عاجل : الفيفا تعلن عن الدولة التي ستستضيف كأس العرب    ما الجديد في قضيتي بسيس و الزغيدي ؟    تنبيه/ بداية من منتصف نهار اليوم: هذه المناطق دون ماء..    حجز حوالي 08 طن من السميد المدعم بالقيروان..    في مسابقة طريفة بصفاقس.. صناع الخبز يتنافسون على نيل شرف أفضل صانع خبز !    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب هذه المنطقة..    عاجل/ مقتل 3 مقاتلين ليبيين في اشتباكات مع مهربين قرب الحدود مع الجزائر..    اخر مستجدات قضية سنية الدهماني    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    غوارديولا يحذر من أن المهمة لم تنته بعد مع اقتراب فريقه من حصد لقب البطولة    عاجل/ مع انتهاء آجال الاحتفاظ: هذا ما كشفه محامي مراد الزغيدي..    غوغل تكشف عن محرك بحث معزز بالذكاء الاصطناعي    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    الرائد الرسمي: صدور تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الأطفال    في يومها العالمي.. الشروع في اعداد استراتيجية وطنية جديدة للنهوض بالأسرة    أغلبهم متطفّلون وموجّهون .. «الكرونيكور» قنبلة موقوتة تهدّد إعلامنا    الأهلي يصل اليوم الى تونس .. «ويكلو» في التدريبات.. حظر اعلامي وكولر يحفّز اللاعبين    رالي تانيت للدراجات .. نجاح تنظيمي باهر    اليوم إياب نصف نهائي بطولة النخبة ..الإفريقي والترجي لتأكيد أسبقية الذهاب وبلوغ النهائي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    صفاقس: ينهي حياة ابن أخيه بطعنات غائرة    ضجة في الجزائر: العثور على شاب في مستودع جاره بعد اختفائه عام 1996    كيف سيكون طقس اليوم الأربعاء ؟    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    ر م ع ديوان الحبوب: الاستهلاك المحلي بلغ معدل 36 مليون قنطار من القمح الصلب والقمح اللين والشعير    "حماس" ترد على تصريحات نتنياهو حول "الاستسلام وإلقاء السلاح"    الرئيس الايراني.. دماء أطفال غزة ستغير النظام العالمي الراهن    القيروان: حجز حوالي 08 طن من السميد المدعم    ماذا في لقاء وزير السياحة بوفد من المستثمرين من الكويت؟    6 علامات تشير إلى الشخص الغبي    البرمجة الفنية للدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي محور جلسة عمل    وزير الفلاحة يفتتح واجهة ترويجية لزيت الزيتون    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    عاجل/ الداخلية: لسنا السبب في التهشيم بدار المحامي    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    تعرّف على أكبر حاجّة تونسية لهذا الموسم    العجز التجاري يتقلص بنسبة 23,5 بالمائة    الكاف: حريق اندلع بمعمل الطماطم ماالقصة ؟    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    تفاصيل القبض على تكفيري مفتش عنه في سليانة..    كل التفاصيل عن تذاكر الترجي و الاهلي المصري في مباراة السبت القادم    سوسة: تفكيك شبكة مختصّة في ترويج المخدّرات والاحتفاظ ب 03 أشخاص    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    مشادة كلامية تنتهي بجريمة قتل في باجة..#خبر_عاجل    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    معهد الاستهلاك: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويا في تونس    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو المعتصم وأبو اللطف يستعيدان الأحداث...
ملفات الصباج: 1948 - 2013 النكبة تحولت إلى نكبات!
نشر في الصباح يوم 14 - 05 - 2013

بين أحمد عفانة أبو المعتصم وفاروق القدومي أبو اللطف أكثر من رابط, اسمان سيذكر لهما التاريخ أن فلسطين رافقت ولا تزال مسيرتهما النضالية منذ البداية,
فقد جمع بين الرجلين النضال والمقاومة المسلحة قبل أن تجمعهما تونس في أعقاب ثلاثة عقود قضياها في التنقل بين فلسطين وسوريا والاردن ولبنان, قد تختلف أفكارهما وقراءتهما للاحداث الراهنة بكل تناقضاتها وتحدياتها ولكنهما يلتقيان في نهاية المطاف حول فلسطين وحق العودة الى الوطن المحرر.
