سياستنا مبنية على الانفتاح والتعدد من أجل مشهد ثقافي جديد في ليبيا أنا مع التمرد الذي يخدم الفرد ويدعم قدرته على الإبداع ◗ حاورته: نزيهة الغضباني شدد وكيل وزير الثقافة والمجتمع المدني لجمهورية ليبيا الشقيقة على خيار توسيع المحيط الثقافي وتنقيته من الشوائب الحزبية والسياسية ليكون الفعل الثقافي بمختلف تجلياته بمنأى عن التوظيف السياسي أو الحزبي في المقابل أكد أن الأجندا الوحيدة التي يجب التجند لخدمتها هي مصلحة البلاد عامة وتطوير القطاعات الثقافية خاصة على نحو يكون هذا الحقل أداة توعية وتعليم وتطوير لأبناء هذا البلد الذي تكلس فيه الفعل الثقافي لعقود حسب تعبيره. وذلك من خلال الانفتاح على التجارب المشابهة لليبيا الجديدة كما يرنوا لها أبناؤها الذين ثاروا على النظام البائد والتي تهم بلده ثقافيا لا غير.وتجدر الإشارة إلى أن موسى حريم مختص في الفلسفة وعلم الاجتماع عاش في منفاه بباريس لمدة ثلاثين سنة هروبا من حكم القذافي. وله عديد المؤلفات في الشعر والأدب والفكر وهو أيضا رسام وصاحب دار نشر وترجم عديد الكتب. كما اعتبر وكيل وزير الثقافة والمجتمع المدني بليبيا أن هذه الوزارة تعمل على ترسيخ التعاون الثقافي في مختلف الأوساط ليصبح قاعدة أو عادة حميدة لأنه يؤمن بأهمية الانفتاح على الآخر والمشاريع المشتركة معه واعتبر التعاون مع تونس بمثابة قدر ثقافي يحتم على الجهات المعنية في البلدين وضع أسس علمية وعملية ورسم الأهداف التي تخدم المشهد الثقافي في كل بلد. موسى حريم تحدث ل "الصباح" عن عديد المسائل الأخرى في الحوار التالي الذي أجرته معه أثناء اللقاء به في جادو أين أشرف على افتتاح إذاعة الشروق هناك. من المؤكد أن الشأن الثقافي لا يقل قيمة عن الشأن السياسي في ليبيا الجديدة، ما هي الملفات الثقافية الحارقة والمسائل ذات الأولوية المطروحة على طاولة وزارة الثقافة والمجتمع المدني حاليا؟ - بكل تأكيد مساعي جميع الأطراف السياسية والقيادية في ليبيا في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة على رسم أسس إصلاح وتأسيس على نحو تكون ليبيا لكل الليبيين. لذلك فنحن نعمل من أجل الحفاظ قدر الإمكان على الممتلكات التابعة لوزارة الثقافة من تجهيزات وهياكل واسترجاع ما تم أخذه. فضلا عن إرساء وترسيخ مبدإ الحوار المنطقي والعقلاني وفق التحليل المنطقي والمحايد. بمعنى عدم توظيف الثقافة لخدمة أي أجندا سياسية أوفردية. كما أننا نركز على توجيه اهتمام خاص ببعض القطاعات الثقافية. بم تفسر المراهنة على قطاعات دون أخرى؟ - أعتقد أننا في مرحلة تأسيس للدولة ولا تزال كل القوى في البلاد تبحث عن أدوات التأسيس المناسب. لذلك فإن الحديث عن قطاعات أو مجالات في هذه المرحلة بالذات لا يعني أن بقية القطاعات سيتم صرف النظر عنها. فقد توفقت الوزارة مؤخرا في بعث ثمانية هياكل جديدة تعد مكسبا للحقل الثقافي توزعت بين مراكز ثقافية مسارح وترميم وصيانة أخرى، فضلا عن تجهيز عدد كبير من المراكز الثقافية داخل الجمهورية بأحدث التجهيزات. إضافة إلى نشر وطباعة كتب وإصدار صحف ثقافية مختصة للنخبة والمثقفين. وأعتبر بعث مراكز للدراسات على غرار المركز الليبي للثقافات المحلية، تعد تجسيما للخطوات الهامة في طريق التأسيس لواقع ثقافي أفضل. من جهة أعتبر توجه سلطة الاشراف إلى العناية بقطاع المسرح من خلال تشجيع محاولات النهوض بحركة الفن الرابع من بين الأولويات. لأن لهذا القطاع دورا فاعلا في تثقيف الشعوب وتوعيتها والدفاع عن حقوقها. وهذه المساعي موجهة بالأساس إلى المناطق النائية والصحراوية التي عانت من التهميش أكثر من بقية المدن. هل ساهم، خيار ضم المجتمع المدني إلى جانب سلطة الاشراف، في تسهيل المهمة بمنحه هذا الدور ليكون قوة داعمة عوضا عن وقوفه في صفوف المعارضة؟ - هناك تصور خاطئ لدى البعض يرى أن مؤسسات المجتمع المدني تابعة للدولة لكننا نراها موازية لها وتقوم بعمل ميداني كبير بصفة متطوعة. لتلعب هذه القوى دور الوسيط بين المواطنين والمسؤولين. لكننا في المقابل نطمح لترسيخ مفهوم أنه لا وصاية على المجتمع المدني أيضا. بقطع النظر عن المدّة، هل تعتقد أنه بالإمكان تحقيق جملة الأهداف المنتظرة بأدوات محلية؟ - ما أعترف به حاليا هو أن الكفاءات الموجودة والتي نعتمد عليها هي كفاءات وقوى محلية بحتة. لكن هناك تعاط مع هياكل دولية مثلا منظمة اليونسكو التي عرضت توليها بمهمة صيانة التراث المادي في مرحلة أولى نظرا لما تزخر به ليبيا من مواقع ومعالم أثرية كبيرة مصنفة ضمن التراث العالمي، ليكون التراث اللامادي في مرحلة لاحقة. هل تعني أن في ليبيا اليوم هناك سياسة ثقافية واضحة المعالم لم تجد أمامها أيّ صعوبة؟ - من الصعب تغيير المشهد الثقافي بعد تصحّر وتجفيف لمنابع الفعل العمل والإبداع في مختلف القطاعات والمجالات لمدة أكثر من أربعة عقود في فترة وجيزة. لكننا بصدد تنقية المناخ الثقافي من الترسبات المتمثلة خاصة في ارتباط الفعل الثقافي بالتمجيد والتهميش والتوظيف لخدمة الفرد على حساب المنجز. لذلك فمهمتنا جد صعبة ولكنها بمثابة مسؤولية وطنية وإنسانية. فنحن نعمل على ترسيخ ثقافة الانفتاح على الآخر خاصة ما يتعلق بالتعاون الثقافي مع الدول التي تهمنا ثقافيا على غرار تونس ومصر والمغرب وفرنسا وبريطانيا. فالمشهد الثقافي محكوم بخطوط عريضة تتمثل أبرزها في الانفتاح على التنوع والتعدد الثقافي والاهتمام بثروة التراث المادي، فضلا عن التكثيف من الحراك الثقافي في الداخل والخارج لتكون ليبيا منفتحة على العالم وتهتم بما يحدث حولها. ولكننا نواجه صعوبة كبيرة في تحقيق هذا المشروع الثقافي الجديد لأن في ليبيا لم تترسخ تقاليد ثقافة بل ظل الاهتمام بهذا الجانب محدودا إن لم أقل منحصرا لدى بعض الفئات. وأعتقد أن المبدع لا يمكن خلقه بل توفير المناخ المشجع عليه وهذا ما نسعى له. فأنا مع التمرد الذي يخدم الفرد ويدعم قددراته على الإبداع بمعنى يكون هذا التمرد إيجابي. ألا تشاطرني الرأي إذا قلت أنّ ليبيا تحتوي على كنوز تراثية ومعالم طبيعية وحضارية ترشحها لتكون قطبا سياحيا إقليميا وعالميا؟ - صحيح، وهذا ما نطمح إليه. لأن ما يهمنا هو إبراز دور ليبيا الحضاري والثقافي على مستويين إقليمي وعالمي. وهذا ما نعمل على تنفيذه لكن بتدرج. لأن هناك خيارات أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار من أجل تمهيد الطريق لهذه البادرة. فالقطاع السياحي لا يقل قيمة عن الثقافة أوالاقتصاد وغيرهما. تحدثت عن مشاريع تعاون ثقافي مع تونس وليبيا، فهل لك أن تكشف حيثيات هذا التعاون؟ - من المؤكد أن هناك مشاريع تعاون بين البلدين في عديد المجالات. لأننا نسعى للاستفادة من التجارب التونسية الرائدة على مستوى عالمي في المسرح والسينما وغيرها من المجالات الأخرى. كما نراهن على المشاركة في المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية في تونس. لأن في بادرة بعث مركز ثقافي ليبي بتونس سيسهل هذا المغزى. كما أن من حق تونس فتح مركز ثقافي في ليبيا. وأعتقد أن المشترك الحضاري والتاريخي والاجتماعي من العوامل التي ستعجل بنجاح مشاريع التعاون ليس في مجالات ثقافية فحسب لتعدّاها وتشمل مجالات تنموية أخرى تشمل التعليم وتبادل الخبرات في جميع المجالات المهنية.