مصادر الاسلام: القرآن والسنة النبوية ميزت بين الرشد والغي، بين الحق والباطل بين النافع والضار، بين الحسنة والسيئة، من ذلك قول الله تعالى "قد تبين الرشد من الغي" (البقرة آية 256) "ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون" (الانفال آية 8) "أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا" (المائدة آية 76) "لا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" (فصلت آية 34) ومن السنة النبوية "ليس الاعمى من يعمى بصره انما الاعمي من تعمى بصيرته" (روي عن عبد الله بن جراد). "ليس منا من انتهب او سلب أو أشار بالسب" (روي عن ابن عباس). "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر" روي عن ابن عباس "ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه" (روي عن ابن الصامت). "ليس الجهاد أن يضرب الرجل بسيفه في سبيل الله انما الجهاد من عال والديه وعال ولده فهو جهاد ومن عال نفسه فكفاها عن الناس فهو في جهاد" (روي عن أنس). "من حمل علينا السلاح فليس منا" (روي عن ابن عمر). "من سل علينا السيف فليس منا" (روي عن سلمة بن الاكوع). "ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره" (روي عن علي". "ليس منا من دعا الى عصبية وليس منا من قاتل عل عصبية، وليس منا من مات على عصبية" (روي عن جبير بن مطعم). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس مني ذو حسد ولا نميمة ولا كهانة، ولا أنا منه" (روي عن عبد الله بن بسر) ولهذا كما قال عليه الصلاة والسلام "ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا بد له من معاشرته حتى يجعل الله له من ذلك مخرجا" (روي عن أبي فاطمة الايادي). وكما أوصى "ألا أدلكم على عمل يرضاه الله ورسوله؟ قال بلى، قال: أصل بين الناس اذا تفاسدوا، وقرب بينهم اذا تباعدوا" (رواه أبو أمامة). ومن وصايا عليه الصلاة والسلام "حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستقبلوا البلاء بالدعاء" (روي عن الحسن) وكذلك "ألا أدلكم على أكرم اخلاق الدنيا والاخرة: تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك" (روي عن علي) ثم "جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم" و"احذروا طاعة الهوى" لأن من أطاع هواه باع دينه بدنياه". ومن وصية النعمان ابن خميصة البارقي الى أكثم بن صيفي: "كن من الناس بين القرب والبعد فإن خير الامور أوساطها" وفي تنزيل العزيز الحكيم "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" (البقرة آية 143)، وفي السنة النبوية "خير الأمور أوسطها" وبفضل التفقه في اللغة ومقاصد ألفاظها فقه المفكر والفيلسوف الفرنسي لفظ "وسطا" و"أوساطها" فقال "الخروج من الاعتدال انتهاك لحرمة الانسانية، وانما تعرف عظمة النفس الانسانية بقدراتها على الاعتدال لا قدرتها على التجاوز". قال الزجاج " فيه قولان، قال بعضهم وسطا عدلا وقال بعضهم خيارا، واللفظان مختلفان والمعنى واحد، لأن العدل خير والخير عدل، وقيل في صفة النبي صلى الله عليه وسلم انه كان من أوسط قومه، أي خيارهم، تصف الفاضل النسب بأنه من اوسط قومه وهذا يعرف حقيقته أهل اللغة لأن العرب تستعمل التمثيل كثيرا فتمثل القبيلة بالوادي والقاع وما أشبهه، فخير الوادي وسطه، فيقال هذا من وسط قومه ومن وسط الوادي وسرر الوادي وسرارته وسره، ومعناه كله من خير مكان فيه، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم في خير مكان في نسب العرب، وكذلك جعلت أمته أمة وسطا، أي خيارا" اذا "وسط الشيء ما بين طرفيه" و"أوسط الشيء افضله وخياره" قال الله تعالى "ومن الناس من يعبد الله على حرف، فان أصابه خير اطمأن به، وان أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين" (الحج آية 11) هذه الآية خبر عن المنافقين قال المفسرون "نزلت في اعراب كانوا يقدمون على النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون فان نالهم رخاء أقاموا، وان نالتهم شدة ارتدوا" وقيل "على حرف" أي على وجه واحد، وهو ان يعبده على السراء دون الضراء، ولو عبدو الله على الشكر في السراء، والصبر على الضراء، لما عبدو الله على حرف" وقال الحسن "هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قلبه" والملاحظ "فان اصابه خير" صحة جسم ورخاء ومعيشة رضي واقام على دينه "وان اصابه فتنة" اي خلاف ذلك مما يختبره "انقلب على وجهه" اي ارتد فرجع الى وجهه الذي كان عليه من الكفر "خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين" اي وخسرانه الدنيا بان لاحظ له في غنيمة ولا ثناء، والاخرة بان لا ثواب له فيها" (انظر تفسير القرطبي: الجامع لاحكام القرآن) لقد ضاق صدري، واحتار عقلي، فدعوت هذا الصنف من البشر المنحرفين جهارا، وذكرتهم بقول خالقي وخالقهم رب العالمين "أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا اهواءهم" (محمد آية 14) فوجدت منهم اصرارا واستكبارا