الأنصار غاضبون والمعارضة تزداد تصلبا - حركة النهضة قدمّت تنازلات عديدة مراعاة للمصلحة الوطنية»، هذا ما قاله زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي خلال الندوة الصحفية المنعقدة الإربعاء الماضي، وقد بتنا نستمع إلى حديث عن تنازلات الحركة على لسان عدد من قيادييها « لكن فعليا ماهي التنازلات التي قدمتها حركة النهضة منذ وصولها إلى الحكم؟ أيّ ثمن لهذه التنازلات؟ ثمّ ما مدى تأثيرها على القاعدة الشعبية وعلى علاقة الحركة ببقية أحزاب المعارضة؟ لعلّ تنازل حركة النهضة عن «الشريعة كمصدر أساسي للتشريع» يبقى من أبرز التنازلات التي قدّمتها، فبمجرّد حصولها على الأغلبية باتت تتحدّث عن هذا الفصل الذي لم تشر إليه في برنامجها الانتخابي، وهو ما أثار حفيظة الرأي العام، وكانت النتيجة الاحتجاج في الشارع إلى أن وجدت الحركة نفسها مجبرة على التنازل ومن منا يمكنه أن ينسى "مسلسل التحوير الوزاري" الذي تواصل لمدّة أكثر من 7 أشهر إلى أن وجدت الحركة نفسها مجبرة على القبول بإجراء التحوير شريطة عدم تحييد وزارات السيادة على أساس أنها صاحبة الأغلبية وأنّ وزارات السيادة من حقها.. لكن أمام توحّد المعارضة ورفضها الحديث عن حكومة كفاءات ما لم تحيّد وزارات السيادة وتعيين شخصيات وطنية مستقلة ذات كفاءة مكانهم، وجدت النهضة نفسها مرة أخرى ملزمة على التنازل "المرأة عنصر مكمّل للرجل"، فصل أرادت كتلة حركة النهضة تضمينه في الدستور لتنتفض معظم نساء تونس والحقوقيون والسياسيون ضدّ هذا الفصل، وفي كلّ تحرك احتجاجي كانت حركة النهضة تسعى إلى إيجاد مبرّرات لهذا الفصل. لكنّ مبرّراتها كانت تبوء بالفشل، فقد نظمت مسيرة في ساحة حقوق الإنسان تميّزت بحضور هام رغم أنها نظمت في إحدى ليالي رمضان، لتكون بذلك المرة الثالثة التي تتنازل فيها النهضة عن موقفها الذي جيّشت لأجله قاعدتها الشعبية وللنظام السياسي نصيب النظام السياسي شغل بدوره الرأي العام والسياسيين، فحركة النهضة ضمّنت في برنامجها الانتخابي أنّ "السلطة للشعب يمارسها مباشرة وعبر ممثليه في المجلس المنتخب ضمن نظام برلماني"، أي أنّ النظام السياسي الذي اختارته هو النظام البرلماني وقاعدتها الشعبية واعية بذلك الاختيار حتى إن لم يكن بعض أفرادها ملمّين بماهيته، لكنّ الحركة لم تتشبّث بذلك الاختيار إلى الآخر. صحيح أنها استبسلت في الدفاع عنه سواء تحت قبة التأسيسي أو قصر الضيافة بقرطاج، إلا أنه أمام انفرادها تقريبا بذلك الاختيار وجدت نفسها مجبرة على التنازل والموافقة على توزيع الصلاحيات بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ولعلّ المشاركة في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل هي آخر التنازلات التي قدّمتها الحركة إلى اليوم، فبعد رفضها المشاركة في الشوط الأول من الحوار بتعلّة أنّها لا تجتمع تحت سقف واحد مع حركة نداء تونس، وجدناها تعدّل موقفها وتقبل المشاركة، وهو ما أثار حفيظة جزء من قاعدتها الشعبية التي استنكرت مصافحة الغنوشي للسبسي في حين سعى البعض الآخر إلى إيجاد مبرّرات لقرارها كلنا يتذكر الحملة التي شنتها حركة النهضة سواء على لسان قيادييها أو قاعدتها الشعبية حول استحالة الجلوس على نفس طاولة النقاش مع من «كرّس الاستبداد في تونس وسكت عنه واحتضن التجمعيين»، في إشارة منهم إلى نداء تونس، لكنّ تلك الحملة ذهبت هباء وكانت «ثمرتها» التنازل تنازلات النهضة لم ترق لقاعدتها الشعبية إنّ المؤكد سواء من خلال حديثنا إلى بعض أنصار النهضة أو متابعتنا لتعليقاتهم على المواقع الاجتماعية أنّهم مستاؤون