في الذكرى الخامسة والستين للنكبة «الصباح» التقت كلا من أبو المعتصم وأبو اللطف في وقفة على التاريخ ,لا تخلو من الدروس والعبر للاجيال السابقة كما للاجيال الشابة التي ستتحمل الامانة, بين الماضي والحاضر تبقى فلسطين حلما وهوية وقناعة وانتماء للقضية الاكثر عدالة على وجه الارض ولكنها القضية التي تنكر لها العرب وتجاهلوها حتى أوشكت ان تغيب عن الاهتمام...
اللواء أبو المعتصم اسم تعرفه إسرائيل جيدا رفيق درب الراحل عرفات وأبو جهاد وأبو اياد وإبراهيم أبو دية وبهجت أبوغربية وغيرهم من الرجالات الفلسطينيين والعرب عاش أطوارالنكبة وعلقت بذاكرته صور المجازر التي اقترفتها عصابات الهاجاناه والارغون، عسكري التكوين والعقيدة فلسطيني الهوية عربي الانتماء من منطقة جبل النار المعروفة بثوراتها , عاش أغلب المعارك التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في سوريا والأردن ولبنان يحفظ الكثير من أسرارها ومحطاتها قليل الكلام والظهور الإعلامي ولكنه محب للبناء والعمل , تجاوز الثمانين ولكن ذاكرته لا تزال متوقدة وأقوى من أن يصيبها الاعياء أو الاستسلام حزين لما آل اليه الوضع في فلسطين وفي العالم العربي ولكنه لا يعرف اليأس , وهو يتحدث عن الجيل الذي انتمى اليه وما قام به باعتزاز ومرارة، اعتزاز المقاتل ومرارة الشعور بالهزيمة المتكررة , امله كبير في الأجيال القادمة التي ستتحمل الأمانة وتواصل رفع راية القضية الفلسطينية دفاعا عن الهوية من الذوبان , أبو المعتصم الذي التقته «الصباح» عشية ذكرى النكبة حدثنا عن جذوره في بورين من فضاء نابلس وظروف نشأة المقاومة ولكن الأكيد أن في جرابه الكثير مما لم يكشف عنه بعد وهو قائد كتيبة الهندسة الرابعة في الجيش الأردني ومن الأوائل الذين انتسبوا لحركة «فتح» كان مديرا للعمليات في دمشق وعند استشهاد القائد سعد صايل أصبح أبو المعتصم نائبا لرئيس الأركان وكان يشرف اشرافا مباشرا على لجنة لبنان وكان صاحب فكرة عودة المقاتلين الى لبنان وكان يقوم بالاشراف على قوات الثورة في الشتات قاتل الى جانب أبو جهاد وقائدا لمنطقة البقاع يرفض البكاء والعويل على ما فات ولكنه حريص على بقاء الحلم قائما وعلى استمرار الذاكرة الفلسطينية في القلوب والنفوس تعلم عن قادة كبار حملوه الأمانة بينهم عبد القادر الحسيني وياسر عرفات وغيرهم ...رسالته رغم كل هذه السنوات البناء ثم البناء ولا شيء غير البناء لكل ما يمكن أن يحمي الهوية الفلسطينية ويحميها من الذوبان والاندثار.. بعد إعلان قيام إسرائيل على أراضي فلسطين في 15 ماي 1948.

أحمد عفانة أبو المعتصم القائد العسكري لأيلول الأسود: كان المهم أن نحافظ على الهوية الفلسطينية ولم يكن مهما أين نتواجد
◄ «نكبتنا من إسرائيل ومن العرب أيضا...»
