بقلم: لطفي ساسي: بدأت الثورة في تونس مع مظاهرات شبابيّة وطلابية،"على خلفية ما حصل للبوعزيزي" وطالبت بالكرامة وبتغييرالإدارة الفاسدة؛ ولم تطالب في البداية بإسقاط الرئيس؛ ولكن بفضل شبكات التواصل الاجتماعي، تمكَن الشباب من إبرام علاقات بسرعة جنونية، وتواصلت المجموعات في ما بينها، وتمّ الحشد للمظاهرات في كل مكان بتواريخ محدّدة مسبقا، وبأماكن محدّدة أيضا، ووقع استغلال بيروقراطية الإدارة، لشلّ عملها عبرالمظاهرات وقطع الطريق وإعلان العصيان في كل تراب الجمهورية، وكانت فئات الطلبة والتلاميذ والعاطلين عن العمل من أصحاب الشّهائد خاصة، أكبر مشارك في هذه المظاهرات، فعبَرهؤلاء عن كره دفين للطبقة السياسية السّمينة التي تقود البلاد منذ عقود وعن كره لأصحاب الرؤوس البيضاء والبطون المنتفخة والذقون المترهلة، وتمّ ترصدهم أمام الإدارات في كل مكان، وطالب المحتجّون بخلعهم عبركلمة ديڤاج ؛ وطالب الشباب أيضا بضرورة إڦصاء الدَساترة عن السلطة، ومحاسبة كل من ضلُع في فساد إداري أو مالي، بل وطالبت عديد المظاهرات تكريسا لمقولة "فلا عاش في تونس من خانها"، بمحاكمة كل من خان هذا الشعب وسرق ونهب مال الأمة، وبإعدام كل خائن للبلاد في الأماكن العامة ونفي البعض الآخرمن البلاد. وطبعا تتكوّن هذه المظاهرات من عديد الاختلافات المذهبية والعقائدية لكنها تتآلف في المطالب ولا سيما العاجلة منها. واليوم نلاحظ أن المطالب تغيرت، وهذا أمرطبيعي، لأنه ليس الشباب هومن يطالب، وإنما ظهرت فئات أخرى من الكهول والشيوخ والنساء، من العملة والموظفين من جميع الرّتب، وممّن تغلغلت فيهم محبّة بن علي !!! وسكت الشباب بعد سقوط الرئيس وحكومته، وبقي ينتظر، خارج أسوارالمطلبيّة. ولهذا لم يعد من وجود لمطلب و الخ... إنما ظهرت مطلبية جديدة، هدفها إغراق البلاد في الفقر، وجرّها إلى مستنقع الديون. هدفها ايضا: الإثراء وزيادة الدّخل والامتيازات وتحسين الظروف المهنيّة، عبرتحركات نقابية مشبوهة ولم يعد ل : " خبزوماء وبن علي لا" أي معنى، وهوأمرغير مستغرب، ما دامت الفئات المطالبة بهذا، هي غيرالفئات التي صنعت الثورة . كما أن الفئات التي استفادت من نظام بن علي، ومن التجمع، تحاول المحافظة على هذا النظام بشتىّ الوسائل والأساليب، ومنها شلّ عمل الحكومة، عبرالإدارات الموالية للتجمَّع القديم، وكذلك عبرالإعلام الولائي، لاستغلال ضعف هذه الاخيرة، وتشويه صورتها، والتنديد بفشلها وهو فشل مفترض ومنتظرالحدوث بصفة ماقبلية، وذلك بواسطة آستغلال سلطة الإدارة التقديرية، لاتخاذ قرارات خاطئة وفاسدة في مجملها. مثلما حصل عند عزل القضاة في منتصف 2012 فالإدارة هي من يقوم بدراسة الملفات، وتحضيرالقرارات، واستحضارالحجج والقرائن، ولكن الوزيريمضي فقط . لا ينظر في الأصل، لا يفتح الملفات: لأن ثقته في إدارته مفترضة أولا، ولأن حجم العمل يفرض عليه إمضاء مئات حاملات-الملفات يوميا، وقد لا يجد الوقت لذلك، فيتراكم من جديد. وهكذا دواليك...