تتابع منذ حوالي الشهر وتتواتر الحوارات الوطنية الهادفة لتجميع الفرقاء سعيا لتخفيف حدة التوتر والاحتقان في مجالات عدة وإخراج بلادنا من «عنق الزجاجة» سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. فمن الحوار الذي دعت إليه رئاسة الجمهورية والذي انطلق منذ أواسط أفريل الماضي إلى الحوار تحت مظلة المنظمة الشغيلة مرورا بذلك الاقتصادي البحت في الظاهر على الأقل الذي دعت إليه منظمة الأعراف، هذا دون أن نغفل عديد الدعوات السابقة التي أجهضت في المهد. وكل هذه المبادرات تشير إلى وجود وعي لدى جميع أطراف الطيف السياسي والاجتماعي في البلاد بأن بلادنا توجد في وضع «مأزق» حقيقي وحتى في وضع منزلق خطير لا بد من تفادي مسيرة التدحرج فيه أكثر في أسرع وقت. أي أن هناك إجماعا وتوافقا في تشخيص الوضع إلا أن المشكل الحقيقي يتمثل في صعوبة التوافق حول الحلول والتمشي الأمثل للخروج من هذه البوتقة الخانقة التي تتجلى أهم سماتها في اقتصاد منهك على حافة الانهيار لو تواصلت الأمور على نفس الوتيرة الحالية وفي إهتراء سلطة الدولة وهيبتها وفي الخطر الإرهابي المحدق. فعندما يتعلق الأمر بالبحث عن الحلول تبرز المصالح الحزبية والشخصية الضيقة و»الأجندات» والحسابات الخفية التي ترفض الإعلان عن نفسها... والتحالفات غير المعلنة وهو ما عطل طويلا أي تمشّ سليم نحو توافق على حد أدنى من الخطوط العامة والمبادئ. وقد تجلى ذلك أكثر ما تجلى في الميدان الاجتماعي حيث تكاثرت الإضرابات والإعتصامات وقطع الطرق وصاحبها «حوار الطرشان» بين مختلف الفاعلين على الساحة وفي الميدان السياسي حيث ساد منطق التحقير والإقصاء وتبادل التهم والشتائم بين المتحصنين ب»الشرعية» ومن يطلق عليهم «صفر فاصل» وأسفر هذا الواقع عن نتائج متوقعة ولكن أيضا عن نتيجة لم يقرأ لها أي طرف حسابا في الوقت المناسب، وهي شبح الإرهاب المهدد بنسف كل شيء. إن غياب حد أدنى من التوافق هو الذي مثّل إلى جانب عوامل أخرى لا يجدر إهمالها الأرضية الخصبة ل»تسلل» هذا المعطى الجديد في «مجاوزة ممنوعة» لجميع الأطراف المتصارعة المتناحرة في ظرف لا يحتمل المزايدات والمهاترات. وعسى أن يوحد هذا الخطر الداهم الجميع ليرتقوا أخيرا إلى مستوى هذه اللحظة التاريخية الفارقة فيعطوا مبادرات الحوار هذه، معنى ومضمونا، بتنازلات متبادلة تضع مصلحة البلاد في قمّة المشاغل والاهتمامات حتى «يقطعوا العشب»من تحت أقدام أعداء الحرية والديمقراطية والساعين لتحويل الثورة عن مسارها نحو أنهار من الدم وأنقاض من الخراب.