والثقافيّة وبين بقيّة المجتمع الذي ظلّ سجين إشباع غرائزه يلهث وراء لقمة العيش وتسوقه غرائزه الجنسيّة. ورغم المحاولات الجادة لتأثيث المشهد الثقافي مع بداية الألفية من خلال عودة النشاطات الثقافيّة كالعروض المسرحيّة الهادفة ورفع التضييق النسبي عن بعض الفرق الملتزمة للعودة إلى الفضاءات الجامعيّة والعامة والسماح لبعض الجمعيات والمنتديات بتنظيم ندوات فكريّة وسياسيّة فإن كل هذه الأنشطة بقيت جزرا صغيرة داخل بحر من الخراب الثقافي والتمييع الفكري، وهو ما دفع قطاعات واسعة للهروب إلى الفضائيات التي فتحت نوافذها على مصراعيها دون رقيب أو حسيب لاستقطاب الشباب التونسي الظمآن لكل ممنوع نكاية في النظام، فكان أن تلقفتهم القنوات الوهابيّة المتطرفة التي نفثت فيهم مفاهيم للإسلام وتأويلات تكفيريّة مسكونة بالحقد على الدولة التونسيّة تجاوزته إلى التشكيك في عقيدة الشعب ونزعت عنه إسلامه واتهمته بشتّى تهم الفجور تحت سطوة الشهادات الثاريّة التي تجاوزت في كثير من الأحيان الحقيقة التي تصدرها قيادات النهضة والجماعات الإسلاميّة في المهاجر وتدعمها قطاعات واسعة من النخب السياسيّة نكاية في النظام.
قمع الحريّات واجهاض الفكر التقدّمي
غير أن النظام المجبول على القمع ومع تنبهه لهذا التمدد السلفي سارع كعادته إلى المقاربة الأمنية الاستئصاليّة وقمع هوامش الحريات التي بالكاد استطاع المناضلون افتكاكها، فلم تبق سوى بعض جيوب المقاومة الهامشيّة في الساحات الجامعيّة أو بعض المنظمات الاجتماعية والحقوقيّة تحذر من قصور هذه المقاربة وخطورتها على المدى البعيد في حين انتبهت بعض القوى الإسلاميّة إلى هذا المأزق ولكنها عملت لسوء الحظّ على استثماره سياسيا لتسجيل نقاط على النظام وخاصة حركة النهضة التي صمتت في الداخل وأطلقت العنان في المهاجر للنفخ في النار وتسعير التجاذب الديني في حين انخرط غالبة الشعب مجبرين في حالة من السلبيّة تحت طائلة القمع والإرهاب الرسمي والفساد والإفساد المستشري في كل مفاصل الدولة.
هذا المناخ السياسي الخانق الذي تزامن مع مناخ اجتماعي واقتصادي آخذ في التأزم مع نهاية التسعينيات يضاف إليها حالة الإخصاء القومي مع بداية الألفية إثر المجازر المروعة في «قانا» بلبنان ومخيم جينين بفلسطين والتي انتهت بغزو أفغانستان وباحتلال العراق واغتيال الشهيد صدام حسين بطريقة مذلة واستعراضيّة أريد لها أن تحمل بصمات طائفية والعدوان على لبنان وغزّة واغتيال عديد القيادات المقاومة الفلسطينية وأهمهما الشيخ ياسين والقائد ياسر عرفات، تزامن مع ظهور أكثر الحركات راديكاليّة في التاريخ المعاصر وهي تنظيم «القاعدة» الجهادي الذي دخل المسرح بعمليّة استعراضيّة لا تزال ملابساتها غامضة تمثلت في تفجير برجي التجارة بنيويورك، ومن يومها فقصت العشرات من التنظيمات السلفية الجهاديّة التي وان اختلفت مسمياتها فإنها تشترك في ولائها للتنظيم الأم القاعدة وتأثرها بشخص قائده الملهم أسامة بن لادن. ولم تكن تونس بمعزل عن هذا المناخ العربي والدولي العام فكان أن افتتحت القاعدة عملياتها بتفجير معبد الغريبة اليهودي بجربة وبعدها بسنوات الاشتباك مع الأمن التونسي في منطقة سليمان، والتي انتهت باعتقال المئات من الشباب على خلفيّة الانتماء إلى القاعدة وإخضاعهم إلى أبشع أنواع التعذيب وهو ما كرّس في أذهانهم المقتنعة مسبقا مقولة النظام الكافر عدو الإسلام.