◄ «كل الوثائق والأفلام لا تمثل نقطة من بحر المآسي التي رأيناها بأعيننا خلال النكبة»
«هذه حكايتي مع بورقيبة وقد كان صادقا إزاء القضية الفلسطينية»
«دعوات الجهاد اليوم ليست من الدين في شيء بل فيها تخريب للدين»
خمسة وستون عاما على ذكرى النكبة ماذا بقي من فلسطين وهل ستظل الذاكرة الفلسطينية حافظة للصور والمآسي بعد ان ضاعت الأرض ؟
-كنت طفلا عندما حدثت النكبة نشأت في بورية بريف نابلس وجبل النار المشهورة بالثورات ضد الاستعمار البريطاني في الفترة بين 1936 و1939 كان الانقليز يدخلون القرى للتفتيش عن الشباب ويأخذون معهم كل ما يجدونه في طريقهم من أكل أو غاز أو غيره من الاحتياجات والأغذية ثم يقلبون البيوت رأسا على عقب كنت لا أزال طفلا ومع ذلك تبقى تلك المشاهد حية ,في الذاكرة رغم كل السنوات التي مرت علينا حتى الان والتي عشنا معها بدل النكبة نكبات, اليوم لا أتحمل الدخول الى فلسطين المحتلة ومنذ ثلاثين عاماو وأنا في تونس أتنقل أحيانا الى عمان أو دمشق او بيروت . نشأت مع قيادات فلسطينية واعية جدا كانت ترعى الشباب الفلسطيني وانتميت كما بقية أبناء جيلي الى التنظيمات السرية لتأهيل المجاهدين منذ سن الخامسة عشرة وكان بينهم الشيخ محمد الخطيب امام مسجد حيفا وكنا ونحن في سن مبكرة نكلف بمهام كثيرة كل حسب سنه فقد كان بإمكاننا وباعتبار صغر السن الدخول الى أي مكان والقيام بعديد المهام دون لفت الأنظار , واستمرالامر على هذا الحال حتى سنة 1948 حين بدأنا التدريبات العسكرية مع بلوغ العشرين في صفوف جيش الجهاد المقدس بقيادة شهيد معركة القسطل عبد القادر الحسيني الذي استنكر تهاون العرب وقال قولته الشهيرة عندما رفض القادة العرب تسليح المقاتلين «نحن أحق بالسلاح المخزن في المزابل والتاريخ سيتهمكم باضاعة فلسطين «وكان ابراهيم أبو دية وهو مقاتل شرس اشترك في تكوين أول مجموعة من جيش الجهاد المقدس وبهجت أبو غربية الملقب بشيخ المناضلين والذي اشترك في جميع مراحل النضال الفلسطيني المسلح في الثورة بين 1936 و1939 ثم في حرب 1947 و 1949 هؤلاء هم كبار القادة في جيش الجهاد المقدس الذين قاتلنا معهم وتحت امرتهم وتحملنا عنهم الأمانة , أما أبو عمار وكان من جيلي فكان يتدرب ويقاتل في منطقة أخرى في حين كان أبو مازن أصغر منا سنا.
طبعا بحلول سنة 1948 حصل ما حصل قدم الفلسطينيون كل ما لديهم للدفاع عن أعراضهم ووطنهم وضحوا وتحملوا وقاوموا وللأسف والحقيقة أنه لم يكن للشعب الفلسطيني ما يمكنه الدفاع به عن نفسه.
و ماذا عن الجيوش العربية التي وعدوكم بها ؟
- لا أريد أن أقول خذلونا, ولكن ما حصل أنهم رفضوا تمكيننا من السلاح والمال الا نادرا, هذا تاريخ طويل ويحتاج الى تمحيص تم تشكيل جيش الإنقاذ ولكن الأمير عبد القادر الحسيني رفض أن يكون الجيش بقيادة فوزي القاوقجي كما تريد الجامعة العربية اذ لم يكن يرتاح اليه وكانت للفلسطينيين في المقابل رغبة في تكوين جيش فلسطيني فعندما خاضت الجيوش العربية المعارك لم تتخط حدود خطوط التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة, كانت قيادة قواتنا أنذاك تحت الاخوان حسن سلامة وعبد القادر الحسيني أبوغريبة وأبو دية وقد شكلوا معا قيادة الجيش المقدس ولكنهم كانوا محاصرين من الجامعة العربية بعد توقيع الهدنة مع الأمم المتحدة وحتى عندما ذهب عبد القادر الحسيني الى سوريا بحثا عن دعم الاخوة هناك عاد يائسا فقد تعرض الى نقد شديد وتجريح ورفضوا مساعدته بالسلاح. كانت معركة القسطل حاسمة في تأجيل لسيطرة اليهود على القدس , انتظرنا عودة الحسيني وكنا مستعدين لخوض المعركة ولكنه عاد الينا يائسا وقال «يا اخواني لن نحصل على شيء لن يمكنوا الشعب الفلسطيني من السلاح لا يريدون له أن يكون مسؤولا عن قضيته «.