لتنازل حركتهم عن عدّة مواقف، حتى أنهم باتوا عناصر استهزاء على المواقع الاجتماعية خاصة عندما يحاولون تبرير مواقف حركتهم بنفس المبرّرات التي يقدّمها قادة الحزب وحركة النهضة واعية بدورها بعدم رضا قاعدتها الشعبية عن تنازلاتها، فقد أكد لنا نائب رئيس الحركة عبد الحميد الجلاصي ذلك، قائلا: "لا شكّ أنّ هناك صعوبات مع قاعدتنا الشعبية التي لم ترق لها تنازلاتنا ونحن نسعى إلى إقناعهم بأننا وضعنا المصلحة الوطنية فوق مصلحتنا الحزبية، وقد وجدنا صراحة صعوبة تفهم ذلك لدى العديد منهم". ويلعب مجلس الشورى دورا أساسيا في امتصاص غضب الأنصار نظرا إلى أنه الحاسم الأساسي في كل خيارات النهضة. إنّ هذه التنازلات التي كانت في الحقيقة نتيجة مخاض عسير باعتبار أنّ بعضها تطلب أشهرا لتعلن حركة النهضة عنها، وستزيد من قوّة المعارضة ومن إصرارها على التشبث بمواقفها وعدم التنازل عنها أمام حركة النهضة. ويقول الدكتور والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي حول هذا الموضوع ل«الصباح الأسبوعي»: «يجب أن لا ننكر بداية أنّ تنازلات النهضة ستؤثر فيها جماهيريا وهو ما من شأنه أن يفقدها نوعا من المصداقية مع قاعدتها وبقية الأطراف السياسية أيضا» وفسّر الدكتور الحناشي هذه التنازلات بأمرين أولهما أنّ «السياسة حيلة بالأساس، وهو ما يجعل جملة التنازلات والتجاذبات السياسية تتنزل في إطار المناورة السياسية وثانيهما أنّ حركة النهضة مصرّة على تحقيق الوفاق الوطني الذي أكدته في أكثر من مناسبة منذ أن وطأت أقدام قيادييها أرض الوطن»، حسب تعبيره صحيح أنّ البعض ثمّن تنازلات الحركة واقتنع بتبرير الغنوشي لها ب"المراعاة للمصلحة الوطنية" لكنّ ذلك التبرير لم ينطو على البعض الآخر الذي رأى في تلك التجاذبات والاختلافات تعلّة لتعطيل مسار الانتقال الديمقراطي وتأخير إجراء الانتخابات أي أنّ كل تلك التنازلات، حسب اعتقادهم، مبرمجة منذ البداية وتتنزّل في إطار الأزمات المفتعلة، وهو ما من شأنه أن يتسبّب -ولو نسبيا- في فقدان الحركة لهيبتها في كل الحالات أي لدى أنصارها وغيرهم الحزب الإسلامي يريد أن يكون مدنيا حركة النهضة التي تصنف كحركة إسلامية لا تروق للسلفيين وأنصار الشريعة الذين أعربوا مرارا عن سخطهم وغضبهم منها بسبب عدم حمايتها المشروع الإسلامي ويعتبرونها لا تمثل حزبا إسلاميا، وهذا على عكس الإخوان في مصر الذين وصلوا إلى الحكم وتشبثوا بدفاعهم عن المشروع الإسلامي، كما هو متصوّر لديهم، في حين أنّ النهضة المصنفة كحزب إسلامي لازالت تحرص إلى اليوم على أن تكون حزبا مدنيا، ولو حاولت أن تفرض نموذجا مجتمعيا معينا فهي تجد من يصدّها من المعارضة والمجتمع المدني والإعلام كذلك ويقول الدكتور عبد اللطيف الحناشي في هذا الصدد: "إنّ تجربة النهضة في تونس متميزة مقارنة ببقية التجارب في العالم العربي، فقد اطلعت على جميع أطروحاتها تقريبا ووجدت خطابها متطوّرا مقارنة بالإخوان، ولكن تجربتها السياسية والحزبية تبقى محدودة شأنها شأن بقية أحزاب المعارضة" من المؤكد أنّ حركة النهضة وعت تلك التنازلات وتأثيراتها السلبية، وهو ما دفعها ربما إلى التفكير جديا في الفصل بين الحركة الدعوية والحزب، لتحافظ على هويتها الإسلامية، وكذلك تأسيس حزب آخر يضمّ الشقّ اللين منها وشخصيات وطنية أخرى، فأمام التسريبات الأخيرة حول تأسيس حمادي الجبالي وسمير ديلو لحزب سياسي بالمشاركة مع أطراف أخرى، إلا أنهما نفيا ذلك الاحتمال. لتبقى تلك التسريبات مؤكدة من قبل أطراف مقربة من حركة النهضة إلى حين تأكيد ذلك فعليا في الأيام القليلة القادمة