الربيع العربي واستعادة السيناريو الأفغاني
كل الأسباب التي تقدّم سبق ذكرها كمحاولة لفهم ظهور وتغلغل من حضاريّة وفكريّة واقتصاديّة واجتماعيّة ونفسيّة تبقى قاصرة عن تفسير سرعة انتشار هذه الظاهرة وهو ما يستدعي منّا التفكير في أسباب أخرى لعلّ أهمّها التخصيب الخارجي أو اللعبة الدوليّة.
هناك صورة على شبكة التواصل الاجتماعي أراد من خلالها من رسمها تجسيد الشعور العام الذي يخيّم على أذهان قطاعات واسعة من النخب السياسيّة التونسيّة باستثناء الجماعات والأحزاب الإسلاميّة، تتلخّص في رسم لحصان طروادة كتب عليه الربيع العربي تخرج منه حشود من السلفيين الجهاديين.
قد لا تكون الصورة مطابقة تماما للواقع والتعبيرة الأمثل عنه خاصة في الواقعين التونسي والمصري الذين تميزت انتفاضتاهما بغياب السلفيين وعدم مشاركتهما الظاهرة على الأقل في الحراك الثوري وظهورهما المفاجئ للجميع اثر سقوط النظامين، قد يكون الواقع في مصر بدرجة أقلّ. لكن يبدو انّ الصورة في ليبيا وسوريا لا تختلف كثيرا رغم كون حجم المفاجأة كان أقل بحكم المشاركة الواضحة للقوى السلفيّة بشكل واضح والإخوانيّة بشكل خفيّ في الحرب ضد النظامين: في ليبيا تحت رعاية قوات «الناتو» التي فسحت لهم المجال بعد الضربات الجويّة الموجعة والمجهود الاستخباراتي الحاسم الذي أهدى الجهاديين رأس العقيد معمر القذافي على طبق من ذهب بعد أن أخرجته قوات الناتو من طرابلس ولاحقته في معقله ببني وليد وسددت له طائراتها ضربتها القاسمة، أمّا في سوريا فلا شكّ في أن أيادي الحلف الأطلسي غير بعيدة عن المحرقة المدمرة التي يستمر لهيبها منذ سنتين لإسقاط النظام سواء من خلال التجنيد الإخواني السلفي أوالتدريب التركي والتسليح الليبي الخليجي القطري السعودي والضغط الدبلوماسي الأمريكي الغربي وخاصة الفرنسي.
هنا نعود إلى بداية الثمانينات والأجواء التي رافقت الجولة الأخيرة من الحرب الباردة الأمريكية السوفياتيّة على الأرض الأفغانية، لنتذكّر «العرب الأفغان» والدول الذي لعبته المخابرات الأمريكية الفرنسيّة الإسرائيليّة بدعم من المال الخليجي والتنسيق الأردني المصري لتجنيد الآلاف من الشباب العربي للجهاد في أفغانستان تحت عنوان «الجهاد ضدّ السوفيات والشيوعيين الكفرة» في الوقت الذي كانت فيه «شارون « يجتاح بدباباته العاصمة اللبنانيّة بيرون لسحق المقاومة الفلسطينيّة.
