عندما التقينا اللواء احمد عفانة أبو المعتصم للحديث حول ذكرى النكبة والتي تحولت الى نكبات امتد الحديث الى أكثر من محطة من محطات القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني في الأردن وسوريا الى لبنان وتونس ومنها الى حمام الشط والى الانقسام الحاصل في المشهد الفلسطيني والصراع بين فتح وحماس والمصالحة المؤجلة وغياب الزعامات في المشهد الراهن. أبو المعتصم الذي كشف من خلال هذه الاعتراف للاعلام ولأول مرة عن عديد الجوانب من حياة رفاقه في النضال في مختلف مراحل القضية الفلسطينية كشف لنا أطوار الهجوم الإسرائيلي على حمام الشط وسر القنابل "الفراغية" التي استعملت في الهجوم أنذاك كل ذلك قبل التوقف عند خفايا وملابسات ترحيل القيادات الفلسطينية من بيروت الى تونس. أبو المعتصم كان طوال حديثه حريص على عدم النبش فيما يمكن أن يزرع الفتنة ويسيء الى أي شعب عربي رغم عمق المأساة ومرارة الاحداث التي مرت على الفلسطينيين على مر العقود الماضية ويصر مقابل ذلك على الاستفادة من تلك الاحداث والخيبات لاصلاح ما يمكن إصلاحه بل هو أحرص على التفريق بين القيادات وبين الشعوب التي تبنت المقاومة... الامر لا يتعلق بكتابة مذكرات للرجل الذي لا يزال يرفض اليوم العودة الى الوطن الذي أخرج منه قسرا ليعود اليه بمنة أو ترخيص أو حماية اسرائيلية فعقليته الثورية المتمرة تأبى عليه ذلك وتفرض عليه الغربة رغم الحنين الى البيت الاهل. والمذكرات ليست بالامر الذي يشغله وهو الذي تعود على الحركة والبناء ونشأ على أن العمل أفضل وأن غرس شجرة حيثما تكون في الأردن أو الجزائر أو تونس أو غيرها او رعاية طفل وتنمية وعيه الوطني أفضل من كل المذكرات عن المعاناة السابقة في الحياة.أمله كبير في الأجيال القادمة وهو الاب لخمس بنات والجد لنحو عشرين من الاحفاد والحفيدات بعد استشهاد ابنه الوحيد في بيروت. أبو المعتصم الذي يخرج عن صمته لأول مرة منذ وقت طويل ممن لا يرددون قول الشاعر" ليت الشباب يعود يوما " الا اذا كان ذلك بهدف للعودة للمقاومة فشبابه كان نضالا متواصلا وجهادا يوميا ولكنه ليس جهاد الفاشلين في الحياة الطامحين في الفوز بالاخرة بل جهاد من أجل الحياة ومن أجل الأرض والكرامة يرفض الهزيمة والاستسلام واليأس.. كان على وشك العودة الى فلسطين وكان أبو مازن طلب منه ذلك قبل سنوات الى جانب كل من أبو ماهر وأبو اللطف ليكون الى جانبه بعد رحيل أبو عمار ورحيل وجوه نضالية أخرى , عشية الرحيل تراجع أبو المعتصم ليفاجئ أبو مازن بتغيير قراره على اعتبار أنه عسكري ولا يتقن غير لغة الثورة وأن أبو مازن اليوم في مرحلة بناء وليس في مرحلة ثورة وربما لا يتعود الجيل الذي أحاط به أبو مازن نفسه وهوالسياسي والإداري خطابه ففضل بالتالي عدم العودة ليس معارضة للاتفاقات الحاصلة فهو واقعي ويدرك أن ما اغتصبته إسرائيل من أراضي الضفة في السنوات الخمسة الماضية يفوق ما اغتصبته طوال ثلاثين عاما وهو يدرك أن الرفض الدائم يعني خسارة ما بقي من الأرض, ولكن أبو المعتصم لم يتصور نفسه يتجاوز حدود فلسطين بترخيص يهودي أو تحت رقابة اليهودي ليطلب منه هويته وحتى عندما أسر اليه أبو مازن بأنه سيرافقه في سيارته ولن يوقفه أحد رد بأنه قد يسلم هذه المرة ولكن ليس