تبقى الولادة هاجسا لدى بعض النساء الحوامل اللاتي يخشين فقدان حياتهنّ أو حياة مواليدهنّ بسبب تخوفهنّ من سوء ظروف الولادة فتجد البعض منهنّ يلجأ إلى المصحات الخاصة ظنا منهنّ بأنّ الخدمات الصحية المقدمّة هناك أفضل بكثير من المستشفيات العمومية «الصباح الأسبوعي» تنقلت إلى مصحة «توفيق» بالمنار وإلى «مركز التوليد وطبّ الرضيع» بالعاصمة أو ما يعرف سابقا باسم «مستشفى وسيلة بورقيبة»، وتحدثت إلى عدد من الأمهات الجديدات والإطار الطبي، إضافة إلى البحث في المشاكل التي يمكن أن تتعرض لها الأم الحامل وابنها، والإطار الطبي كذلك خلال جولتنا في المصحة، لاحظنا حرص الإطار الطبي وشبه الطبي على توفير العناية اللازمة للحوامل، وهذا ليس بالأمر الغريب عن المصحات الخاصة باعتبار أنّ كلّ خدمة صحية مقدمة هي بمقابل. ولكن المؤكد أيضا هو أنه لا يوجد أحد فرض على حرفاء هذه المصحة أو غيرها من المصحات الخاصة الولادة بها، وإنما الاختيار نابع من قناعة الأم أو العائلة بأن الخدمة في المصحات الخاصة أفضل بكثير من المستشفيات العمومية فسنية محمودي جدّة، قابلناها بمصحة «توفيق» والبسمة تعلو محياها فرحا بحفيدها، ولم تتردّد للحظة في تثمين المجهود الذي قدمه الإطار الطبي وشبه الطبي لزوجة ابنها التي أعربت لنا بدورها عن عدم ثقتها في المستشفيات العمومية، قائلة: «هي المرة الأولى التي ألد فيها ولم أرد صراحة أن أخاطر بحياتي أو حياة ابني لأنّ لي فكرة سيئة عن الولادة في المستشفيات العمومية، ولا مجال للمقارنة بين المصحة الخاصة والمستشفى» من جهتها، أكدت لنا ليلى الكافي مديرة قسم الاستغلال بمصحة «توفيق» أنّ حالات الولادة بالمصحة سجلت ارتفاعا وذلك بفضل منظومة «كنام» دور المصحة الخاصة يقف هنا! الانتقادات الموجهة للمصحات الخاصة أنّ «الأطباء لا ينتظرون المرأة الحامل إلى حين ولادتها بصفة طبيعية، فيكفي أن ينتظرها نصف ساعة ليقرّر توليدها قيصريا» وردا على هذه الانتقادات، أشارت الكافي إلى الخلط الموجود لدى البعض بين دور الطبيب والمصحة، قائلة: «المصحة يقتصر دورها على توفير المعدات ومكان الولادة واحترام الأسعار المحددة قانونا، في حين أنّ الطبيب يتحمل مسؤولية وشاطرها في الرأي مدير مصلحة الحرفاء بالمصحة صلاح الدين بوعصيدة الذي أكد «وجود حالات تطالب من تلقاء نفسها بأن تلد بصفة قيصرية لتجنب آلام الولادة الطبيعية، لكنّ القرار النهائي، حسب تعبيره إنّ الرفاهية التي ميزت مصحة «توفيق» من حيث الخدمات المقدمة للحرفاء تجعلك تعي الفرق الواضح بين مصحّة خاصة ومستشفى عمومي ففرق واضح بين أن تجد سريرين أحدهما خاص بالأم والثاني بالرضيع وأن تجد امرأتين أو ثلاثا في سرير واحد وفي يد كلّ واحدة مولودها، فرق واضح بين أن تجد نفسك فوق سرير وأن تجد نفسك على الأرض، فرق واضح بين أن تجد المعدات اللازمة ليصل ابنك بسلامة إلى هذه الحياة وبين أن تطلب من الله المدّ في أنفاسك لساعة أو أكثر إلى حين وصولك إلى مركز التوليد علّك تتمكن من النجاة أنت وابنك بعد فشل الإطار الطبي في الجهات لإتمام عملية الولادة نحن ندفع ضريبة نجاحنا! صحيح أنّ الفروق واضحة وضوح الشمس بين المصحة الخاصة والمستشفى العمومي وبين مركز التوليد بتونس والمستشفيات الجهوية أيضا، ولكن لا يمكن إنكار مدى كفاءة الإطار الطبي الموجود في تونس عامة و»مركز التوليد وطب الرضيع» خاصة وهو مشهود له دوليا بكفاءته، «ونحن بتنا اليوم ندفع ضريبة نجاحنا وكفاءتنا للأسف»، على حدّ قول مدير المركز عبد الحميد السلطاني كما لا يمكننا أن ننكر الحالة الجيدة التي وجدنا عليها معظم الأمهات الجديدات بمركز التوليد وطب الرضيع، فكوثر بنت علالة مثلا أثنت على الإطار الطبي الذي قدم لها العناية اللازمة وساعدها على الولادة طبيعيا، أما شادلية فقد ولدت في المركز للمرة الثالثة وأكدت الفرق بين المرتين الماضيتين وهذه المرة باعتبار أنها وجدت نفسها في السابق مع امرأة أخرى على نفس السرير مركز التوليد وطب الرضيع لا يستقبل التونسيات فقط، فقد قابلنا هناك السيدة خلود فرهود، هي سورية الجنسية قدمت إلى تونس بعد اندلاع الثورة السورية، تقول خلود ل»الصباح الأسبوعي»: «أنجبت لمرتين في سوريا ولكن هذه المرة الأولى التي