كان الحسيني يقول للعرب اعطونا الدعم بالمال والسلاح واتركونا لنقاتل كان مقتنعا بأن من يقاتل من أجل أرض الغير ليس كمن يقاتل من أجل أرضه في الاثناء كانت المعارك في كل مكان وكانت إسرائيل تستعد وتركز سيطرتها على مناطق محددة وكان قادتها يخططون لذلك بدقة . كانت للحسيني محاولات لاقناع العرب بدعمنا بالسلاح والمال وكان يقول لهم ايضا اذا تدخلتم فان الغرب سيتعلل بأن الاسرائيليين يواجهون العرب جميعا وهذا غير صحيح ولكن في كل مرة كان الحسيني يطالب العرب بان يدربوا الشباب ويدعموهم بالسلاح ويتركون للفلسطينيين مهمة الجهاد وهو ما لم يحدث. على الجانب الاخر كان الإسرائيليون يحسبون كل خطوة بدل المرة مرات واستعدوا مسبقا لكل السيناريوهات ونظمت صفوفهم ووضعوا خطتهم , كانت إسرائيل تعرف ما تريد وركزت الاهتمام على مناطق الساحل والمدن الرئيسية وانطلقت في معارك مع الجيوش العربية وتفوقت عليها ,كانت لنا معارك هنا وهناك في القدس وفي محيطها تصدينا لمحاولات بيع الأراضي لليهود وكان همنا الحفاظ على القدس استطعنا حماية القدس في البداية أذكر عندما دخلت الجيوش العربية تراجع اليهود , أسرد اليوم هذا الحديث وكأني أرى كل تلك الاحداث أمامي , إسرائيل كانت تعرف قرارها وكانت تعرف الى أين تمضي وكانت تعرف أيضا أن العرب عاطفيون وانهم متعلقون بمسالة الشرف والشهامة وبالتالي بدأت عملية تطهير جزئي ضد الفلسطينيين. سجل الفلسطينيون صمودا اسطوريا ولكن كانت تعوزهم الإمكانيات في قريتي أذكر أن الأهالي باعوا قطعة ارض لاحد الأغنياء الفلسطينيين واشتروا بثمنها سلاحا ولكن إسرائيل كانت تحظى بدعم كبير وكانت إسرائيل تشير في بياناتها ان العرب يقرأون ولكنهم لا يطبقون وأنهم في المقابل يخططون ويطبقون , طبعا هم حتى الآن لم يصلوا بعد الى حيث يريدون. جيلنا تحمل الأمانة وقدم ما يمكنه تقديمه والبقية ستكون على عاتق الأجيال القادمة .
ما حصل ميدانيا ان إسرائيل بدأت بعد ذلك المذابح عبر عصابات الهاجاناه وهي الجيش الرسمي لإسرائيل والارغون وهي منظمات إرهابية مسلحة وكانت بين الاثنين خلافات كبيرة ولكنها لم تعطل جرائمهم , ولا أعتقد أن أحدا ممن عاش تلك المجازر يمكن أن يصدق ما تراه عيناه أوأن يصدق أن هناك من البشر من يستطيع القيام بتلك الجرائم كانوا يدخلون على القرى يبقرون بطون النساء الحوامل ويذبحون النساء والشيوخ والأطفال حتى يرى الاخرون ذلك ذبحوا النساء والأطفال وهم نياما من هنا بدأ التهجير فالعرب كانوا يدخلون القرى ولا يستطيعون شيئا والناس يواجهون المذابح، من هنا بدأ التهجير وسهل العرب العملية واحتضنوا الفلسطينيين وسيطرت إسرائيل على اكبر المناطق ووقفت الجيوش العربية الناشئة حديثا من رحم الاستعمار وبلا قدرات أو تجهيزات أو خبرات عاجزة بل وقعت في الخطإ وقصفت احد الجيوش العربية مدفعية جيش عربي اخر حصل ذلك ولا فائدة من التحديد ولكن هذا مثال فقط على ما عشناه , امتدت القرى الى نحو 600 قرية سلمها الانجليز للاسرائيليين وسلموا لهم معها السلاح لليهود , وكل ما نراه اليوم في الأفلام والوثائق لا شيء مقارنة بما رأيناه بأعيينا عائلات شردت واخوة تفرقوا وتاهوا ودبت المآسي في الدول العربية أيضا , مع بداية حركة اللجوء قطع الناس الاميال في الجبال وانتهى الامر بأن طهر الإسرائيليون المنطقة التي حددوها سلفا وسيطروا عليها ,
كنا نحن كمقاتلين فلسطينيين نواصل العمليات بما توفر لنا من إمكانيات وحتى عندما كانت الجيوش العربية في هدنة واصلنا ذلك , كنت مع ابراهيم أبو دية في بيت لحم والخليل وتمكنا من السيطرة على مناطق متقدمة رغم أنه كان ممنوع على جيش الجهاد المقدس مواصلة العمليات وفق الهدنة الموقعة بين الأمم المتحدة والجامعة العربية ولكننا اعتبرنا أنفسنا خارج الهدنة , نجحنا في تطويق المنطقة التي كانت تحت امرتي بعزلها عبر خندق ولكن جاءنا ضباط عرب ومعهم مراقبو الهدنة الامميين ورفضنا مجددا تسليم سلاحنا وكان هذا مثالا اخر على ما عشناه خلال تلك الفترة النضالية ولكن عادوا لمحاصرتنا ونزعوا سلاحنا وأسقط في أيدينا ولو كنا تركنا لحالنا منذ البداية ودعمونا بالمال والسلاح لكان الامر مختلفا .
