كان الموقف التونسي واضحا، نظام بشار الأسد يجب أن يرحل ولا مكان لديكتاتوري مماثل في بلدان الربيع العربي، بل ذهبت تونس إلى حد قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق منذ أكثر من عام. إلا أن أمورا كثيرة تغيرت على أرض الواقع وأصبحت موازين القوى تميل لصالح الأسد ونظامه إلا أن ما يربط تونس بسوريا يتجاوز القرار السياسي وبيان التنديد فمئات الشباب التونسيين جندوا وأرسلوا للحرب في سوريا بهدف حماية الشعب السوري كما قيل لهم، هذا إلى جانب الجالية التونسية هناك التي بقيت مصالحها معلقة وبالرغم من ذلك توجه وفد تونسي إلى سوريا بهدف محاولة إخلاء سبيل التونسيين الذين سجنهم النظام السوري مصالح تونسية بلا حماية اتخذت تونس قرارها بقطع العلاقات في وقت لم يكن فيه المحللون يتوقعون أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه اليوم، فقد اتضح أن الوضع السوري أعقد بكثير من الوضع في بقية بلدان ما يسمى ب«الربيع العربي» وأن اطرافا أجنبية عديدة متدخلة في الأزمة السورية، كما أن مواقف الدول الكبرى تطوّر بشكل ملحوظ على امتداد الأشهر الاخيرة ليصل إلى مرحلة قبول الأسد كجزء من الحلّ وبالرغم من كل ذلك مازالت العلاقات التونسية مقطوعة مع سوريا ومازال المشهد ضبابيا لا يعرف فيه إن كان من الممكن أن تعود هذه العلاقات قريبا أو أنها ستبقى على ما هي عليه مهما تغيرت الظروف والأوضاع على أرض الواقع. مدير المعهد التونسي للعلاقات الدولية أحمد المناعي يرى ان قرار قطع العلاقات مع سوريا لم يراع المصالح التونسية وكان من الممكن أن يتخذ موقف دبلوماسي تجاه سوريا دون أن يصل الأمر إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. ويذهب المناعي إلى حدّ القول أن النهضة هي التي اتخذت القرار تطبيقا «لمخطط كبير وعام يتعلق بالمنطقة كلها بقيادة تركيا السياسية وقيادة قطر المالية.» إلا أنه وفي القضية السورية بالاساس يرى أن واشنطن بدأت بسحب البساط من تحت قطر لتضعه بين يدي السعودية وتركيا توكيل سفارة بديلة لم يحدث ليست تونس البلد الوحيد الذي اختار أن يقطع علاقاته ببلد آخر، الولاياتالمتحدة مثلا قطعت علاقتها مع إيران إلا أنها تحافظ على تسيير مصالحها من خلال السفارة السويسرية، كما يفيدنا الخبير في العلاقات الدولية عبد المجيد العبدلي، مشيرا إلى أن قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني ان البلدان لا يمكن أن ترتبط بعلاقات غير مباشرة بهذا البلد. ولكن تونس لم تعمد إلى اتخاذ خطوة في هذا الصدد ولم توكل لسفارة أو طرف آخر مهمة حماية مصالحها في سوريا، مما يعني أن مصالح جاليتنا معطلة، حسب تعبير المناعي. الموقف الرسمي التونسي يظهر من خلال تصريحات وزير الخارجية عثمان جندري الذي أعلن أن تونس وبرغم قطع العلاقات س«تتواصل بطريقة أو بأخرى» مع السلطات السورية لبحث ملف التونسيين المسجونين في سوريا، مضيفا أن المجتمع المدني التونسي يمكن أن يقوم بدور في هذا المجال. وتشير وزارة الخارجية إلى أنّ عدد أفراد الجالية التونسية في سوريا يقدر بحوالي 1500 فيما تقول منظمات غير حكومية إنهم 4000، ويقول المناعي انه لو كان لتونس من يمثلها في سوريا سيكون بإمكان السلطات التونسية أن تعرف على الأقل عدد من ذهبوا ل»الجهاد في سوريا» وعدد من قتلوا أو سجنوا، فالسلطات التونسية اليوم لا تملك معلومات أكثر من تلك التي تتداولها وسائل الإعلام قد يرى عديد المراقبين أن تطور الأوضاع في سوريا اليوم يفرض على تونس أن تتعامل مع علاقتها بدمشق من وجهة نظر مختلفة، فكل الآجال التي وضعت لسقوط الاسد مرت دون ذلك، والوضع أكثر تعقيدا مما يمكن أن يبدو عليه. قد لا تؤدي هذه التطورات إلى عودة العلاقات من جديد كما يرى العبدلي الذي يؤكد أن قطع العلاقات تم على أساس وقوف تونس إلى جانب الشعب السوري ضد «نظام يقتله» إلا أنها قد تستوجب مراجعة موقفنا من الوضع بشكل عام.. حتى لا تبقى مصالحنا في التسلل