معركة المصالح الدوليّة على الأرض العربيّة
نفس السيناريو يعاد اليوم ونفس القوى التي شاركت فيه بالمجهود الاستخباراتي وبالسلاح والمال وقامت بمهمّة تجنيد الشباب العربي في معركة لا تختلف في جوهرها عن المحرقة الأفغانية السابقة والغاية نفس الهدف القديم الجديد إعادة توزيع الخارطة الاستعمارية العالميّة والتصدّي للقوى الاقتصادية الآخذة في التمدد سواء منها الروسيّة أو الصينيّة ومحاصرة الجمهوريّة الإسلامية الإيرانيّة التي تغيرت نظرة الإسلام السياسي والجهادي لها من كونها مهد الثورات الإسلاميّة أيقونة والصحوة الإسلاميّة الناشئة لتصبح بقدرة الاستراتيجيات الاستعمارية الجديدة حكومة طائفيّة تمثّل خطرا على الإسلام السنّي وعلى الربيع العربي الآخذ في التأسلم بإرادة الصناديق الانتخابية. كما أنّ العدو اليوم لم يعد ذلك الآخر الشيوعي السوفياتي الذي يحتلّ دولة مسلمة شقيقة وإنّما تحوّل إلى الداخل ليلتبس بصورة الأنظمة الدكتاتوريّة المستبدّة الرافضة للديمقراطيّة وحقوق الإنسان والمعادية للهويّة العربيّة وللصحوة الإسلاميّة وليتجاوزها بعد الانتخابات الخاطفة إلى المعارضات العلمانيّة من قوى سياسيّة يسارية وليبرالية وقوميّة ومنظمات اجتماعيّة حاقدة لا تكفّ عن المطالبة ولا تترك الحكومات الإسلاميّة تعمل، وتسعى إلى إفشالها وعرقلتها ومنازعتها السلطة التي وصلتها بصناديق الاقتراع في انتخابات شفافة ونزيهة يشهد بها كل العالم، والأدهى من كل ذلك أن هذه المعارضات الكافرة الفاجرة تشكك في الشرعيّة التي أصبحت شريعة اللّه التي لا يمكن نقدها أو مناقشتها أو الطعن في علويتها.
«التدافع الاجتماعي» ملعب السلفيّة الجهاديّة
هكذا قضت اللعبة الدوليّة وسنّة المصالح التي لا تعرف عدّوا دائما ولا صديقا دائما أن تلتقي مصالح الحركات الجهاديّة السلفيّة مع مصالح القوى الكبرى حارسة الديمقراطيّة في العالم وان تفسح لها المجال للعمل والنشاط والتمدّد وتهمس في أذن حلفائها من الإمارات الرجعيّة العربيّة الغارقة في بؤس الاستبداد والفساد والحكم الأوحد أن تمدّها بالمال والسلاح للإجهاز على خصومها في المنطقة لتفتح أوطانهم على مصراعيها للخراب الاقتصادي والتفكّك الاجتماعي والصراعات الطائفيّة المدمرة، وخزائنهم لبنوك النهب العالميّة لفرض وصايتها وأراضيهم للجيوش الاستعمارية لإقامة قواعدها العسكريّة وللشركات الاستثمارية العابرة للأمم لنهب خيرات هذه الدول وارتهان اقتصادياتها وقراراتها السياسيّة للوصاية والتبعيّة.
وإن لم يسمح الربيع العربي بذلك وحافظت الدول على بعض استقلالها وتلاحمها الداخلي فالحجّة حاضرة والدرس الأفغاني مازال ممكن التوظيف نشر الفتن الداخليّة وتشجيع حكومات استبداديّة جديدة بغطاء ديني يرتكز على شعبيّة كبيرة لشعوب مفقرة وجاهلة ومغيبة تحت شعارات الخوف على الإسلام من أعداء الداخل، وإن تعذّر كل ذلك فالتدخّل مسموح به تحت ذريعة القضاء على الإرهاب الذي يهدّد السلام العالمي ولن يكون المسوّغ حينها صعبا مقاومة الإرهاب وإن كان الدرس الأفغاني بعيدا فلنا في مالي خير دليل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.