ومرة اخرى يتأكد لنا أن من يدافع عن أرضه ليس كمن يدافع عن أرض الغير منعنا بطرق ملتوية من مواصلة المعركة التزموا مع الأمم المتحدة وألزمونا بذلك .
كانت إسرائيل أقوى على كل المستويات من حيث التجهيز والتنظيم وكانت مدعومة من الخارج وفوق كل ذلك كانت على درجة من الاستعداد الجيد وفق مخططات مدروسة .لا أقول ان الجيوش العربية لم تقدم شيئا أو أننا كنا أكثر وطنية من غيرنا لقد كان الى جانبي مقاتلون وطنيون شجعان من تونس والجزائر والمغرب ولكن الدول العربية آنذاك بعضها لم يحقق استقلاله بعد وكان التأثير الخارجي له دوره كانوا مستعمرين آنذاك كدول واليوم فانهم باتوا مستعمرين كأشخاص .
بن غوروين ومعه الكثير من قادة إسرائيل قالوا سيموت الكبار وينسى الصغار، فالى أي مدى ينطبق هذا على الواقع اليوم ؟
-صحيح هذا ما قاله بن غوريون عندما تنبأ بأن يموت جيلنا خلال خمسين عاما وأن الجيل القادم سيكون أقل وعيا وسينسى بعد 75 عاما القضية نهائيا , ولكن الأكيد أنه بعد مائة عام لا أحد يعرف ما سيحدث. من طبعي كعسكري ومقاتل يجعلني لا أحب البكاء والنواح , أنا عاطفي جدا في حياتي ولكني لا أحب البكاء وأحب العمل والبناء بدلا من ذلك وأفضل الحديث عما ينتظرنا حتى لو كان ذلك خطوة واحدة . وقناعتي أنه بقدر انتاج الانسان تقاس وطنيته ومن لا ينتج ولا يقدم شيئا حتى وان كان عبقري زمانه لا قيمة له .وقد أدرك الواعون من العرب معنى كلام بن غوريون .
ما حدث بعد الهدنة انه تم توزيعنا كعسكريين على الجيوش العربية بين مصر وسوريا والأردن وكان علي الانضمام الى الجيش الاردني ضمن الكتائب الفلسطينية بعد الهدنة وكان كل ذلك مخططا له حتى لا تشكل المقاومة عبئا على إسرائيل، رفضت في البداية الانضمام الى العسكرية وكنت اريد مواصلة دراستي ولكني تعرضت للتهديد ودعيت الى الجيش الأردني وهو ما تم على مرارة .وكان السؤال الذي يدور في ذهني ماذا سنفعل في المستقبل ,لا شك أن الفلسطينيين ذاقوا الامرين والاهوال في العالم العربي ومن ذلك مثلا أنهم كانوا ومازالوا في لبنان محرومين من سبعين مهنة , في سوريا لم يكن هناك تمييز في البداية ضد الفلسطينيين ومنهم من بلغ مرتبة القيادة في سلاح الجو السوري ولكن عندما جاء حافظ الأسد وضع حدا لذلك .في الاثناء بقيت الزعامات الفلسطينية هنا وهناك تحاول الحفاظ على الهوية , فتحت الأبواب للفلسطينيين للهجرة الى دول الخليج وبدأت رحلة التذويب فتحوا لنا أبواب التشغيل ولم يكن ذلك محبة أوبدافع الإنسانية ولكن كانت عملية تذويب للهوية الفلسطينية باعتبار أن كل فلسطيني يحصل على فرصة شغل تلغى بطاقة اللجوء منه بشكل اآلي وقد تفطن الفلسطينيون والعرب للامر منذ السبعينات وبدأت المحاولات المضادة من جانبنا على اكثر من جهة , كنت مشاغبا وكنت مع عرفات في الكويت وتحركنا بجدية لاقناع الكويتيين بمنح الفلسطينيين كل حقوقهم المادية ولكن دون منحهم الهوية حرضت الجميع وغضبت منا أمريكا وكندا وغيرها أيضا كان المطلوب انهاء الهوية الفلسطينية وهذه أمنية إسرائيل ولكننا وقفنا دون هذا الهدف .