في الثانية عندما يريد التنقل بحرية في بلده , يقول أبو المعتصم "أنا ثوري وأعرف طبيعتي العسكرية "قرأ بروتوكولات بني صهيون مرات ليفهم طبيعة اليهود ويعرف كيفية التعامل معهم وهو اليوم يؤثر افساح المجال للأجيال الجديدة لتواصل المشوار ولكن تحت مراقبة الجيل السابق حتى لا يحيد عن الطريق. بين أبوالمعتصم وأبو مازن علاقة قديمة وهو يعتبر أنه أكثر من يعرف نفسية أبومازن وأكثر من يدرك أسراره وهو يعتبر أن للرجل أنصاره كما له خصومه ومما يحسب لابو مازن حسب رأيه أنه واقعي ويقبل بمراجعة نفسه والاعتراف بأخطائه ويعتبر أبو المعتصم أن الرئيس الفلسطيني من القلائل الذين لم يغتروا بالكرسي وبالسلطة كان همه استعادة القضية الفلسطينية التي كانت دوما مشدودة للخارج وأحيانا تتحول الى مشروع تجاري بالنسبة للحكام العرب ومكسب للذات ولأجهزة المخابرات وأبو مازن أراد تسجيل اسم فلسطين في الأممالمتحدة وتمكن من انتزاع ذلك وفي قناعته أن الخطوة مهمة حتى لا تسحب القضية مجددا الى الخارج ويتحقق بذلك الهدف الذي تسعى اليه إسرائيل أما الاتهامات بالتخاذل والخيانة لليهود التي توجه لابو مازن فهي لا تعني شيئا لابو المعتصم الذي يقول انه بدأ النضال منذ مرحلة الشباب .ما يروج عن ثرواته وأمواله يقول أبو المعتصم أن محمود عباس عمل فترة طويلة في قطر وكان مسؤولا مهما في الإدارة وكان في نفس الوقت يدرس هناك وشاءت الصدفة أن يكون من طلبته الأمير حمد الذي درس على يديه وهو يعترف له بذلك ويحترمه قبل أن ينتصر لحماس. لماذا لا تتحقق المصالحة ؟ يقول أبو المعتصم أن الشعب الفلسطيني متدين بطبعه ففلسطين أرض الرسل ولأديان وعندما تأسست فتح فان اكثر الدول العربية رفضتها بل وسجنت قادتها ويذكر بأن مؤسسو فتح اتهموا في البداية بانتامئهم للاخوان , ويتساءل أبو المعتصم عن نشأة حركة حماس وعما قدمته للقضية الفلسطينية ويرد بأن وجود حماس مر عليه عشرون عاما وان الحركة لم تحارب إسرائيل وعندما وقعت الانتفاضة كانت لهم مشاركة كغيرهم من الحركات.. المشكلة في حركة حماس اليوم أنهم ابتلوا بالسلطة وأغرتهم الكراسي فاستفادوا من الوضع الراهن في غزة ولكنه لا ير بالتالي أي مبرر للانقسام الفلسطيني , ويمضي أبو المعتصم الى أكثر من ذلك عندما يشكك في الصواريخ التي ترسل الى إسرائيل معتبرا أن صواريخ تسقط على بعد أمتار لا يمكنها أن تهدد إسرائيل وأشار الى أن بناء خلايا سرية متطورة تدرب وتتهيأ للمستقبل أفضل بكثير من صاروخ لا يرعب إسرائيل ويعود بالدمار على الفلسطينيين ويشير محدثنا الى أن الطمع والسعي لتحقيق مكاسب ذاتية وراء غياب المصالحة ويقول "ان فصل غزة عن الضفة انهاء للقضية " ويشير الى أن حركة فتح كانت حركة وطنية جمعت المسيحي والمسلم جنبا الى جنب وجمعت المغاربة مع مقاتلين من باكستان وبنغلاديش وغيرهم من أجل القضية الفلسطينية وهو على قناعة بأن حماس تعيش اليوم تحت أوسلو حتى وان كانت تعارضه في مواقفها المعلنة ومهما تكون حجتهم فهي ضعيفة ويقول "لست متعصبا لفتح ولكن وجب تحديد موقع الخطأ"وهذا ما أفعله دوما في حياتي ومن هنا فقد كان لا بد من الاعتراف بأننا كفلسطينيين نتحمل جزءا من المسؤولية في أيلول الأسود وهذا ما اعترف به للملك حسين بعد ذلك... الحديث الى أبو المعتصم ممتع ولكنه لا يخلو أيضا من مرارة الواقعية والمحاسبة للنفس على ما قد تقع فيه من أخطاء وهو المقاتل الذي لم يتخل عن عقليته العسكرية في حياته اليومية فهو يقدس المواعيد وحريص على الانتفاع من الوقت فيما يفيد .