والأمرمشهورلدى جميع المسؤولين وفي كل الإدارات . فهو إذن في أغلب الأحيان لا يجد الوقت للإمضاء، فكيف يجده للاطلاع على الملفات بجميع ما تحتويه من وثائق، وهذا عمليا أمر مستحيل !!! وحتىّ عند مساءلة الوزيرفهو يدافع عن القرارات التي أمضاها لأنه لا يستطيع التجريح في إدارته، خاصة أن الأمورليست بيده لوحده ولا يمكنه التوقّي من المساوئ، خاصة في الوضع الراهن، لعدم استقرارالبلاد ولقصرالمرحلة، ولهذا يتحمّل مسؤولية كاملة عن آداء وزارته. من هذا الباب تدفع له الإدارة قائمة مسمومة بأسماء قضاة لعزلهم على أنها عملية عادية، فالعزل والنقلة والترقية، هي أمورجارية ويوميّة. وبالرجوع إلى الرائد الرسمي فإن عمليات العزل والنقلة هي عمليات تتواتربدون لبس، ولهذا يقوم الوزيربالإمضاء وهولا يدري فقد يكون هذا الإمضاء سبب عزله، وقيام قيامته، والمطالبة بدمه، والجروح قصاص!!! إضافة إلى هذا وقع دفع الحكومة إلى ارتكاب أخطاء أخرى لا تغتفر وجعلها تلتمس الأعذار للخلاص، الأمرالذي هدّد كيانها وفرَك أوصالها وجعلها ضعيفة لا حول لها ولا قوة، بما جعل الغربان تتلهّى بالنعيق حولها، والضّباع تنهشها حيّ. وقد نهى الربّ عباده عن أكل الميّتة فضلا عن الحي لقوله تعالى: "أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا، فكرهتموه " صدق ربّي العظيم وكذب المنافقون. إن المستفيدين من حكم بن علي وجماعته ما زالوا إلى اليوم نافذين، عبرشبكة من العلاقات وعبرالمال الفاسد الذي تمّ نهبه منذ عقود من الزمن، وعبرالعادة والعرف، حيث حفروا افكارا خبيثة مفادها أن اللون الأحمريرمز للسلطة - لمصلحة البلاد – دمّ الشهداء ثم انتقوا شعارات أحزابهم منه، وبما أنه قد تمّ تلقين هذه الفكرة للشّعب على مدى عقود، فكيف لهذا الشعب المسكين أن يثق اليوم بالألوان الأخرى؟؟؟ وبالإضافة إلى هذا، تمّ الإصداح بالنشيد الوطني وحشره في كل المناسبات وفي غيرالمناسبات من قبل كل الأطياف، الصّالحة منها والطالحة، فقد أنشده مصّاصو دماء الشعب طوال زمن الحزب الدستوري وبعده التجمع "الدستوري"كانوا ينشدون "فلا عاش في تونس من خانها" وكانوا في الخيانة يعمهون وكانت "حماة الحمى" كمقولة لكل هذا لم يعد للإصداح بالنشيد الوطني معنى، فقد أضحي ركوبة عامة للوصول، لهذا ندعوالأحزاب للكفّ عن هذه الترّهات لأننا بالفعل "فايقين بيهم" ولن تنطلي علينا خزعبلات القرون الوسطي . ونقول لقوي الردّة: ثوبوا إلى رشدكم وراجعوا حساباتكم واستحوا على أنفسكم لأن اللعبة القذرة التي تلعبونها قد تأتي على الأخضرواليابس، إنها الفتنة وهي أشدّ من القتل ونحن شعب كالبركان، يثورمن دون سابق إنذارومن حيث لا يمكن التكهّن، وأهلا بكم حين تخلعون أقنعتكم وتشمَرون عن سواعدكم للبذل والعمل الصادق وتتخلون عن الانتهازية والنفاق.