بعد هزيمة 1967 كان علينا أن نعمل على بقاء الشخصية الفلسطينية وكان المهم كيف نحافظ على وجودها وليس المهم أين تكون , أنشأنا معسكرات تدريب للاشبال من 5 الى 18 سنة في جميع مناطق فلسطين في الشتات وفي الضفة الغربية ترعاهم الثورة رعاية كاملة لاذكاء الروح الفلسطينية فيهم منذ الطفولة وهذا كان يثير اليهود فالحفاظ على الذاكرة أكثر الاشياء التي تؤرقهم وكانت هذه احد أساليب المقاومة في حينها بالإضافة الى التجنيد السري والحق أن عبد الناصر كان داعما للمقاومة ويعتبرها الطريق للتحرير , توصلنا الى بعض أساليب الدعم للداخل وكان كل فلسطيني في كاراكاس أو غيرها يتولى اعالة عائلة في الداخل من أجل تعزيز البقاء والتشبث بالأرض فقد شتتت النكبة العالم وزادت النكسة الماسي وكان لا بد من الحفاظ على انفسنا .نكبتنا تحولت الى نكبات وكان علينا الحفاظ على الهوية الفلسطينية وبدأ الذين يعيشون في أمريكا حتى قبل النكبة بدورهم يطالبون بحقهم في الهوية الفلسطينية وكان هذا الامر مهما بالنسبة لشعبنا وساعد الكثيرين على البقاء والاستمرارلنكون شوكة في حلق العدو .
ولكن ماذا تعني الهوية وقد سرقت الأرض واغتصبت ؟
-خوف الإسرائيليين من الهوية الفلسطينية له جذور في قناعاتهم الدينية فهم يعتقدون أن نهايتهم ستكون على يد الفلسطينيين اذ بيننا وبينهم ثأر ولذلك اتجهوا الى تدمير هذه الهوية .
علمونا ونحن صغار قصيدة رائعة للبارودي:
«بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّامِ لبغداد ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ إلى مِصرَ فتطوانِ
فلا حدٌّ يباعدُنا ولا دينٌ يفرّقنا لسان الضَّادِ يجمعُنا بغسَّانٍ وعدنانِ
لنا مدنيّةُ سَلفَتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ ولو في وجهنا وقفتْ دهاةُ الإنسِ والجانِ
فهبوا يا بني قومي إلى العلياءِ بالعلمِ وغنوا يا بني أمّي بلادُ العُربِ أوطاني.