استعادة المآسي لا يؤخر ولا يقدم وتقليب المواجع وإعادة فتح الجروح أمر لا يجدي طالما أن الروح النضالية موجودة ولايؤثر فيها البكاء او العويل. وهو على قناعة بأن الأرض المقدسة هي أرض الرباط التي تحدث عنها الرسول وهي بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وأن الأهم بالنسبة للأجيال الفلسطينيةالجديدة أن تتقدم في حياتها ولو قيد أنملة وأن التقدم لا يقاس بالسياسة فحسب ولكن بالعلم فاتقان العمل أيضا جزء من الدين وذلك طريق النجاح ولا بد بالتالي أن تكون النكبة درس حتى لا تتكرر. الخلاف مع عرفات عرفات بدأ مسيرته متمردا وكان متفردا في الرأي وفي القرارات حتى وان كان قراره في الاغلب القرار الصائب. مؤاخذاته على عرفات أنه لم يسع لتهيئة أو تكوين سياسي أو زعيم يكون الى جانبه ويخلفه وهذا في اعتقاده خطأ كل الزعماء العرب والفردية والاثرة عند الانسان العربي والانانية المفرطة وراء تخلف العرب على حد تعبيره وهنا أخطأ عرفات كما أخطأ غيره .لذلك لم يظهر بعد رحيل عرفات زعيم بحجمه يتمتع بكاريزما وقادر على جمع الصفوف , لم تكن القيادات تعد للافضل و للمستقبل وهذا أكبر عيب في العالم العربي فلا أحد عبقري زمانه ولا أحد باق للابد والتفرد كلف كل الشعوب العربية الكثير. أبو عمار لم يؤهل غيره والتفرد صفة قاتلة وهي في دمنا نحن العرب . الاختلاف مع ياسر عرفات كان دوما من أجل البحث عن أفضل الحلول ففي قناعته أن أبو عمار كان له نزعات انفرادية ولكن الانتصار في نهاية المطاف كان لمصلحة القضية ويستذكر مواقف الزعيم الفلسطيني فيقول انه كان متواضعا وعندما كان يغضب لاي سبب من الأسباب كان يقبل بمراجعة نفسه وهذا ما لا تعرفه حماس حسب رأيه , ويعتبر أبو المعتصم أن المكابرة والغرور وراء الانقسام الحاصل في فلسطين... من بيروت الى تونس الوجود الفلسطيني في لبنان بدأ سريا منذ 1965 وبعد 1986 بدا التواجد في أطراف لبنان علنا وفي 1972 بدأ العمل يتوسع ويظهر وصار للفلسطينيين قواعد بدعم ومشاركة من كل الأحزاب بما في ذلك المسيحيين , وينفي أبو المعتصم أن يكون الفلسطينيون من باعوا الأراضي الفلسطينية لليهود و يقول ان نسبة الفلسطينيين الذين أقدموا على ذلك لم تتجاوز 6 بالمائة ولكن أغلب الذين فرطوا في الأراضي كانوا من الرساميل العرب من سوريا ولبنان , المحطة السورية كانت الاكثر سلبية في نظره فالقيادات السورية وعلى عكس الشعب السوري لم تسع لخدمة القضية الفلسطينية في أحيان كثيرة والقواعد التي كانت للفلسطينيين في الجولان أطردوا منها ليحل محلهم اليهود فيها ولم يبق لهم في سوريا غير المكاتب. بعض العمليات الفدائية كانت تتم من لبنان في حين كانت سوريا تمنع عليهم ذلك , ويقر أبو المعتصم بأن القائد السوري حكمت الشهابي أنقذ حياته مرتين مرة أولى في عمان بعد احداث ايلول الأسود حينما تدخل لانقاذه من محاولة اغتيال ومرة ثانية في دمشق بعد رفضه تلاوة بيان بأمر من السلطات السورية يتهم عرفات بالكذب ... ◗ آسيا العتروس