كما حصل للنبي نوح مع قومه فقال "اني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا اصابعهم في اذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا" (نوح آية 7) والتوجه بطلب المغفرة من رب العالمين، و"سبب المغفرة، وهي الايمان بك والطاعة لك "يا الله" فجعلوا اصابهم في آذانهم "لئلا يسمعوا دعائي "واستغشوا ثيابهم" اي غطوا بها وجوههم لئلا يروه" واصروا اي على الكفر فلم يتوبوا "واستكبروا" عن قبول الحق (انظر تفسير القرطبي) وكان اخر نصحي لهم تذكيرهم بقول الله تعالى "ان احسنتهم احسنتم لانفسهم وان أسأتم فلها" (الاسراء آية 7) وذكرت اهل عصري عصر القرن الخامس عشر هجري والقرن الواحد والعشرين بما ورد في تراث السابقين من وصايا لاهل عصرهم فهذا مرشد الخير بخاطبهم "فقد عرفتم انباء من قبلكم من العرب، ممن عصى النصيح، وخالف الرشيد، واصغى الى التقاطع، ورأيتم ما آلت اليه عواقب سوء سعيهم، وكيف كان صيور أمورهم (اي عاقبة امورهم) فتلافوا القرحة (اي الجرح) قبل تفاقم الثاي (اي الافساد والجراح والقتل ونحوه) واستفحال الداء (اي اشتداد) وتقضبت عرى الابقاء (اي تقطعت) وشمل البلاء" كما ذكرتهم بقول قيس بن سعد "لا ينصح اخاه من غش نفسه" وبقول ام الخير بنت الحريش "انه من ضل والله عن الحق وقع في الباطل" وبقول الزرقاء بنت عدي الهمدانية "يا لها فتنة عمياء، صماء، بكماء، لا تسمع لنا عقها، ولا تنساق لقائدها، ان المصباح لا يضيء في الشمس، ولا تنير الكواكب مع القمر، ولا يقطع الحديد الحديد، الا من استرشد ارشدناه، ومن سألنا اخبرناه، وصدق الحصين بن المنذر في قوله "لو تركنا وما نهوى لاصبح الباطل في ايدينا كثرا" وهذه خصال لم تغب عن طباع الناس افادنا بها قيس بن عاصم المنقري لبنيه "خذوا عني ثلاث خصال :اياكم وكل عرق لئيم ان تلابسوه فانه ان يسرركم اليوم يسؤكم غدا، واكضموا الغيظ، واحذروا بني اعداء آبائكم، فانهم على منهاج آبائهم" وهذه وصية هامة اوصى بها هاشم بن عبد مناف "يا أيها الناس: الحلم شرف، والصبر ظفر، والمعروف كنز، والجود سؤدد، والجهل سفه، والأيام دول، والدهر غير والمرء منسوب الى فعله ومأخوذ بعمله فاصنعوا المعروف تكسبوا الحمد ودعوا الفضول تجانبكم السفهاء وأكرموا الجليس يعمر ناديكم، وحاموا الخليط يرغب في جواركم، وانصفوا من أنفسكم يوثق بكم وعليكم بمكارم الاخلاق فإنها رفعة واياكم والاخلاق الدنيئة فانها تضع الشرف وتهدم المجد، وان نهنهة الجاهل اهون من حريرته" ليت اهل هذا العصر فقهوا احاديث صاحب معجزة القرآن صلى الله عليه وسلم "قوام المرء عقله ولا دين لمن لا عقل له" روي عن ابي ايوب و"دين المرء عقله، ومن لا عقل لا دين له" روي عن جابر "عليك بالرفق واياك والعنف والفحش" روي عن عائشة ووصيته "اذا اردت ان تفعل امرا فتدبر عاقبته فان كان خيرا فامضه، وان كان شرا فانته" روي عن ابي جعفر عبد الله بن مسور الهاشمي لقد مضت قرون على نزول آدم فوق الارض، ولم يهتد ابناؤه الى محاسن الامة الوسط التي هي امة الاعتدال لا انحراف فيها أي لا غلو فيها رغم نهي تنزيل العزيز الحكيم عن الغلو لاهل الكتاب "يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل" (المائدة آية 77) وبما انه تعالى اكد "ولقد كرمنا بني آدم" (الاسراء آية 70) فقد نهى تعالى رسوله عن اكراه الناس على الايمان بدين الله "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس آية 99) نافيا الاكراه في الدين"لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة آية 256) وهذا كله يعتبر من مظاهر الحرية التي منحها الله لعباده، ولم يتركهم بدون توجيه بدليل قوله تعالى "ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينة في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون" (الحجرات آية 7) اذا للانسان عقل يعقل به ويميز بين الطيب والخبيث وبصيرة يفقه بها ويميز بين الرشد والغي، وحواس شعر بها ويدرك البون بين الحق والباطل والصالح والفاسد، ولهذا اصبح ثابتا ان "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرايره" (الزلزلة آيتان 7-8) ومن مصلحتك ايها الانسان ومنفعتك ان تصغى بجدية لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تكونوا إمعة، تقولون ان احسن الناس احسنا وان ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا انفسكم ان أحسن الناس ان تحسنوا وان اساؤوا فلا تظلموا" روي عن حذيفة فالاسلام يتبرأ من كل السيئات والرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن. ومن كل مظاهر العنف الجسدي والعنف النفسي، والعنف الجنسي والعنف الاسرى والعنف الاجتماعي ويدعو الى الترشيد السلوكي وتامين الحماية (انظر تحليل هذا بتوسعة في كتابي اضواء على حقوق الاسرة المسلمة من خلال القرآن والسنة) فالاسلام براء من العنف والباطل واذكر الذين يتبعون اهواءهم "انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" (المائدة آية 32).