وكبرنا ونحن على هذه القناعة, ولو فهم العرب معنى فلسطين للامة العربية لتغيرت أشياء كثيرة ولكننا نكبنا مرتين من إسرائيل ومن العرب .كلمة فلسطين كانت ممنوعة في الاتفاقية بين الأردن وإسرائيل وفي الأردن أيضا عالني أن أرى شبابنا يمضي الوقت في المقاهي أردنا تشكيل نواد ثقافية ورياضية لتبقى فلسطين حية في ذاكرتهم فمنعونا وعندما أردنا أن يكون لنا ناد رياضي فلسطيني عندما كانت الضفة تحت سلطة الأردن رفضوا طلبنا وقال لي مسؤول في الداخلية لو كان ناد بلجيكي أو فرنسي أو غيره لكان الامر ميسرا .كنت من مؤسسي منظمة التحرير وقد حرصنا في المنظمة على أن تكون البيت الفلسطيني وذلك حتى لا تكون النكبة قاتلة.كل هذه المحطات كانت دروسا لي وكان يجب ادراكها حتى لا تضيع فلسطين,أذكر عندما كنا نقاتل في معركة الشجرة كان معي 12 تونسيا بين 24 مغاربيا انضموا الينا للجهاد الحقيقي وليس دعوات الجهاد اليوم التي تحركها قوى خارجية وهذه ليست من الدين في شيء ولكنها تخريب للدين 'بن لادن تحت الماء ولكن اليهود يحركون العالم بالأمس دمروا العراق لانه امتلك التكنولوجيا والمال والقيادة والشعب وعندما أصبح يشكل خطرا على الغرب قرروا تدميره عرفت صدام و يمكن أن أقول أنه كان دكتاتورا عادلا..,
وكيف يكون الحاكم دكتاتورا وعادلا ؟
-صدام كان كذلك , لم يكن يتسامح مع الغش والفساد وكان يعمل لمصلحة بلاده وبنى الكثير من الجامعات والمدارس كذلك عبد الناصر الذي دخلت بيته ورأيته كيف يعيش هؤلاء بنوا لبلدانهم وخدموا شعوبهم في مراحل لم تكن ميسرة وفي قناعتي أن الجيل الذي عايش هؤلاء يمكن أن يحكم عليهم وليس جيل اليوم .
و ماذا عن بورقيبة ؟
-التقيته مرة وكانت كافية لاقول أنه رجل صادق أحترمه الى درجة القداسة منذ كنت صغيرا أراه كبيرا ' بغض النظر عن الذين يحبونه أو يكرهونه ليس هناك من لا يخطئ وبورقيبة أيضا يحكم عليه الجيل الذي كان معه وشخصيا لا أقبل أن يحكم علينا الجيل الحالي 'قناعتي أن بورقيبة كان صادقا إزاء القضية الفلسطينية وسأنقل لك حادثة لا يعرفها الكثيرون كان ذلك سنة 1976كنا في المقاومة بحاجة الى نوع من الرصاص الغربي بعد نفاد ذخيرتنا كنت في جولة عربية للحصول على ما نحتاجه لم يكن للجزائر ذلك النوع من الرصاص ذهبت للقاء بورقيبة وحدثته عن حاجتنا فكان ان اتصل في حضوري بأحد مساعديه وأعتقد أنه تحادث مع أحد رجال الجيش وسأله ان كان ذلك النوع من الرصاص موجودا فرد بالإيجاب ثم سأله عن الكمية فجاء الرد بوجود حمولة أربع شاحنات وهي كل ما في حوزة الجيش التونسي أمره بشحنها استعدادا لارسالها للفلسطينيين فرد عليه المسؤول العسكري بأنه لا وجود لغيرها لدى الجيش التونسي ولا يمكن ذلك فكان رد بورقيبة «اش يعمل بيها الجيش التونسي باش يعمل بيها استعراض في شارع بورقيبة والا باش يضرب بيها الشعب اخواننا الفلسطينيين يحاربوا وفي حاجة للذخيرة «وكان الامر كذلك 'اروي هذه الحكاية كما حدثت معي ولا شك أن بورقيبة رجل صادق ما في ذلك شك ونعرفه أكثر منكم قد يكون للرجل أخطاء في ميله للغرب المتقدم مقارنة مع العرب المتخلفين ولكن حتى الأنبياء كانوا يخطئون ,بورقيبة له أفكاره وله أفضاله كان يعرف قيمة فلسطين وقيمة القدس وباب المغاربة ومقبرة المغاربة لقد كانت فلسطين زبدة العالم العربي والإسلامي وهي اليوم أمانة في رقابنا ولكن للأسف نحن اليوم نعيش النكبة الثالثة فقد تراجع موقع القضية الفلسطينية في العالم العربي وتراجع الاهتمام بتنمية الأجيال ونحن شعوب تقودنا العاطفة وهي أقوى من كل شيء فينا...أشعر بالاسف فعلا عندما تغيب القضية الفلسطينية في الصحف اليومية ويتراجع الاهتمام الإعلامي بالقضية الام وكم كنت أتمنى أن تخصص صفحة يومية عنوانها فلسطين في الصحف العربية حتى تظل القضية حاضرة في الاذهان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.