ألد فيها بتونس بحكم الوضع في سوريا، وقد وجدت عناية جيدة أشكرهم عليها وهذه حقيقة ليست مجاملة» ورغم الشكر والثناء على مجهودات الإطار العامل بالمستشفى، فهذه ليست حقيقة مركز التوليد بشهادة من تحدّثنا إليهم من أطباء، وقد أكد لنا خالد ناجي رئيس قسم بمركز التوليد أنّ «أوقات ذروة الولادة تكون خلال فصل الصيف باعتبار أن معظم حالات الزواج تتم في فصل الصيف، وبالتالي لو قمنا بعملية حسابية بسيطة لأدركنا بديهيا أن حالات الولادة تسجل أعلى نسبة خلال فصل الصيف» في الصيف.. ذروة الولادة وذكر الدكتور ناجي أنّ الاكتظاظ الذي يشهده المركز يعدّ من بين أسباب سوء الخدمات أحيانا، قائلا: «يجب توعية المواطن بأن دورنا لا يقتصر على التوليد فقط وإنما نحن نتولى في هذا المركز علاج المرأة المصابة بسرطان الثدي والرحم كذلك، كما نسهر على إنقاذ الطفل الذي يكون أمل حياته ضعيفا، ولا يجب أن ننسى الضغط المفروض علينا من قبل المستشفيات الجهوية التي تحوّل إلينا معظم حالات الولادة، فأحيانا لا يكلّف الطبيب في المستشفى الجهوي نفسه قليلا من الجهد لتوليد المرأة. وكان من الأجدر أن نعنى فقط بالحالات الاستعجالية والعيادات الخارجية التي تشهد بدورها اكتظاظا» وأكد مدير مركز التوليد أنّ حالات الولادة تصل إلى 80 حالة يوميا خلال فصل الصيف، فقد وصل عدد الولادات خلال السنة الفارطة إلى 16643 بينهم 5 آلاف حالة ولادة قيصرية تقريبا، على حدّ قول محدّثنا الذي اعتبر هذا الرقم مرتفعا مقارنة بالإمكانات المتوفرة بالمركز، وهو ما دفعه إلى المطالبة بالترفيع في عدد القابلات. من جهته، شدد الدكتور هادي رزيقة رئيس قسم بمركز التوليد على نقص الإمكانيات المتوفرة لهم لتقديم ماهو أفضل، قائلا: «هناك ولادات تصل كلفتها إلى 10 آلاف دينار وذلك نظرا إلى أنّ الولادة تتطلب حقنة تصل كلفتها إلى 8 آلاف أو 9 آلاف دينار». وذكر الدكتور رزيقة أنّ نسبة العمليات القيصرية تصل إلى 38% مشدّدا على وجوب الترفيع في عدد القوابل والإطار الطبي: «فالعدد محدود مقارنة بالمجهود الذي نقدّمه» انخفاض الوفيات إلى 18 بالألف طب الرضيع يلقى بدوره أهمية كبرى في المركز، فقد أفادنا الدكتور سامي جبنون رئيس قسم (Néonatologie) بالمستشفى أن هذا القسم ساهم بشكل كبير في انخفاض نسبة الوفيات لدى المواليد الجدد من 60 بالألف إلى 18 بالألف «وهذا يعتبر مؤشرا جيدا مقارنة بالدول المجاورة في حين أنه لا يمكننا أن نقول إننا دولة متقدمة مقارنة بالدول الأوروبية التي تتراوح فيها هذه النسبة بين 3 و5 بالألف»، حسب تعبير الدكتور جبنون نقائص عديدة يشكو منها مركز التوليد وطب الرضيع على رأسها ضعف عدد القوابل، صحيح أنّ الإطار الطبي وشبه الطبي الموجود بالمركز من خيرة ما لدينا في تونس وفي العالم أيضا ولكنّ المواطن لا يتحمّل مسؤولية النقص أو تدهور الخدمات التي تؤدّي أحيانا إلى حرمان امرأة من أن تكون أما أو التسبب في يتم طفل. ويبلغ معدّل الوفيات لدى الأمومة 44.8 لكلّ 100 ألف مولود جديد في حين يبلغ معدّل الوفيات خلال الولادة 51% من جملة الوفيات المسجلة لدى الأمومة نقابة القوابل: «كفانا حقرة» القابلة تحظى بدور أساسي خلال عملية الولادة وبعدها، ولتحسين ظروف عمل القابلات، نظمت النقابة وقفات احتجاجية في أكثر من مناسبة، إذ تقول آمال عضو نقابة القابلات ل»الصباح الأسبوعي»: «مطلبنا الأساسي وضع قانون أساسي ينظم مهنتنا مع تمديد سنوات الدراسة من 3 إلى 5 سنوات ففي ذلك مراعاة لمصلحة الأم ورضيعها في مرحلة أولى» وأعربت محدّثتنا عن أسفها من عدم استجابة رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر لهم، فقد قدمت النقابة منذ جوان الماضي مطلبا لرئاسة المجلس تطلب فيه مقابلته للتطرق إلى مشاكل القطاع، إلا أنه لم يجبهم إلى حدّ اليوم، على حدّ قولها واستنكرت عضو نقابة القابلات التهميش الذي تعاني منه القابلة من الجهات الرسمية، «لدينا عدّة مشاكل ولم نجد طرفا يستمع إلينا بصفة جدية، فكفانا حقرة، نحن نعمل في ظروف سيئة للغاية، فحسب المعايير الدولية يجب توفير 6 قابلات لكل 1000 حالة ولادة، أما نحن في تونس فيقع توفير قابلتين لكل 1000 حالة، وهذا يعكس الجهد الذي نقوم به فامنحونا حقوقنا»